مساقات الأدب الإسلامي/الجامعة الاسلامية غزة/اعداد د.كمال احمد غنيم/

د. عبد الله الطنطاوي

رسالة الأديب الإسلامي

الورقة المقدمة إلى الملتقى الدولي الأول للأدب الإسلامي

المنعقد في وجدة  - المغرب بتاريخ  7 - 8 - 9 من أيلول 1994

- 1 -

الأديب شاهد على عصره، كما المصلح. وإذا كان إسلامياً، ارتفعت واشتدّت وتائر شهادته، بما أوتي من صدق اللسان، ونبل الجنان، ودقّة الإحساس، وحدّة الملاحظة، وموضوعية النظرة، والعدل في الأحكام، لأنه يخشى الله الذي حرّم الكذب في القول، لأنه يتنافى مع الإيمان، وحرّم الظلم، لأنه يتضادّ مع أوامر الله الذي حرَّم الظلم على نفسه، وجعله حراماً على عباده، وأمرهم بألاّ يتظالموا، وتوعّد الظالمين بما لم يتوعّد غيرهم، (والله لا يهدي القوم الظالمين).

والأديب الإسلامي يعي من أمر شهادة الزور ما لم يعه غيره من الأدباء ذوي الانتماءات غير الإسلامية، إنه يعلم أنها كبيرة من الكبائر، فيزورّ عنها، ويتجافى عن طريقها، ليكون شاهد صدق وعدل.. صدقٍ مطلق، وعدلٍ مطلق.. صدقٍ في القول، وصدقٍ في الفنّ، (.. وما يزال الرجل يصدق ويتحّرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صدّيقاً)(1).

وإنّ أشعر بيت أنت قائله      بيت يقال إذا أنشدتَه، صَدَقا (2)

لأن الأهداف النبيلة، يُتوصَّل إليها بوسائل شريفة.

والأديب الإسلامي في تسامٍ وصعود أبداً، ساعياً نحو أهدافه العليا التي ينشدها لنفسه، ولأمته، وللعقيدة التي تملأ كيانه، وللقيم الإسلامية التي يجهد من أجل أن تكون قيماً حيّة في نفوس الناس، ممكَّناً لها في أرض الله الواسعة.

والأديب الإسلامي - بهذا وبغير هذا - ربّما يكون أهمّ شاهد، وهو ليس محايداً في أداء شهادته.. إنه منحاز.. منحاز إلى الحقّ والحقيقة.. إلى هذا الدين الذي هو عين الحق والحقيقة.. إلى قيمه ومثله.. إلى أخلاقياته ومبادئه وتعاليمه، وإلى ما يفيض منها وعنها.. وهو يؤدي شهادته فيما يبدع، معبراً عن إرادة الإنسان الحر الطليق، لا عن غرَائز ينساق إليها من ينساق من أدباء البوهيمية والبهيمة على حدّ سواء.

والأديب الإسلامي ينظر إلى الحياة والأحياء نظرة إيجابية متفائلة.. ينظر في حبّ وودّ، البسمة على شفتيه، وإسعاد الآخرين يتلامح في لمعان عينيه.. خلّف وراءه كلَّ ما يمسّ مروءة المسلم، لأدباء الواقعية السوداء، والواقعية الحمراء، ولسائر الذين يضعون على عيونهم نظارات سوداً، لا ترى في هذه الحياة سوى المواجع والوهدات الموغلة في الهبوط.. الهبوط نحو الغرائز، يشارك فيها البهائم، ويأبى أن يصّعّد بها أو يتسامى إلى القمم التي تليق بالإنسان، وإنسانية الإنسان، وكرامة الإنسان، وشموخ الإنسان، ومروءة الإنسان.. إنهم عاكفون على انتهاب اللذات في أوكار الحرام، وهم الدعاة النشطاء على أبواب تلك الأوكار، بما يكتبون من شعر وقصة ومسرحية ونقد..

- 2 -

وإذا كان الشاعر في أيام العرب الخوالي، موضع إجلال القبيلة واحترامها، لأنه كان لسانها المنافح عنها، النائل من أعدائها..

