يوم عاشوراء: ألم وأمل

د. محمد رفعت زنجير

يوم عاشوراء:

ألم وأمل

د. محمد رفعت زنجير

[email protected]

1

يوم عاشوراء يوم يفيض بالأمل وينضح بالألم

فهو وردة انغمست بالدم

وعروس نجلاء شوهتها عيون الحاسدين

شرع صيام هذا اليوم لأن الله تعالى انتصر فيه لدينه ونبيه موسى عليه السلام

فنجى الله كليمه موسى ومن معه

وأغرق الطاغية فرعون ومن معه

2

نهاية كل طاغية هي مقدرة ومحتومة

يصول ويجول ويقتل ويغضب

ويفعل ما يحلو له ويريد

ورعيته تابعة له تخافه

فتمشي كالفئران المذعورة من غضبة القط

والطاغية يعلو ويعلو

والقطيع يهتف باسمه

سرا وعلانية

في كل زاوية وناد

كي يرهب العباد والبلاد

فيزهو كالطاووس

فلا صوت إلا صوته

ولا يرى في الكون غيره

هو الشمس .. هو القمر..

هو السيف.. هو القدر..

هو الماء.. هو الشجر..

هو الملائكة.. والجن.. والبشر..

حتى قال في عزة وشقاق: (أنا ربكم الأعلى)

ولم يعارضه أحد من رعيته المهينة المسحوقة!

فاستحق أخذ الله له (فأخذه الله نكال الآخرة والأولى)

وترك جسده عبرة

للفراعين الذين سيأتون بعده

والذين قد يقولون بلسان الحال ما قاله فرعون بلسان المقال!

3

وقدر الحق أن ينتصر

إما بالأسباب أو بالمعجزة

فالله تعالى لن يترك الحق وأهله لأنهم جنده (وإن جندنا لهم الغالبون)

ولو كان جنده أقل عددا وعدة

ولا يملكون الطبول والمزامير

ولا الدراهم ولا الدنانير

ولا التيجان والنياشين

ولا المغنيات والمداحين

ولكنهم يملكون: معرفة الله.. وحب الله ..

وعناية الله.. ومعية الله

وهذا هو الكنز الأعظم الذي لا يملك مفاتحه أحد غيرهم في هذا العالم.

فكأنهم قد ملكوا البر والبحر

ومفاتيح التصرف في هذا الدهر

4

والصراع بين الحق والباطل قائم إلى قيام الساعة

تختلف صوره وأشكاله..

ولكن ميادينه واحدة: من النفس البشرية يبدأ، وينتهي  إلى زحمة الحياة ومتغيراتها

والناس عادة يميلون مع الغالب المنتصر

فهم مع الأقوى كما ذكر ابن خُلدون

ولكن المنتصر الحقيقي من كان الله معه

ولو قضى شهيدا كأصحاب الأخدود

فقد انتصروا على ذلك الطاغية الخائب المقهور

الذي أحرقهم بناره...

بعدما أحرقوا قلبه بإيمانهم بالله وكفرهم بالطاغوت

فأبى ذلك الأرعن إلا أن يحرقهم بالنار ليذهبوا إلى جنة العزيز الغفار

فخدمهم من حيث لا يريد ذلك!

انتصر الطاغية في زعمه حين حرق الأجساد

وأي نصر هذا أن يحرق طاغية شعبه!

فقدر الأجساد أن تذوب في الأرض

وسيان إن ذابت موتاً فتحللت بشكل بطيء، أو حرقاً فتحللت بشكل سريع!

وانتصر الشعب بتحرر الأرواح وانعتاقها من رق العبودية لغير الله تعالى.

فكسروا بإرادتهم إرادة ذلك الجبار!

5

يوافق يوم عاشوراء أيضا استشهاد سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه

وقد انتصر الحسين لمبدأ الشورى، وأراد أن يعيد الأمور سوية مستقيمة كما كانت في عهد الراشدين

فأراد الله له الشهادة

فانتصر حين استشهد!

