(السيرة النبوية – الصحوة – النهضة ) 11 المرحلة الثالثة (الشمولية التطبيقية)

الفقه الإسلامي (المرحلة التجريبية)

إن تكامل الخارطة الكلية لشمولية الإسلام النظرية المتخصصة، يؤدي إلى هداية العمل والتطبيق، تماماً كما يتضح البناء في مخيلة المهندس، ثم في خرائطه، قبل تنفيذه على ارض الواقع.

إن وجود نظريات إسلامية (أنظمة فهم أو مناهج فهم) في النفس البشرية، والاجتماع والتاريخ البشري، والتربية والاقتصاد والسياسة والأدب، سوف يعطينا صورة كاملة عن سياسة المجتمعات من خلال ما تعطينا هذه النظريات عن السلوك الجماعي، في التاريخ وتعهده من الناحية التربوية، وعن المال والتملك وعلاقته بحياة الإنسان، وصورة عن إدارة شؤون هذا الإنسان كمجتمع وفرد، وصورة عن الأدب وأثره في بناء وجدان الجماعة المسلمة، وحيث تقوم كل نظرية بهداية العمل المتخصص في مجالها. وهكذا تتعاون هذه النظريات وتتشابك في علائقها لتشكل الصورة الشمولية المفصلة للإسلام تحت مظلة العقيدة والمحاور الثابتة، لتسهل انتقال عقلية المسلم من الشمولية العقيدية إلى التطبيق الشمولي في الواقع اليومي، وعندها تخرج المؤسسات المشرفة على بناء المثال الإسلامي الحي في حياة الناس، وما دام الهدف من النظرية العلمية هو تفصيل العمل الذي يهدي التطبيق ويُبَصِّرُه، فالأصل أَنْ يبتعد المسلم عن التأمل الذي لا يهدف إلى العمل، لان التأمل المترف لذاته ليس من طبع ديننا.

وبهذا تكون النظرية مرشداً للتطبيق، تحمينا من الضلال والانحراف والأخطاء المكلفة، التي تضيع الجهود هباءً، وقد يدلنا التطبيق على خلل وقع في النظرية العلمية فنصحح النظرية من خلال التطبيق، ويهتدي التطبيق بالنظرية العلمية، وكلاهما يؤثر في الآخر ويصحح من مساره، ويكشف جدواه، وعلى ضوء ذلك إما أن يتم التصحيح في النظرية، وذلك بتحسين مفهومها من علم التفسير والسيرة، أو يهتدي التطبيق بالنظرية العلمية فيؤكد صحتها، أو يكشف العجز في جوانب منها فيدفعنا نحو فهم أفضل لمقاصد القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبهذا نتعلم الكتاب والحكمة، كما وعدنا الله سبحانه وتعالى في كتابه " ويعلمهم الكتاب والحكمة..."

إن النزول إلى الواقع بنظرية إسلامية مستمدة من تفسير العلماء للقرآن والسنة، من اجل التطبيق، يلزمه عناصر مهمة أساسية لمثل هذا الهدف هي:

1- النظرية الإسلامية الواضحة المستخرجة من الإسلام نفسه في موضوع محدد.

2- فهم الواقع الذي ستنزل فيه هذه النظرية وعناصر هذا الواقع.

3- المؤسسة المشرفة على التطبيق: وتتكون مما يلي: النظرية، الأهداف، المراحل الغايات، الوسائل، الخطة، الزمن المحدد.

- كادر من فقهاء التنفيذ، يجمعون بين إلى منها فقه النظريات وفقه الواقع، وفقه التنزيل على الواقع.

- كادر من فقهاء المتابعة وظيفته ضبط الفهم النظري والتجريبي والمؤسسي في الواقع، وتصويب الأخطاء بعد حصرها وتحديدها.

- تكرار التجربة والتوسع فيها، للتأكد من صحتها وصحة نتائجها، من اجل تعميمها.

إنّ الهدف من هذه المرحلة هو نقل الإسلام من المراحل السابقة، مراحل التصور الذهني العقيدي النظري، إلى الواقع التطبيقي، من خلال مؤسسات مسؤولة عن التجربة وتنفيذها، ونقدها وتصحيحها حتى نصل إلى أعلى مراتب التطبيق، وتكون النتيجة في الحصول على تجربة ناجحة، وفقه مستخرج من خلال المعاناة، وتصحيح يضبط صحة التجربة ويحافظ على نقاء الغايات والأساليب، من خلال الحصاد والثمر الذي تم التوصل إليه في مؤسسات تربوية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، وتصل في النهاية إلى:

- إثبات الشمولية عملياً في الواقع

- تطوير النظرية في اتجاه العمق

- تطوير التطبيق والعمل

- تطوير الواقع في اتجاه الأهداف والغايات

وبهذا نصل إلى مرحلة صحة النظرية في الفهم وصحة التطبيق في الواقع، والوصول إلى المرحلة الأخيرة، الشمولية العلمية (العلوم الإسلامية).

وسوم: العدد 870