وإذا كان الشاعر في الإسلام المبشّر بهذا الدين، الذائد عن نبيّه، وعن أصحابه وأتباعه، وعن العقيدة التي جاء بها، فكان بذلك موضع الحفاوة والتكريم من الرسول القائد، ومن أصحابه من قبل ومن بعد.. حتى ليقولُ النبي العظيم لشاعره حسان: اهجهم وروح القدس معك.. اهجهم وجبريل معك.. ويقول لشاعره الآخر كعب بن مالك الذي جاءه خائفاً وجلاً من قول الله تعالى: »والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيراً، وانتصروا من بعد ما ظُلموا، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون«(3) قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما سمعه يقول في خوف من تلك الآيات: »إنّ الله عز وجلّ أنزل في الشعراء ما أنزل« أجابه النبي:

«إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه. والذي نفسي بيده، لكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل»(4).

وأديب اليوم - شاعراً وناثراً - هو شاعر الأمس، وكان الأحرى بدعاة الإسلام، أن يحتفوا به، ويقدّموه ويوقّروه، لأنهم أحوج إليه في هذه الأيام.. أيام الصراع العقدي، من أيّ وقت مضى، وإن تكن أهميته كبيرة وملحّة في سائر الأماكن والأزمان.. وهانحن أولاء، وهاهم أولاء، يشهدون احتفال أصحاب المذاهب الفكرية والسياسية والاقتصادية بأدبائهم، يقدّمونهم، ويقدّمون لهم كلّ شيء مما يخطر على البال أو لا يخطر، والذين زاروا الشاعر التركي الشيوعي ناظم حكمت في قصره في كييف، بعد هربه من تركيا، والتحاقه بالاتحاد السوفياتي، قد حدّثونا أحاديث عجب..

الشيوعيون والوجوديون والاشتراكيون والليبراليون وسواهم، يتخذون من الأدب بعامة، وسيلة مهمة من وسائل نشر أفكارهم، وإثبات ذواتهم في معترك الصراع الفكري والعقدي منذ بداية هذا القرن، وقبل هذا القرن، وكان تأثير هذه الآداب الوافدة والمقلّدة لها، كبيراً على شبابنا الذي تمشرق وتمغرب، فكان منهم الشيوعي، ومنهم الوجودي، ومنهم ومنهم، وقد تولّت دار الآداب ومجلة الآداب في بيروت، كبر الدعوة الوجودية، والأدب الوجودي في عالمنا العربي، حتى غدا سارتر وسيمون دي بوفوار وكولن ولسن سادة الساحتين: الأدبية والفكرية في الخمسينيات، أو من ساداتها..

لا أريد نكء الجراح، ولا أحبّ استعداء الآخرين في هذه الظروف الدقيقة، ولكنها شكوى جريح يئنّ ويضمّ أنينه إلى أنّات إخوانه الذين يشهدون تجهُّم الدعاة الإسلاميين لأدبائهم، أو إهمالهم، أو ما نرى من اللامبالاة بهم، وهاهي ذي مناهجهم تُعنى بكل شيء إلا بالأدب، وها هي ذي صحفهم، إذا تكرمت وأفردت باباً للأدب، فإنه إلى جوار بريد القراء، وإلى جوار الكلمات المتقاطعة، والتسليات الأخرى.. مع أنّ أدباء الإسلامية، كما ورد في مقدمة ديوان البوسنة بحق: »صار الشعر مرآة لوجداناتهم المؤمنة، يشدو بأفراحها، وينبض بآلامها، ويحدو تطلعاتها«.

و »في عصرنا الحديث، رسم شعرنا خريطة زمانية ومكانية لنكبات المسلمين، فمن مذابح البلقان في القرن الماضي، إلى سقوط القدس قبل ربع قرن، ومن مذابح الأفغان وهجرتهم، إلى مآسي المسلمين في الجمهوريات الإسلامية«و »ظهرت في الشعر الإسلامي رؤية جديدة، تتجاوز هموم الذات المفردة، إلى هموم الجماعة الواحدة، وتتخطى الأحلام الفردية الضيقة، إلى آمال الأمة الواسعة..«(5).

لماذا؟

لأنهم طبّقوا مفهوم التلاحم والتناصر في قول الرسول القائد: »مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى«(6).