ولا نصر كالشهادة في سبيل الله!

والشهداء (أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله)

6

مضى الحسين بعد أن حاول إصلاح الانحراف في القرن الأول

ولكن خيانة الأتباع من الرعاع

وقسوة الخصوم

حولت مسيرة المعركة

فقد كان أولئك الرعاع كما قال الفرزدق للحسين : (قلوبهم معك، وسيوفهم مع بني أمية)

7

لسنا مع نبش التاريخ

فتلك أمة قد خلت...

والله يحكم بينهم يوم القيامة

ولدينا من هموم اليوم ما يغني عن أحداث الماضي

كانت معركة وفتنة بين المسلمين

الحق فيها واضح كالشمس

ولكن هذا لا يجرد بني أمية من فضائلهم كلها

فالله قد وضع الميزان ليقوم الناس بالقسط

وعصرهم خير فيه  دخن كما قال المصطفى عليه السلام

والقوم لهم وعليهم

فأمية كان ابن عم عبد المطلب

وهاشم وعبد شمس توأمان، وأبوهما عبد مناف

وتزوج عليه السلام من بني أمية امرأتين هما من أمهات المؤمنين

وزوج عثمان رضي الله عنه ابنتيه

8

ومهما كانت جريرة قتل الحسين رضي الله عنه كبيرة

فقتل حمزة سيد الشهداء رضي الله عنه يوم أحد كان أعظم

ومع هذا فقد عفا صاحب القلب الكبير فداه أبي وأمي

وبايع الرسولَ القاتلُ وحشيٌّ كما بايعته هندٌ

وتكون شفاعته يوم القيامة لأهل الكبائر من أمته

9

وحينَ واجه شهيد في عصرنا ساعة الموت قال: اللهم سامحني وسامح من ظلمني

فهل يكون أشجع في العفو من الحسين؟

كلا ورب البيت!

كلا ورب الثقلين!

10

الشهداء أنبل بني البشر

وأكرم بني البشر

والشهيد هو من:

يجود بالنفس إنْ ضنَّ البخيلُ بهــا

والجود بالنفس أقصى غاية الجود

ومن يمنح دمه لأمته ومبادئه

سيمنح العفو أيضا

عملاً بقوله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)

11

أصحاب المشاريع العملاقة

هم أكبر من الحقد والثأر والجهالة

لا ينوحون ولا يندبون

ولا يريدون أنهار الدماء

تراق لأجلهم

فليسوا مصاصي دماء

والعفو أكبر أثرا من القتل عند أحرار العرب..

ولله در المتنبي حين قال:

وما قتلَ الأحرارَ كالعفو عنهـــم

ومن لكَ بالحرِّ الذي يحفظ اليدا

ونقول للمتنبي: هاكهم يا أبا الطيب!

إنهم أحرار قريش الذين قال لهم صاحب النخوة والكرم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)

12

ولأنه لا تموت نفس إلا بأجلها

وكثير من أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم قضوا شهداء

حتى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مات شهيدا بتأثير سم اليهودية له يوم خيبر

وقدر الأحرار أن يموتوا تحت ظلال السيوف، كما قال السموءل:

وإنا لقوم لا نرى القتل ســـبةً

إذا ما رأته عامر وســـــــلول

تسيل على حد الظباء نفوسنا

وليست على غير الظباء تسيل

فمن حق أم الشهيد أن تزغرد لما ناله ابنها من كرامة، لا أن تلطم كالعجائز

ولقد أحسن من قال:

أم الشهيد لقد ظفــــــــــرتِ فزغردي

وحذار من همٍّ ومن آهــــــــــــــــــاتِ

لا تلطمي فاللطم ليس ديــــــــــــــــانة

ولتلجئي لله بالدعــــــــــــــــــــــــوات

جاورتِ أهل الأرض وابنك في السما

متنعم بالحـــــــــــــور والجنــــــــــات

قد جاور الرحمنَ أحســـــــــــن جيرةٍ

أكرمْ بجيرة بارئ النســــــــــــــــماتِ

الناسُ موتى والشهادةُ عيشـــــــــــــةٌ

هل يستوي الأحياءُ بالأمــــــــــــــواتِ

13

وقد شعر بالمرارة سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه حين مات على فراشه كما يموت البعير

