قراءة في رواية ( طقس ) للروائي السوداني أمير تاج السر – اصدار 2015

المتعة في أن تتكون أبعاد لخيال ما في ذهن القارئ بعد الإنتهاء من قراءة الرواية ،

أما الكاتب فينزع من خياله تلك الحالة الصورة ، ويلصقها فوق خارطة المدينة ، أي

مدينة ، متعللاً (بعلّ وعسى) أن يولد شيء ما  لم يكن له اسم من قبل .

وجدت أن أفصل (جبلّة ) الرواية لثلاثة دوائر ..

الدائرة الأولى : وهي التي يعيش فيها الراوي  ويتحرك  وهو البطل الافتراضي الرئيس للرواية .

الدائرة الثانية :تخص بقية الشخوص او المسرح أو عالم بقية الابطال الذين ملؤا وقت احداث الرواية جيئة وذهاباً .

الدائرة الثالثة : فكر الرواية أو (الهيكل الاخلاقي ) كما فضلت أن أطلق عليه  .والذي عاش عليه أو به جميع أفراد مجتمع الرواية ابتداء وانتهاء  ، وهذا  نا تج من الرؤى الأخلاقية الدفينة ، يظهرها أحياناً في الأحداث ويخفيها أحيانا أخرى بضروراتها ، وبدرجات التقدم الزمني ونمو الأبطال .

وكل هذا الدوائر الثلاث يقدمها الكاتب على المائدة جاهزة (بالبهارات) يتذوقها (الطاعم) بصب قليل منها بطبق يتذوقها أو بطبق كامل ليكمل تلذذه (بالطبخ) أو يزيد ليشبع منها غريزة الجوع العادي المتعارف عليه.

جاءت رواية طقس تصف علانية كل من لهم علاقة بالكتابة والتأ ليف  من قريب أو بعيد وبكل الابعاد عمودياً وأفقيا وكانت سريعة موجزة في ذلك وغير ثقيلة كالمقامات خفيفة الظل واسعة الخيال عميقة الثقافة .

وقد  أبدو حذرا قليلاً إذا قلت أنني كنت أترقب (التشخيص) لكني لم أجده بسبب خفة ظل الكتابة . وقد تجاوزها الروائي عندما ذكر يوما ًبمقالة مستقلة له عن  موضوع الاسماء .

في الدائرة الأولى :

كان ولا يزال البطل الافتراضي ( مدرس الرياضيات) تهيمن عليه وعلى ملكاته مهنة التدريس بمنهاجها التعليمي التربوي (وكنت تقصد أولاً ) فهي واضحة جلية خلال وقت الرواية من بدايتها الى النهاية ،وتجلت نهايته بسائق التكسي الذي قدم خدمة مجانية للتوصيل الى المقبرة مقابل ان يفض ما اختزنه عن المدرس وقسوته وسبب تركة للدراسة وأوجز مأثره السلبية وما آل إليه، لأنه  كان أحد تلامذته وقد أعترف المدرس (البطل) أنه أمام مرآة  عادت إليه كل الملامح التي عمل جاهداً لنسيانها بالرغم من أنه قد أمتهن مهنة أخلاقية عالية الاجتماع رهيفة الاحساس ثاقبة التأُثير وقد أًصبح كاتباً مشهوراً ! .

الغريب : أن (التخاطر ) وهنا أصنف  التخاطر  إلى قسمين :

القسم الأول : تخاطر غير مقصود ( يغفل عنه الكاتب )

القسم الثاني : تخاطر مقصود ( وهو منهج الكاتب في الكتابة )

إن البطل الافتراضي يوماً ما قال متنهداً ( تبرأت من وظيفة ... ومن أمرأة ) ص101.

لكنة لم يتبرأ فعليا من أخلاقية الوظيفة وظلت سائدة  طاغية على كل تصرفاته .

أول تلك التصرفات أنه أخلى حياته نهائياً من كل شيء أسمه أمرأه . ( بالمعنى الجنسي والخصوبة والاجتماع ) كان يقمع كل ما هو عاشق للخصوبة (  شاب محب ،فتاة محبة ، متشرد ، فاشل،  امرأة  تريد الخصوبة ، امرأة عاشقة للجنس ، أمرأه متسلطة ، هاوي كاتب شعر ، هاوي كتابة،كاتب  مسرح ) (  بازدرائهم في كل الوسائل المباشرة ،الأوراق ، الجوال ، الفيس بوك ، الجوالات الذكية ...) .