وشكوى ثانية نجأر بها، هي ما نلقاه من أكثر دور النشر التي تسمّي نفسها إسلاميّة، وأدباء الإسلامية يلقون منها الألاقي، ولو كنا بصدد الحديث عنها وعن سواها، ولولا أنّ الشكوى إلى غير الله مذلّة، لكانت لنا وقفة طويلة مع كثير من هؤلاء، بل وقفات، نتجاوزها الآن، لأننا سنتحدث عن رسالة الأديب الإسلامي في هذه الأيام العصيبة، وسنذكر منها البعد عن السلبية والانهزامية، وإبعاد الناس عنهما فيما ينحو ويكتب، وحديثنا عن كثير من دور النشر، إن لم يبعث على اليأس، فعلى الحزن والاكتئاب..

- 3 -

ولنعرّج قليلاً نحو المثقفين.. نحو النخب الأدبية، ودعونا من النخب السياسية، لأننا فيما نقوله عن الأولى نقول أضعافه عن الثانية..

أولاً: نحبّ أن نؤكد مع الدكتور طه العلواني: »أنّ انفصال النخبة وثقافتها عن الأمة، إنما وُلد مع المحاولات الأولى، ولم يكن وليد السنوات الأخيرة فقط«(7).

ومن هؤلاء، كان الشعراء المداحون النواحون، وكان الكتبة الديوانيون، وكان علماء السلطان أو علماء الشيطان بمنطقهم التبريري الذي تفوح منه روح الكذب والغش والخداع والتدليس وتلبيسات إبليس، محاولة تغطية الشمس شمس الحقيقة، بغربال ممزَّق، فتبدو الأنانية والمصالح الذاتية في ألوان فاقعة من النفاق الحارّ حيناً، البارد في أكثر الأحيان.

»إنّ كثيراً من الجرائم، ارتكب في الفكر والواقع من قِبَلِ مجتمع النخبة في أقطارنا، باسم الحداثة والتنمية والتقدم«.

وإن الحداثة والتقدم اللذين ننقدهما ونرفضهما، هما التقدم نحو الخلف.. تقدُّم التبعية، وتحديث القمع والتسلط والاستبداد الذي يسهم في تعميق التفسخ والانقسامات، وفي جعل مجتمعاتنا غير قادرة على هضم الجديد، واستيعاب النظم العصرية من بابها الخاص.

والنتيجة.. واقع مسخ، ومجتمعات مفتونة متعددة ومتصارعة، تتعايش تحت سقف الدولة القطرية المحدثة.. وفي النهاية.. مُرّرت تحت عباءة التقدم والحداثة والتنمية، إجراءات وأفعال، هي في النتيجة ضدُّ الحداثة والتنمية والتقدم.(8)

فالنخب الثقافية، والأدباء منهم، ويشكّلون سوادهم، هم السائرون في ركاب الطواغيت، يزيّنون لهم جرائمهم، ويحرّضونهم على الشرفاء، ويخططون للإيقاع بهم، ويدافعون عن الطغيان، وينظمون القصائد »العصماء« في مناقبهم، وفي إنجازاتهم، وفي الفتوحات والانتصارات الباهرة التي تحققت على أيديهم، ويدبّجون المقالات السود في إطرائهم..

ونظرة سريعة إلى ما يذاع ويُنشر، تغني عن أيّ تحليل وتركيب.. نظرة سريعة إلى إعلام الأنظمة التي نحترق بهجيرها، تغني عن أيّ شرح أو تطويل.. إذا جلست إلى أحد أولئك النخب، انطلق لسانه الذرب، يسوّغ سقوطه تحت أقدام الطاغية، وقد يتجرأ وينصحك بأن تسير معه، ولا تسبح ضدَّ التيار، فيجرفك التيار وتغرق، ويمزّقك شرَّ ممزّق.. نصيحةَ أخ لأخيه، أو تلميذ لأستاذه، أو أستاذ لتلميذه، أو أب رؤوم وأمّ حنون للولد التائه الذي لا يعرف أين تكمن مصلحته..

سبق أن قلت: لا أريد أن أستعدي أحداً، فصهْ، ومهْ..