وكان قد طلب الشهادة بين طعن القنا وحد السيوف

إنْ كان سيفُ الله ماتَ ببيته

فالويل كل الويل للجـــــبناء

الموتُ آتٍ ليس يدفعه الفتى

بفراره من عزةٍ وإبــــــــــاءِ

إن الرجال تهب حباً في الوغى

ويفرُّ منها أتعسُ التعســــــاءِ

والأُسْدُ تأبى ذلةً ومهـــــــانةً

وتهبُّ دون مخــــــافة ورياءِ

للموتِ طعـــمٌ رائع بين القنا

والموتُ غايةُ أسعدِ السعداءِ

أما الخسيسُ فالمعيشةُ قصده

بقعوده عن ســــاحةِ النبلاءِ

يرضى الحيــــاة ذلةً ومهانةً

ويريدهــا دوسـاً بكلِّ حـــذاءِ

14

فلنفرح للشهداء

ولا نسخط على قدر الله الذي اصطفاهم

ولتزغرد لهم أيام السعد

فحسبهم أنهم (أحياء عند ربهم يرزقون)      

والحزن الشديد والتفجع واللطم والسخط ينافي الحس الإيماني والعقل الإنساني

وإذا أردنا أن نحزن على شهداء الجيل الأول من الآل الطاهرين والصحابة الأبرار

وأن نقيم لكل شهيد يوم عزاء

فلن يبقى لنا يوم في السنة نذهب فيه إلى العمل

فنحن أمة الشهادة والشهداء

فهل من شأن الأمة صاحبة الرسالة أن تصبح أمة بطالة

لا شغل لها إلا النياحة والبكاء، على قبور الشهداء!

ولله در القائل:

عزاء حســــــينٍ باتباع محمدٍ

والصبر في السراء والضراءِ

وبأن نكون أمةً مرموقــــــــةً

لا أمة الشـــــهوات والأهواءِ

15

يا محبي الشهداء

لا تقتلوهم مرتين!

فحين كانوا بينكم زهدت بهم

وقلتم كما قال بنو إسرائيل: (اذهب أنت وربك فقاتلا...)

وإقامة العزاء في كل يوم

قتل لهم من جديد

فلا تنكؤوا الجراح

ولا تطوفوا بالشهيد تسألونه

فقد أعطاكم الشهيد كل ما لديه

وهذا رسول الله يأمره ربه أن يقول: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشدا)

ففروا إلى الله وحده

فهو وحده القادر على كل شيء

وأبوابه مفتوحة ليلاً ونهاراً

16

لنتذكر في هذا اليوم مصابنا برسول الله صلى الله عليه وسلم

وكما قال  الشاعر:

اصبر لكل مصيبة وتجلَّــــدِ

واعلم بأن المرء غير مخلد

وإذا أتتك مصيبة تزرى بها

فاذكر مصابك بالنبي محمدِ

فلا تحزن على شهيد قضى في سبيل الله حزناً يسلبك عقلك، ويزحزح دينك.

واحزن على نفسك إذا لم تلتزم بالمبادئ التي من أجلها قضى الشهيد

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبه بالكرام فــــــلاح

17

لنجعل يوم عاشوراء يوم فرح بنصر الله لموسى عليه السلام على فرعون وقومه

وهو فرح ممزوج بعبرات على فقد الحسين رضي الله عنه وعن آله الطاهرين

ولا ينبغي أن نلعن الأيام

فالله هو الدهر يقلب الليل والنهار

ومن قبل سيدنا الحسين استشهد أبوه علي رضي الله عنه في السابع عشر من رمضان

وهو يوم يوافق غزوة بدر

واستشهاد المقربين الأبرار

في أي يوم كان

لا ينبغي أن يكون يوم حزن وعار

لأن الشهادة انتصار

وطريق الخلود

للرجال الكبار

18

هل كان الرسول عليه السلام يعلم بقصة الحسين ومأساته ؟!

