الصافنات

رمضان زيدان

كانت لها صولة

عند الفتوح وصهلة

كتبت بدمها معاني الكفاح

على كثيب الرملة

حفرت سنابكها

معالمها آثار الخطى

حدود مملكة الأصائل

فوق سلاسل ممتدة

من الجبال

كان العنان هو الموجّه للجواد

إذا تمرد أو حاد

عن الجادة إذا تعدى

كثيرا قد رَكَضَتْ عدواً

وشنْت الغارات صبحا

كثيراً قد سبقتْ

إلى اقتحام الحصون المنيعة فتحا

وبعدما دانت لها

الدنيا وخضعت الممالك

انطفأت المشاعل

وصار الدرب حالك

مالت لاسترخاءٍ لدعةٍ

ألِفت الوداعة والسكون

ذهبتْ للركون بركن المتاحف

مثلما الخانعين القانعين

بات الجمع زاحف

وعلى الأرض

انبطح الهُمام تربت يداه

تورمت الأنوف

وتغبّرت بين الثرى قدماه

أيتها الصافنات

صرتِ من ركب الفاتحين

إلى صفوف المنعمين

تجرّين حاملة السائحين

من القلعة إلى رأس التين

صرتِ لعبة في أيدي الصبية

وإحدى قطع الشطرنج

صرتِ نحتا من فخار

من احمرار اللون في يوم المولد

بعدما كنت أجلد

في حقبٍ عجاف

أشكالا كثيرة صرتِ للزينة

على الأرفف

وإذا أتت الرياح تعصف

على الأرض

تهوي صنوف الخيول

هَجرَتْ صحاري

جافت سهول

بعد الوثوب وعدو الخوالي

بأرض الإباءِ سنينا تجول

بين الربوع وتحت الشموس

وعند ظلال الوئام المصون

بين المراعي وعشب الخصيب

دلال لهن ملء العيون

كان الزاد وفيرا غزيرا

والفم كان حرا طليقا

وفوق الجبين لمحت بريقاً

بساح المضاء يسوق الشروق

كان الحافر بلا حدوةٍ

ولا سنبكٍ

ولا قيد في خطوكن يعوق

ليس لها من مقود يوجّه

ولا راعيا للدروب دليلا

باتت تقلُّ على صهوتها

معاني . فضائل مداً جليلا

توالت مواكب

تزف البشارة صبحا منيرا

بأرض الفداء

كنتِ وكان الزمان جميلا

يذود الكفاح أمداً طويلا

وبعد النضال

تبدّل فرسان ذاك الزمان

حتى ملامح وجه المكان

لشئ عليلٍ كليلٍ تبدّل

وعزم النهوض خار قعيداً

بأوراق ظل الخريف تسربل

فصار التردي لدرك انحدار

وفوق الجباه وشم الشعار

رخاوة خضوعا أفضى خنوعا

ويبقى آثار التولّي

لخزيٍ مرير تمادى كثيرا

وعادا يُبث شيوعا

وتُختزل من بين خلد المُشاهد

كم المَشاهد بعقلٍ عتيق للذكريات

لا تعدو لحناً شجياً

يردده فوق المسامع شدي الشداة

مرت علينا سحب الزوالِ

فأبحرت باعاً بين الخيالِ

تحولتِ من

رواحل عظمى

لبرواز ذكرى فوق الجدار

عدوتِ وثوباً

بين الدروب لفجر انتصار

بغير حدودٍ فصارت

حدودك بين الإطار

كانت الصافنات

تحمل في أصلابها مهرا

وفوق ظهورها فارساً حُرا

في مهب الريح

تصول وتصيح صهيلا

كانت للناس بساطا

للفتح اتخذوها سبيلا

يعبرون على متنها

البوادي ويقطعون الصحاري

من كان بالنهار وميضا

ومن كان في الليالي ساري

على صهوتها

يمتطي الخيّالة قادة عظام

رغم حداثة سنهم

ترقبهم هالة القمر

وعلى ذات الأثر

أسنة الرماح

تعلو شامخة في غير انبطاح

هنا الصيحة

طوت صفحة من التاريخ

تبدّلت الخيل وصارت دمي

وأشباه الشجعان مشاة

تحت عربدة الهوان

العدْو تبدّى للخلف نكوصا

وصار انبلاج الإصباح عبوسا

ها هو العرق الصهود

يتصبب من غرتها لحدوتها

في ساح الحلبات

في نزهة الجو الصحو

على شواطئ الحياة

مشتهاة

الفارس قد نزل

على الأرض ترجّل

والنصر المنشود تأجل

لأجلٍ غير مسمى

لحين ظهور المقدام الأسمى

فمن وقتها حل التراخي

وذبل التآخي

بكل الضواحي

وشعل المشيب

ومال الشموخ رويداً رويداً

كشمس المغيب

وسوم: العدد 1007