- 4 -

وبعد:

أفليست رسالة أديب (الإسلامية) تتحّد مع صفات الأدب الإسلامي ومقوّماته التي تلازم الأديب المسلم في أقواله وأفعاله، ليكون مثالاً حياً لتلك القيم الخالدة، وخلودها فيما احتوته من إنسانيات تتقاصر دونها إنسانيات الآداب الأخرى المنبثقة من تصورات حسيرة كليلة لا ترقى، ولا ينبغي لها أن ترقى إلى قمم تلك التصورات الإسلامية الإنسانية المتسامية أبداً نحو الكمال، حتى لتشفّ عما وراءها من آلاء ولألاء، هي من تضوّعات العقيدة الربانية التي جاء الوجود بها سيد الوجود، من لدن عزيز حميد، كما تنفح الزهرة أريجها في غيو ما تكلف، ولا انتظار كلمة شكر أو أجر، والأديب كالوردة، يفوح عبيرها، لينعش شامّيها دونما استئذان.. فهو في كل ما يكتب، يحذي من حوله، من يطالع ما يكتب من قصة أو مقالة أو شعر، وما يشاهد من مسرحية أو مسلسل تلفزيوني.. في صفاء ونقاء، وفي غيرية صادقة، لا مداجية ولا ممارية ولا مواربة.. يعطي ولا ينتظر ممن يعطيهم أكثر من كلمة حنان، تصدر عن قلب عامر بالصدق والحب والإخلاص.. وأظنّ أن هذا من حقّه.. من حق الأديب الأصيل الذي يقدّم ذوب روحه، وهو يترجم عن مشاعر الأمة، ويعبر عن تطلعاتها وأشواقها وطموحاتها النبيلة.. وهو يشقى لإسعادها.. إذا تمتع غيره بمنظر طبيعي جميل، شقي من أجل نقل ما أحسّ به من جمال، لأبناء أمته، من خلال قصيدة يتذوقونها.. يتذوقون لغتها العصرية، وصورها وموسيقاها، معانيها الجديدة، وأفكارها البناءة، ومتعة الجمال في كل جزئية من جزئياتها.

إنه يحمل على كاهله أعباء أمته، لأنه ينتمي إلى عقيدتها ودينها، إلى أرضها ومجتمعها، فيرقص في أعراسها، ويبكي لانتكاساتها وهزائمها، وهو يشحذ العزائم، ويكبس الملح على الجرح، ويحرّض على النهوض من الوهدات التي تردّت فيها، ويحفزها على التغيير نحو الأمثل فالأمثل، ولا يرضى بدور المتفرج على الحرائق، أو التشفي بالخصوم المتسببين بالانتكاسات والارتكاسات والهزائم، ماداموا من الأمة التي وُلد الأديب فيها، واكتوى بنيران أولئك الخصوم المنحرفين غير الشرفاء في خصوماتهم، لأنه أكبر منهم ومن خصوماتهم، ولأنه إنما خاصمهم من أجل الدين والمبادئ والقيم، ومن أجل الشعب والأرض، من أجل الكرامة والعرض، من أجل البناء السليم، والتنمية السليمة، وليست المعركة شخصية..

إنه يبتعث شخصيتنا الإسلامية التي هبّت عليها رياح التغريب حيناً من الدهر، لم نكن فيه شيئاً مذكوراً..

جاء الأدباء الشرفاء، يحملون رؤوسهم على أكفهم، فحرّكوا أرواح الناس، وأوقدوا نيران الكرامة في قلوبهم، فثارت العواطف، وتحركت الأرواح، وغلت الدماء، وكان ما كان من الجماهير التي جاهدت بدمائها، وحررت أرضها، وكسرت الأغلال التي كانت تكبّلها.. كل هذا بفعل الكلمة المؤمنة الحية التي منحتها القوة على البذل والعطاء، مهما بلغت التضحيات.