لا يريد أن تتغير الحياة من أمامه يريدها راكدة ليبقي على حياته كما صنعها حياة ترف محصنة وحذرة من أي (تلوث ).

التخاطر المقصود: ظل البطل الافتراضي يبحث عن الخصوبة بطريقة التخاطر التي أختارها افتراضياً للرواية ( أمنيات الجوع ) .

وهنا ازدوجت لدية التخاطرات ووقع مثلما وقع فيه البطل الافتراضي لرواية ( إله المتاهة ) لكولن ولسن . ( الناقد )

ولكنهما أفترقا في الواقع :

-         بطل إله المتاهة : أًصبح متقمصاً لا يزموند دونلي ، ويفعل افعالة وكأنه استنسخ منه ولكن بعصر ثاني .

-         بطل طقس : ظل جامداً متعطشاً للخصوبة التي ظلت حية في التخاطر ، وماتت في الواقع (ليندا ظل الظل ) فبقي (مدرساً) بأخلاقيته المستقيمة،  تقدم به العمر وظل طريد نيشان ، في الاصل هي امنية نيشان أن يبقى سوياً من أجل أن يحظى بالإخصاب للوصول الى حبيبته وفيما بعد اصبح يطارد نيشان مبتغاه بطريقته  : التخاطر .

الدائرة الثا نية :

وفيها حكم على ابطالها التخاطر غير المقصود و ذلك بأن وضع البطل الافتراضي نصب عينية لأن يكتب  بشخصيات ذات طابع خارجي أو غرباء، كما شاهد عينات منها في كوالا لمبور وأن تكون شخصيات رواياته القادمة ولكن :  أصا به (الانفصام) وظل يحكم تفكيره وتصرفاته واختلط معه الخيال بالواقع واضطرب لديه التخاطرالذي لم يكن يقصده .

-         كان بود ه الكتابة عن الغربة ( العالم الخارجي) بذات الدم المحلي أي ان يكون مسرحه :  (مثل شارع العرب – بكيت بنتاج- وبشخوص اجنبية ) . ويبقى ذات البطل الافتراضي مدرس الرياضيات الذي تحول الى كاتب مشهور يقود ما سترو رواية .

-         أو كما قال ( فكرت أن أنقل فوران الشوارع كلها والحدائق كلها الى بلادي الراكدة برغم محنها المتعددة ) .!

-         لكن نهج او أخلاق (العقم) فرضه على كل شخصيات (أمنيات الجوع) .

-         كان نهج البطل الافتراضي أخلاق المدرس – خبرة الكاتب أن يبقي الجميع بدون استثناء بحالة عقم وأن يقف الجميع على شط ( الأمنيات ) ويمارسوا الخصوبة ،أو الاخصاب بالتخاطر الذي يقف على مرمى نظر منهم  جميعاً على الشط الآخر ويظل الجوع قائماً سرمدياً في نفس كل شخص منهم .

-         السيدة الراقية تضخ التعالي باستمرار وهي جائعه تريد الاخصاب بشكل ما وبواسطة مركزها الاجتماعي الذي تتردد اليه لتتصل بما يوازي اجتماعيتها  لنيل أو للوصول لأمنيتها ( الجنس ) الشريف أو غير الشريف .

-         نيشان ( الاسم الارمني المحض ) ويعني الهدف، وهو جائع للخصوبة لايريده البطل أن يشفى من مرضة ومن أمنياته للخصوبة ويظل يتواصل بمن يحب عن طريق التخاطر فقط ولا يمارس الواقع .   

-         نجمة : التي أعلنت صراحة أنها ( جائعة وشديدة الجوع ) هي واحدة  : تريد أن تخصب أن تمارس الواقع (الجنس ) لتصبح ( اثنان ) .

-         ياقوته – شعيب الزهري – الافرنجي – جليسة المحاضرة المؤقتة في نادي الرفاق الاجتماعي – القسيس ماثيو – حج البيت – وحتى ضابط الامن سلمى القاسية – وكذلك الكاتب المسرحي الظل -  وشغالة البيت .

-         كل هؤلاء فرض عليهم الكاتب (البطل الافتراضي ) العقم كلهم ابطال (امنيات الجوع) . الجوع  للإخصاب كلاً برغبته وبأسلوبه .

