«المرزوقي»… و«العادلي»… وسمسار الأراضي إذا حكم!

لم يتبق سوى ثلاثة برامج فقط في قناة «الجزيرة»، تنتمي لجيل «السمنة البلدي»، هي «الاتجاه المعاكس»، و«بلا حدود»، و«من واشنطن»، بعد أن تم استحداث برامج جديدة، وإن كان بعضها يقدمها من ينتمون للجيل ذاته، فإنها تُذكر بالإعلان عن «روابي»، في القنوات التلفزيونية المصرية: «روابي بطعم الزبدة الفلاحي»، و«الاسم روابيوالطعم بلدي»، فلماذا نلجأ إلى «روابي» ونبحث فيها عن عبق «الزبدة الفلاحي» مع وجود «السمنة البلدي»؟!

«بلا حدود» يقدم هذه الأيام سلسلة من الحلقات مع الرئيس التونسي السابق «المنصف المرزوقي»، وقد شدني السؤال عن هروب «بن علي»، ليتبين لي بعد قليل أن المسؤول عن ذلك ليس بأعلم من السائل!

منذ البداية، كان لافتاً أن قراراً بحظر التجول قد صدر في تونس، وشارع الحبيب بورقيبة، الذي كان مستقر الثورة، لا يظهر فيه أحد سوى خيالات بشر، عندما وقف أحد المواطنين ليصرخ في البرية، وينادي شعب تونس العظيم، بأن بن علي هرب، وهو المشهد الذي صار أحد عناوين الثورة، وظلت قناة «الجزيرة» تعرضه لفترة طويلة!

لقد قيل إن قائد الحرس الرئاسي أخبر بن على أن الشعب التونسي قادم إلى القصر، وأنه لا توجد لديه قوات يمكنه بها التصدي لجحافل الثوار، مما جعله يولي الأدبار إلى المملكة العربية السعودية.

هناك بعد غائب في عملية الهروب، هو الخاص بالترتيب مع السعودية، فلا يعقل مثلاً أن تكون الطائرة وصلت المملكة بدون الحصول على إذن مسبق!

فهل كان قائد الحرس، يخطط ليقود الانقلاب لصالحه، وأن من منعه من ذلك هو تعارض المصالح بينه وبين قائد الجيش، الذي ألقى القبض عليه، ثم ذهب ليعلن أنه رفض عرضاً بتولي الحكم.. ومع من كانت السعودية تنسق؟!

في «بلا حدود»، نفى «المرزوقي» رواية قائد الجيش، وتساءل عن من قدم له هذا العرض؟! ومن خلال البرنامج بدا واضحاً أن قائد الجيش غضب على الرجل الثاني في الأمن الرئاسي، الذي دعا أركان دولة بن علي لتطبيق أحكام الدستور بعد خلو منصب رئيس الجمهورية، وسأله غاضباً من الذي دفعك لدعوة هؤلاء الناس؟! وهو تساؤل يعني أنه كان يتمنى فراغاً ليشغله، لكن ربما عطله أن الجيش لم يكن جزءاً من منظومة الحكم. ومن حسنات الحبيب بورقيبة أنه أبعد الجيش تماماً عن السياسة ودوائر السلطة، فعندما وجد قائد الجيش المجال مفتوحاً ارتبك، وبدا الأمر أكبر منه!

أحمد منصور، عرض جانباً من رواية «ليلى الطرابلسي»، حرم «بن علي» كما جاء في كتابها «الحقيقة»، وكيف أن صعوده للطائرة كان دفعاً من قبل قائد الحرس، الذي حذره من أن حراسه قد يقتلوه ولا يملك حمايته، وذهب بن علي للسعودية، وفي نيته الرجوع لكن قائد الطائرة اعتذر عن الاستجابة له، وقال المرزوقي لإنه نفذ تعليمات صدرت له، دون أن نعرف من أصدر هذه التعليمات!

لم ينجح برنامج «بلا حدود» في قراءة «الصندوق الأسود» لأن «المرزوقي» ليس ملماً بتفاصيله، ولا شك بأن التحديات، التي جابهت ثورات الربيع العربي، حالت دون الوقوف على معلومات مهمة في المشهد التونسي برمته!