إذا كان يعلم ذلك؛ فهو لم يأمر بطقوس العزاء؛ بل أمر بصيام يوم عاشوراء شكرا لله لنصره موسى عليه السلام كما ثبت في الصحيح، وعليه فطقوس العزاء ما أنزل الله فيها شيئاً...بل لقد جعل رسوله صلى الله عليه وسلم العزاء ثلاثة أيام فقط.

وإذا كان لا يعلم ذلك؛ فمعنى هذا أن كل ما يروى في هذا الصدد من أوهام صنعتها أخيلة القصاصين حول كربلاء ما هي إلا  أساطير الأولين!

19

إذا كنا نحب موسى عليه السلام

وإذا كنا نحب محمداً صلى الله عليه وسلم

وإذا كنا نحب حسيناً رضي الله عنه

وإذا كنا نحب الله تعالى قبل هذا كله وبعده كله

فلنحترم هذا الإنسان الذي هو بناء الله في الأرض

ولنسخر كل علوم الدين والدنيا

من أجل إقامة عالم تسوده قيم الإيمان والحب والتسامح والحضارة

ولنتخذ من الماضي دروسا لغد أفضل

فلا يقاول بعضنا بدماء الشهداء

ويتخذها وسيلة للمزاودة في الدين

واللعب بعواطف البسطاء والمساكين

ونسف وحدة المسلمين

20

لقد تعب هذا العالم من فلسفات الشقاء

ومل من أنهار الدماء

واشمأز من قيل وقال .. ووسائل الإعلام التي تتاجر بالكلام

وهو يحتاج إلى برد اليقين

وغصن الزيتون

وسورة الرحمن

21

نتمنى أن يكون عاشوراء

وغير عاشوراء

أياما للحب والتسامح

وللوحدة والتصحيح

فالمبادئ التي قضى من أجلها الرجال

لا تزال موجودة تنتظر من يعشقها

22

تحية لك يا سيدي الحسين

وسلام عليك يا جد الحسين سيدي رسول الله

وعلى أخيك سيدنا موسى الكليم

وعلى الأنبياء والمرسلين أجمعين

وكلِّ من يحملون راية التحرير

ضد الطغاة الظالمين

23

يفرح الحسين

وجد الحسين

وموسى وعيسى ونوح وإبراهيم

وكل الأنبياء والمرسلين

وكذلك رب العالمين

لما نعود إلى النبع الصافي

ونترك التشدق والجدل

ونسمو فوق الجراح والآلام

يقول إقبال:

آلامنا إلى العـــــــــــــــلا أجنحة

نسمو بها فوق مطارات النسور

الروح ســــــــــــر والحياة ظلمة

وشـــــــــــعلة الآلام للأرواح نور

24

يفرح الحسين

وجد الحسين

حين نبني وحدتنا الإسلامية الكبرى

ونعيش تحت راية القرآن

لنعود خير أمة أخرجت للناس

بالوقائع لا بالشعارات

25

اللهم علمنا من عاشوراء كيف ينتصر الحق، ويهزم الباطل

وكيف نساعد الناس

وكيف نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم

اللهم عرفنا كيف نترفع عن الحقد والثأر

وعلمنا الأدب معك

ومع نبيك

ومع آل بيته وصحابته

واجعلنا ممن يوقدون الشموع بدل أن يسبوا الظلام

فليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء اللسان كما ذكر نبيك المربي عليه السلام

وإني لأرى فجرا في الأفق قد لاح

(أليس الصبح بقريب)

فتهيؤوا للفجر الباسم

وليكن عنوان مشروعنا القادم:

(وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)