(السيرة النبوية – الصحوة – النهضة )10 فوائد المنهجية النظرية

وتتلخص فوائد هذه المنهجية النظرية المتخصصة في إلى كثيرة منها:

1- إن التطبيق الحقيقي للإسلام لا بد أن يسبقه تصور نظري شامل، يهدي هذا التطبيق، ويحميه من الفوضى والضلال، لأَن العمل بدون علم يكون معرضا للضلال، والعلم بدون العمل يكون حجة ووبالا على صاحبه أمام الله سبحانه وتعالى.

2- التأصيل الشرعي لهذه النظريات أو الأنظمة المتخصصة هدفه حماية مقاصدها الشرعية من الهوى والإفتاء المتعسف الذي يعتمد الشواهد القليلة، التي تشوه الفهم وتوقع في السطحية، وتحارب التعمق العلمي وتخضع للأمزجة، وتتهرب من الخضوع لكامل الموقف الذي يفترضه الشرع، وبذلك يحمي التأصيل الشرعي فهم المسلم من مزاجية القياس والاستنتاج، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، كما انه يحمي المقاصد الشرعية من عبث العابثين، وبذلك تتأكد إسلامية النظرية والمنهج، وإسلامية الغايات والأهداف وإسلامية الفهم والتطبيق.

3- تحصين التفكير الإسلامي من حالات الغزو الثقافي والحضاري، والمحافظة على خصوصيته الحضارية المتميزة، في وقت يتم فيه التدجين الحضاري لصالح الآخر، عن طريق خلط منهجيات ومصطلحات من نظريات العلوم الغربية بشيء من عموميات علم التفسير وآية وحديث تحت اسم الاجتهاد والتجديد، ويسمى من يقوم بذلك مجدداً، مع أَنْه يعيش حالة من الترقيع الحضاري المزري والمكشوف.

4- ترشيد الانفتاح بالأصالة القائمة على وعي الذات الحضارية، لأننا نجد كثيراً من الناس من يضع الحديث الشريف (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها...) في غير موضعه، فيخلط ما تعلمه من علوم الغرب في النفس والتربية والاجتماع مع بعض المنطلقات النفسية والتربوية والاجتماعية في الإسلام تحت اسم البحث عن ضالة المؤمن والانفتاح على العلم، وهو فاقد لمنهج الأَخذ والعطاء الحضاري، ولكننا عندما نتوصل إلى النظرية الإسلامية المستخرجة من " القرآن الكريم والسنة الشريفة " في علم ما، نستطيع أن نختار الحكمة عند الآخرين، بوعي ودراية، ودون أن نعكر صفو منهاجنا وصفاء ديننا وخصوصيتنا الحضارية المتميزة، وهنالك فارق كبير بين اختيار الواثق وانفتاح الضعيف الذي لا يميز حكمته من حكمة الآخرين، لان فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يميزه أن كان عنده أو عند الآخرين.

5- حماية تفكير المسلم من الاقتطاع والاجتزاء في فهم الإسلام، وتربيته على أسلوب التفكير من خلال القاعدة العامة والشاملة التي تحدد العلاقة بين الكل والجزء والوشائج بينهما من خلال النظرية العلمية المتخصصة والخريطة الشاملة للإسلام الكامل.

6- الاسترشاد بهذه النظريات الإسلامية في إعادة مشروع بناء الحضارة الإسلامية المعاصرة من خلال علوم إسلامية، مستخرجة من الإسلام نفسه، وتأكيداً لمنهجية الأَخذ بالأسباب، في إتقان العمل للإسلام لقوله عليه السلام: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ".

7- وقد يقول قائل: لا يوجد في الإسلام نظريات بل أحكام ربانية، والنظريات قابلة للصواب والخطأ وهذا الكلام لا خلاف عليه في "الثوابت وآيات الأحكام والعقائد " القطعية الدلالة.

لان القاعدة تقول " لا اجتهاد في موضع النص " ولكننا نقصد بالنظرية هنا تصور المسلم الشامل للخطاب القرآني،في القضية الواحدة، فإنه يقوم على فهم اللغة، وعلى الجهد البشري في تفسير القرآن وفهمه، في ضوء أسباب النزول والخطوط العامة للإسلام، وهو جهد بشري يحتمل الصواب ويتحراه ويحتمل الخطأ.

فالحقائق القرآنية هي حقائق ثابتة، في علم الله سبحانه وتعالى، وهي حقائق واضحة للبشر في كثير من جوانبها لان الله خاطبنا بقرآن مبين، يسهل على عقولنا فهمه واستيعابه ولذلك فنحن كبشر نحاول الاقتراب من حقيقة المقاصد الربانية، من خلال فهم اللغة،وضوابط علم التفسير ولهذا يبقى فهمنا للقرآن هو عبارة عن نظرية أو تصور، قد يقترب من الحقيقة القرآنية وقد يبتعد عنها بقدر الجهد المبذول والتوفيق من الله سبحانه وتعالى.

ونتصور أن الفهم الشامل لموضوع معين من القرآن الكريم هو نظرية وجهد بشري يطلب الصواب ويبحث عنه، ولكنه قد يقع في الخطأ، وقد يكون قابلاً لتعدد وجهات النظر فيه، لأنه اجتهاد قائم على النظر.

ومن هنا اختلف علماء التفسير وعلماء المذاهب الفقهية فيما ذهبوا إليه من آراء في تفسير الآية الواحدة أحيانا، لاختلاف عمقهم في فهم اللغة ولاختلاف إفهامهم وخبرتهم وتوافر الأدلة وظروف التطور الحضاري للامة.

ومن وجد شيئا يعترض عليه في مصطلح " نظرية " فله متسع فيما يقر ب منه كـ " نظام فهم.. أو منهاج فهم.." أو غيره (وثمة فرق أساسي بين مفهوم " النظرية " عند المسلمين ومفهومها عند غيرهم فهي مجموعة حقائق ثابتة في الأصول الشرعية مبعثرة أو متباعدة في كتب الفقهاء، ووظيفة النظرية لم شتاتها في مقولة علمية مترابطة، لأن التنظير في الإسلام لا يكون إبداعا لشيء غير موجود البتة ولا إقامة كيانات صناعية في الهواء، بل هو فهم علمي مترابط لكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام)(24).

8- وقد يصيح صائح من دعاة الفوضوية، الذين يعيشون على الإفتاء المتسرع من خلال ما يتبادر إلى ذاكرته من الأدلة و الشواهد، أتريدنا أن نتوقف عن الدعوة إلى الله؟ حتى نصل إلى النظريات الإسلامية التي ترشدنا إلى علمية العمل بالإسلام، هذا الطريق طويل، وإضاعة للوقت، ونحن لا نطالب بإيقاف الدعوة، إلى الله، ولكننا نطالب بإيقاف التعسف العلمي الذي يمارس في فهم الإسلام، وهذا أمر لا بد منه، وحتى لا توقف الدعوة، ولا نبدأ من الصفر كما يتصور هؤلاء، فهناك كثير من النظريات الإسلامية التي طرحت مشاريعها بجهود علمية غيورة من الأفراد، ولكنها لا يُسترشد بها ولا يستفاد منها لماذا؟ ! لان دعاة الفوضوية لا يحبون الخضوع للعلم، وإنما يجدون سهولة في الاعتماد على ما علق بذاكرتهم من الإسلام كيفما اتفق، فهلا جمعت هذه الجهود العلمية وقيمت وطورت، بحيث يستفاد منها في العمل الجماعي العام إلى أنْ تصل الأمة إلى مرحلة إنضاجها.

وسوم: العدد 869