في الحالة المصرية، كان أكثر ما يشغلني في عملية التوريث أن كثيراً من الملفات، التي لم يكن مسموحاً بفتحها أيام مبارك، سوف تنتهي، لأن توريث الحكم سيضفي عليها الحماية، ليكون شهود الحوادث قد ماتوا عندما يرحل الوريث عن السلطة، وقد وجدت في الثورة التي أطاحت بمبارك فرصة لفتح هذه الملفات وإعادة كتابة التاريخ المزور من جديد، لكن الثورة المضادة بقيادة المجلس العسكري، لم تمنحنا الفرصة لالتقاط الأنفاس، وصار التوصل إلى المعلومات الحقيقية حول هذه القضية أو تلك ، نوعا من الترف والأخطار تحيط بالثورة من كل جانب!

لقد انتقل أحمد منصور ليعالج مع ضيفه موضوع الخلافة، والتي كان الالتزام فيها بنصوص الدستور، وهو ما دفعه ليتساءل عن أي ثورة هذه التي تحتكم إلى قوانين النظام الذي خلعته؟!

وقد أرجع المرزوقي هذا إلى طبيعة الثورة، لأن الأحزاب لم تكن مؤهلة لهذه اللحظة، ليصبح البديل هو انقلاب الجيش!

في مصر واجهتنا الحالة نفسها، فقد رضي السواد الأعظم من الثوار عن قرار المخلوع الذي اختار لنا خليفته في الملاعب، وبدا أنه لم يكن في الإمكان أبدع مما كان، فالثورة وإن أفرزت مطالب إلا أنها لم تفرز زعامات، فمن الذي يمكنه أن يقود الجماهير لاستلام الحكم بقوة الدفع الثوري؟!

محاولة التمسك بنصوص القوانين القائمة في أمر الخلافة ليست قاصرة على ثورات الربيع العربي، فهذه معضلة واجهت حركة ضباط الجيش في مصر في سنة 1952، وتمت الاستعانة برئيس مجلس الدولة السنهوري، ووكيله سليمان حافظ، لترتيب أمر الخلافة وفق القوانين القائمة، بل إن وثيقة تنازل الملك فاروق والتي كتبها الأخير روعي فيها أن تأتي متسقة مع نصوص الدستور!

وإذ أقرأ هذه الأيام الشهادات حول هذه المرحلة، ومن «مذكرات عبد اللطيف البغدادي»، أحد الضباط الأحرار، وعضو مجلس قيادة الثورة، إلى «ذكرياتي عن الثورة» لسليمان حافظ، فقد راعني أن فكرة الالتزام بالدستور والقوانين كانت مطروحة على جدول أعمال ثوار يوليو بقوة، قبل أن ينفرد عبد الناصر بالسلطة ويذهب بعيداً!

العادلي والسيسي!

لم يكن جديداً، ما قاله «وائل الإبرشي» في برنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم»، من أن حبيب العادلي وزير الداخلية في عهد مبارك، كان يضع هواتف أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت المراقبة، فالجديد في ما قاله أن من اعترف أمامهم بذلك، كان هو عبد الفتاح السيسي، ولا نعرف السبب الذي جعل المذكور يذكر هذا أمام الإعلاميين؟! فهل كان يهدف من ذلك أن يظهر أنه كان مضطهداً في عهد مبارك؟! لا سيما وأن هذا الاعتراف كان قبل الانقلاب، وعندما كان مدير المخابرات الحربية يدعي وصلاً بثورة يناير؟ وكان إدعاء الاضطهاد موضة هذه المرحلة، ومؤخراً تم الترويج لفيديو قديم للميس الحديدي، ومع أنها كانت المسؤولة عن حملة مبارك الانتخابية، إلا أنها بعد الثورة طلت علينا من الشاشة وهي تعلن أنها في عهد مبارك كان «مقفولا عليها»!

