مأساة

مَحمد اسموني

حبيبتـي، يا من كنتِ لي مـلاذاً بالأمسِ

يا رفيقةَ دربـي ومنايَ في هَمّي وفي أُنْسي

وأنتِ اليوم بعيدةٌ،عن حِسّي وعن هَمْسي

أيرضيكِ جَـوْرُ البَيْنِ والتَّـخَلّي

فأحيا غريباً بين صَحْبـي وأهلي

هلِ الداءُ اللعينُ ،عَدْوى مني

قد صَيَّرك تُديرينَ الوجهَ عني

أَوَ ذِرْعاً ضِقْتِ بـي ومني

هل ضَجِرَتِ الروح بالصبرِ

فأتــاكِ أمـــرُ الله بالسِّرِّ

أمْ هي اختباراتُ القدَرِ.

ها قد لَبَّيْتِ سريعاً من دعا

فلا الدواء ولا الرَّقْــيُ  نفعا

ما عــاد وصْـلٌ بينـنا ولا وِدُّ

حَلَّ الذي ما منه بُدٌّ ولا رَدُّ.

كنتِ لـي فرحتـي يا مُــــنْـيـتـي

كنتِ لـي نَبْضَ القلب أنتِ.

تحسَّرْتُ عـليكِ، ذرفتُ الدمع سَخِيّاً فوق ثراكِ

لَطَمْتُ وجهي،مزقتُ صدري، في غيابِ سناكِ

كيــف لـي بحبيبٍ وهْـوَ أسـيرُ القـبرِ

أَما يشكو لـي وحشةَ المكان القَفْـرِ

بعدها تُهْتُ في يَـــمٍّ خِضَمِّ

فيه كلُّ ألوانِ الأسى والهَمِّ

نـارَ جـمْرٍ وَقَّدْتِ في الحشا،من غير حَطَبِ

يلفحنـي حـــرُّهُ بشُـــواظٍ من لهــــيبٍ مُرْعِـــبِ

سلوني حينها عن بَـثّــي وحزنـي

أين أُلْفي يومها هنايَ وأمنــي

سلوني عن عذابي ولا تلوموني

ثــم ذروني في حالي وشجوني

غاب عني سريعاً وما أوْصى

ليـتهُ ظـلَّ يصحبنـي ثم أوْفـى

سلوني كيف أحــيا

سلوني كيف أنسى

ما أقسى القدَرَ، ما أقسى!

هل نسيتِ عِشْرَتي أصالتي وحِلْمي

كيف أشُـقُّ وحـــدي، فَيــافـيَ هَمّــي

هل قبِلْتِ الغدر بـي وسجـنـي

وفضَّلْتِ النزوح السريع عـنـي

هــل تناسيتِ مـــودتي وتِحْـنــاني

وفيْضَ نُبْلي وأَزْري في التفاني

ياقِبْـلَتـي  ومآلــي

رُدّي على سؤالي

عَفْواً، أما كنتِ حيناً تنتظرينـي

حتى أُلَمْلِمَ أفــكاري وحـنيـنـي.

تـنتـابُنــي أَشَدُّ نوباتِ الشَّجَنِ

حيناً تُكَدِّرُ صَفْوي

وطَوْراً تُعَطِّلُ شَدْوي

ومـرةً تُــرَدِّدُ شَـجْـوي

وتــــارةً تُعَـثِّـرُ خَطْوي

وأنا أعيشُ بين ثـنايـــا الحَــــزَنِ

هَـــوْلُ البَلاءِ أخْرَسَـنـي وشَـلَّ عقـلـي

وأنا ما زلتُ في حربِ الحَسْرَةِ أُبـْلـي

يعْتــَرينـي بَغْيُ الأسى الآثِــمُ فيُــمْسي

مُـقيـماً بين أضْلُعي يُضاعفُ حَبْسي.

وزاد غَـمّي وحزنـي حينما انصـرفتُ

إلى البيتِ بثـقـــلِ الأشجــانِ رجعـتُ

فما من أليفٍ ظلَّ فيه يسعدنـي

ولا صــاحبةٍ باتتْ فــيه تؤنسنـي

لاشيء يردُّ الروح إلَّا إِيَّاكِ

إننـي سئِمْتُ البقاء،فداكِ.

وفي أشيــائكِ الصُّـغرى

ذكريات تـصدمُ نفسي

وقد تـُـدمـي جـــراحــي

ها هي المـــرآةُ ، فــيها الــرؤيـــــا تعَطَّلتْ

وهــل من طَيْفِ صـورة ثـكْـلى تَجَمَّعَتْ

على المــرآة يوماً قد تـطـفو بالـبِـشْــرِ

أيُّ حظٍّ عاثرٍتُخْــفيه عنــي يا سِـــــرّي.

هذا صغيري ينادينـي:

بابا ، أين أمي؟

سؤال من صغيري

يعذب نفسي

يدمي فؤادي

يُحَــيِّـرُني،يُمــيـتُـنـي،يُرْبـي أَسايا

مـتـى نادى: أيا أمــي!

اِرْحَمْــنـي حبيبـي،لا تعَذِّبـنـي

من جديد،يَسْتَفْهِمُــني: اين أمي؟

ومن حــــينٍ إلـى حــــينِ

من شَفا السَّعير يدنينـي

يهزمنـي بتكرار السُّؤْلِ البغيض

ضِمْنَ طــياته الــــوهــمُ الــعريض:

متى تــرجــعُ أمــي؟

قل لي،عِــدْنـي عن عودة أمــي

بوعْدٍ أُمَنّـيـهِ ،ولا صِــدْقَ فيــهِ:

غــداً ترجــع أمــي

فصَبْــراً يا حبيبـي

هَمَمْــتُ والــدمع يَهْــمـي من عَـيْـنَـيَّ حَمِـــيّــا

إيـاك لا تزدنـي بُنَـيَّ،فــوق رُزْءِ اليـوم شَـيّـا

بِـــرَبِّــك  بُنَـــيَّ،  كــنْ مــعي بالأمـــر رَضــيّا

ولا تكـنْ بُنَيَّ، أنت والمــوتُ عَــوْنـاً عَــليَّ

أيا موتُ رفقـاً بحالي،فقد زدْتَ عنــائـي

فمنك وإليك أشــكو محنـتـي وبــــلائي.

نوع القصيدة: وصف، نص منثور

وسوم: العدد 836