( السيرة النبوية- الصحوة – النهضة ) 6 الشمولية : عقيدة واجبة

أ. عباس المناصرة

الخط الثالث: الشمولية (عقيدة واجبه، ومسار علم وطريق نهضة)

الشمولية في اللغة تعني: العموم والاحتواء والإحاطة والكلية

الشمولية في الاصطلاح: هي اعتقاد يحمله كل مسلم، مفاده أن " الإسلام دين كامل شامل صالح لكل زمان ومكان " لا يعجز عن تفسير الحياة ولا يعجز عن حل مشكلاتها، لأنه دين صادر عن الله سبحانه وتعالى، الذي وصف نفسه، (لا يعزب عنه مثقال ذرة..) سبأ: 3.

وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم واضحاً في قوله تعالى:

1 -  (ما فرطنا في الكتاب من شيء) الأنعام: 38.

2 -  (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) يس: 12.

كما أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بشمولية الأخذ بكتاب الله فوصفهم بقوله: (وتؤمنون بالكتاب كله)... آل عمران: 119.

ويتمثل الإسلام بنظامه الكامل (العقيدة - الشريعة - نظام الحياة المنبثق منهما) وقد ورد معنى الشمولية عند علماء الأمة القدامى أمثال الإمام الشافعي والشاطبي وغيرهم تحت اسم (العمومية)، عمومية المقاصد الشرعية للشريعة الإسلامية، يقول العلامة سيد قطب - رحمه الله- موضحاً مصطلح الشمولية: " وهي سمة من سمات الربانية، فالشمول طابع الصنعة الإلهية وتتمثل خاصية الشمولية في صور شتى ".

1- رد هذا الوجود كله بنشأته، وكل انبثاقة فيه، وكل تحول وتغير وكل تطور، والهيمنة عليه وتدبيره وتصريفه وتنسيقه، إلى إرادة الله السرمدية الأبدية المطلقة.

وهذا التصور يعطينا تفسيراً مفهوماً لانبثاق ظاهرة " الحياة " في المادة الصماء، ومن لم يعترف بهذه الإرادة المبدعة، عجز تماماً عن التعليل والتفسير أو تخبط الفلاسفة في شتى العصور.

قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر:49، (وخلق كل شيء فقدره تقديراً) الفرقان: 2، (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) طه: 50، (والله خلق كل دابة من ماء) النور: 45، (وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأنبياء: 30.

وهذه الحقيقة تعفي العقل البشري من الضرب في التيه بلا دليل، كما تفعل العقول الضالة، بالإحالة على الطبيعة أو العقل، أو الكائنات الأسطورية، كالوثنيات على مدار التاريخ؛ ولذلك فهو يرد خيوط الكون والحياة كلها إلى يد الله، ومراقبته وهيمنته وسلطانه، وبهذا يرتاح الإنسان ويطمئن إلى عقيدة راسخة لا تيه فيها.

2- وهو كما يتحدث عن الحقيقة الأولى للأُلوهية، وخصائصها وآثارها وصفاتها، كذلك يتحدث عن حقيقة العبودية وخصائصها، وصفاتها وحقيقة الكون، الإنسان، الحياة لتربط العلاقة الواضحة بين الألوهية والعبودية في وضوح تام، فيعرف الناس بربهم تعريفاً دقيقاً كاملاً شاملاً.

 (الحمد لله رب العالمين) (الفاتحة: 2)، (الله لا إ له إلا هو الحي القيوم) (البقرة: 255)، ويعرف الناس بطبيعة الكون الذي يعيشون فيه وخصائصه وارتباطه بخالقه،.. ويحدثهم عن الحياة والإحياء.. ويحدثهم عن الإنسان من حيث مصدره ومنشأه وغاية وجوده ونهايته.

3- ومن صور هذه الشمولية، مخاطبة الكينونة البشرية بكل جوانبها، وبكل أشواقها وبكل حاجاتها وبكل اتجاهاتها إلى جهة واحدة تتعامل معها، ترجوها وتخشاها، وتطلب رضاها وتتلقى منها التصور في قيمها وموازينها وشرائعها، وبذلك تتجمع كينونة هذا الإنسان بمشاعرها وسلوكها وتصورها واستجابتها في شأن العقيدة والمنهج والتلقي، وشأن الحياة والموت، وشأن الدنيا، والآخرة فلا تتفرق ولا تتمزق(21).

*(عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية )

وسوم: العدد 865