وطالما ظل يعيش ( حالة عقم ) وفرض نهجة على ا صحابه ابطال روايته ( التخاطر) للوصول او تحقيق الاخصاب (الجنس) اراد ان يضرب لهم المثل بأن يحقق أمنياته وهو أشدهم جوعاً للجنس ( لانه طلق أمرأته منذ زمن وأختار اخلاق المدرس العصامي المستقيم  ) واراد أن يصل عن طريق التخاطر لبغيته بخلق حالة ( نيشان الافتراضية والواقعية ) افشلها عمداَ ( لأنه كاتب ) واستبدل الافتراض بالواقع بأن خطب ( فتاة لوحته التي رسمها بنهجة الواعي ) لكنه غيبها بالموت عمداً ليغيض شخوص روايته المتمردون وليقمع القراء وليثبت ( ترفه البالغ ) وبالكتابة وليدحض كولن ولسون ببطله ايزموند دونلي الذي وصل بالتخاطر الى الواقع وحقق الاخصاب (الجنس) من دون أن يعاقب أو يحاسب على فعلته أو أفعالة و سيما وقد كانت هذه أمنيته في البداية.

الدائرة الثالثة :

الكلام هنا لا يكاد ينفصل عن الدائرة الثانية السابقة ولكن حقيقة الوعي وعدم الاسفاف بالحرف الهادف يجعل التمييز بين الواقع والتخاطر يسير على خط دقيق وخاصة بموضوع (الجوع) الى الاخصاب الذي يتملك كل كائن حي مهما بلغ به الوعي أو أنحدر به الجهل فيظل يعيش بأمنياته للوصول إليه او الحصول عليه .

وكما قالت النظريات  المادية في تفسير الجوع  (للجنس)وكيفية الوصول اليه أوسده ، بأن تتلاقى فيه بالنهاية كل الطبقات الرأسمالية والبرجوازية والفقيرة والمتدينة والوثنية . كل هؤلاء يحصلون عليه (واقعياً) بممارستهم الجنس الاخلاقي واللاأخلاقي العلني منه والخفي ويتوحدون فيه بالنهاية نتيجة (رفضه البطل رفضا قاطعا في حالة نجمة) .

ومن هذه الرؤيا أو النظرية عمدوا الى تقنين العلاقة بين الجنسين بكل القوانين المستحدثة لكل طبقات المجتمع (القوانين العلمانية الوضعية ) وسخروا كل الامكانات المادية والاجتماعية من أجل مكافحة الامراض النفسية الناتجة عنها وما يتبعها من قوانين الاباحة المنضبطة للعلاقات بين الجنسين بكل الاصعدة والاعمار التي تنجم من  ظهور ( شدة الامنيات أو ضعفها ) للجوع للجنس .

ولكن :

عندنا في بلادنا لهذه الامنيات ، لها  (طقس) يطغو على كل القوانين والأنظمة والشرائع الاخلاقية واللاأخلاقية .

هنا كائنات حية ( كاملة الاحاسيس والمشاعر )فقيرة أوغنية ،منحرفة او مستقيمة، وهي تعيش حالة ( جوع ) وتعيش ( حالة أمنيات ) دائمة تبدو مقهورة معتملة في داخلها من شدة الجوع (والطقس) في حي وادي الحكمة في بلادنا يضغط عليها بكل الألوان والمعضلة الكبرى أنه خارج عن كل المقننات ! .

الكاتب ينحو منحى (التخاطر) لعل المصاب بالجوع يصل الى شيء من الاشباع ولو بالكذب على نفسه باقتناء الاجهزة الذكية ، ووسائل التواصل المعاصرة .

بطل ( إله المتاهة ) يصل الى أن يصبح ذاته (ايزموند) من التخاطر الى الواقع ويلقي بكل القوانين والأنظمة الواقعية جانباً وبأخلاق الكاتب يصبح ممارساً للأخصاب بجدارة بالغة ( في بلاد الغربة الفائرة )  وقبل أن يحصل على أي من تلك الوسائل !!.

بطل ( طقس) يظل أسير ( طقس )   ( أمنيات الجوع هذا) مهما كانت صفته  ، ومهما كان موقعه ومهما كان تأثيره ....................

........................... انتهت

وسوم: العدد 777