في «العاشرة مساء» قال وائل إن السيسي عرض عليهم جانباً من هذه التسجيلات وكان العرض بشكل سريع، فلم يتبين ما فيه، لكن ما لم يقله لهم السيسي هو كيف حصل على هذه التسجيلات؟! لا سيما وأنه متهم بأنه من وقف وراء اقتحام مقار مباحث أمن الدولة للحصول على هذه التسجيلات، وأيضاً على ملفات أعضاء المجلس العسكري، بعد أن حررت ثورة يناير قادة الجيش، وتكمن الأزمة أن هناك قضية ضد للثوار أمام جهات التحقيق، والذين كانوا مجرد غطاء لعملية الاقتحام دون أن يعلموا، وهناك تهديد بفتحها والتحقيق مع المتهمين باقتحام هذه المقار، وقد تم عزل رئيس نادي القضاة السابق من العمل القضائي زكريا عبد العزيز، ومن بين الاتهامات الموجهة له أنه قاد الجماهير التي اقتحمت مقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر!

السؤال الملح الآن، هل كانت هناك نسخة أخرى من هذه التسجيلات في حوزة حبيب العادلي؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فأين توجد هذه النسخة: داخل مصر أم خارجها؟ وهل لهذا علاقة بعدم القبض على الوزير السابق بعد صدور حكم بسجنه سبع سنوات مع الأشغال الشاقة في قضية فساد؟!

لماذا يتستر عبد الفتاح السيسي على وزير الداخلية السابق؟!

إعادة تقييم المذيعات

عندما قرأت خبر تشكيل لجنة في التلفزيون المصري لإعادة تقييم المذيعات، قلت إن هذا الفيلم شاهدته قبل ذلك!

فقد سبق لرئيسة للتلفزيون المصري، هي الآن في دار الحق، أن عرضت علي عضوية لجنة لإعادة تقييم المذيعات، لأن بعضهن دخلن المبنى بالوساطة والمحسوبية! 

كنت أعلم أنها تقصد المذيعة سلوى عاصم على سبيل الحصر، والتي أبعدتها بقرار منها من العمل كمذيعة ربط، فألغى القضاء الإداري قرارها ووصفه بسوء استعمال السلطة!

وكان رأيي أنها كذلك تبحث عن مدخل لتجعلني من الحاشية، فعضوية اللجان مرتبطة ببدلات مالية، والمرضى عنهم يكونون ثروة من عضوية لجان ماسبيرو، وبعد رفض فسرته لي بأنه هروب من مسؤولية الإصلاح وهي تتيح لي الفرصة، فمثلي لا يعرف إلا النقد والهجوم وفقط، فقد أبديت موافقتي على عضوية اللجنة مع تنازلي عن المكافأة المالية المقررة لأن فيها شبهة احتواء، فذكرت لي أسماء الأعضاء وكانوا من كبار الصحافيين، وقالت إنني بذلك أضعهم في حرج، واقترحت عليها أن يكون تنازلي سراً، لكنها تجاوزت فكرة اللجنة، وقامت بإلغاء بند مذيعات الربط، التي عُرف بهن التلفزيون المصري، واللاتي يقدمن في الفواصل الفقرات التالية، وذلك لتتخلص من المذيعة السابقة بالذات في هذه الفقرات!

فكرة إعادة تقييم المذيعات الآن تأتي اتساقاً مع مرحلة جديدة، قررت فيها السلطة بيع منطقة مثلث ماسبيرو، بما فيها هذا المبنى التاريخي، لرجال أعمال إماراتيين، فيتم التخلص من أكبر عدد من المذيعين والمذيعات تحت لافتة إعادة التقييم ثم تسريح أكبر عدد من العاملين في المبنى كمعاش مبكر، تمهيدا لنقل التلفزيون المصري إلى مدينة الإنتاج الإعلامي فكل المنطقة سيتم إخلاؤها، بما في ذلك المبنى القديم والجديد لمؤسسة «أخبار اليوم» الصحافية!

دورة جديدة لعبد الفتاح السيسي في الحكم وسوف يخلي منطقة وسط البلد كلها وتسليمها للمستثمرين الأجانب ضمن مهمته التاريخية في تجريد القاهرة من معالمها.

إنه سلوك سمسار الأراضي إذا حكم!

وسوم: العدد 722