وهذا يعني أن الأديب الإسلامي، مدعوٌّ ليكون القدوة العملية في سائر أحواله، ولن يكون كذلك، إلا عندما يكرس نفسه لله، خالصاً، فتخرج كلماته من القلب، لتتمكن من قلوب الملايين، كفعل الأفغاني والكواكبي وإقبال وسيد والندوي ومن إليهم من الأعلام في عصرنا الحديث، أما إذا حدث الانفصام بين القول والعمل، فالكارثة سوف تتلوها كارثة، وسوف تغدو الكلمات حبراً على ورق يلعن كاتبه، ويبرأ إلى الله منه، لأنه سيكون شاهد زور في كل ما يكتب.

- 5 -

وحان الوقت لنتكلم عن رسالة الأديب الإسلامي في هذا القرن.. الخامس عشر من الهجرة المباركة.

وتتمثل في نظرية الهدم والبناء.. هدم المتداعي، وتقويض المعادي، والتصدي للأمراض الفردية والمجتمعية، وإعمال المباضع فيها، لإجراء عمليات جراحية استئصالية، تجتثها من جذورها، وتجهز على المحتضر منها، ثم إزالة الأنقاض، وتطهير المكان، ليؤسس البناء على التقوى بمعانيها الإيجابية جميعاً.

إننا لا نريد استعداء أحد علينا نحن أبناء الصحوة، ولكن.. لابدّ مما ليس منه بد.. لابدّ من الإشارة إلى الأعداء الذين تداعوا علينا من كل جانب، تداعي الذئاب الجريحة الجائعة الحاقدة إلى فريستها.. فالمذاهب المادية، وكلها وضعية فيها ما فيها من الفساد والإفساد، من صهيونية تلمودية، ومن صليبية متصهينة حاقدة، ومن ماركسية واشتراكية ووجودية ملحدة، ومن ليبرالية وإمبريالية ظالمة، ومن داروينية وفرويدية فاسقة فاجرة، وكلُّها وسائر أخواتها من المذاهب المادية و (الروحية) الوضعية العلمانية، تشنّ الحروب التي لم تتوقف لحظة واحدة على الإسلام والمسلمين، وإذا توقفت، فمن أجل التقاط أنفاسها اللاهثة، لتعدّ وتستعدّ، حتى تسنح لها لحظة ضعف، أو ثلمة في ثغر، لتنقض كما الكواسر..

ترى.. ما موقفنا نحن أدباء الإسلامية منها؟

هل ندعها وموبقاتها وشرورها وأحقادها؟ متمثلين بقول من قال: لأن توقد شمعة خير لك من أن تلعن الظلام ، هل نفضحها، لنحصّن الأجيال القادمة، ولكي ينفضَّ عنها المؤمنون بها، أو الذين لم تتمكن من نفوسهم بعد؟

هل نتصدى لعملية التطبيع والتدنيس والخيانات المستعلنة في وضح النهار؟ أو ندفن رؤوسنا في الرمال، أو نتوارى ريثما تمرّ عواصف عصر العلوّ الثاني لبني صهيون؟

إنّ أعداء الإسلام والمسلمين كثر، في الداخل وفي الخارج، وفي دواخل النفوس أمراض فتاكة، هي أشدّ علينا من أعدائنا الذين هم خارج نفوسنا.

من هذه الأمراض التي ندعو الأدباء إلى الإجهاز عليها: أمراض الحسد والغيبة والنميمة والبغض والكره والبخل والجبن والغدر والأنانية، والعكوف على المصالح الذاتية، والفسوق والفجور، والانحراف بأنواعه الشتى..

ومن هذه الأمراض: التواكل والتعصب للرأي، أو إعجاب كلّ ذي رأي برأيه، والفردية والتطرف والغلو في الحبّ والكره والحياة في الماضي، وتجاهل الحاضر والمستقبل.

ومن هذه الأمراض: الإقليمية والشللية وما ينجم عنهما من حروب هي أشبه بالحروب القبلية في ماضينا الجاهلي، حروب القبائل الجاهلة التي تتعصب للقبيلة ولشيخ القبيلة، ولابن القبيلة، ظالماً كان أو مظلوماً..

والأديب الإسلامي، بما أوتي من رهافة حسّ، ومن تألق إيماني يستشف من خلاله قوابل الأيام، وما يمكن أن يستجد فيها من قضايا تمسّ مروءة الإنسان، كالذي يدعونه (صراع الأجيال) وما ينجم عن ذاك الصراع من افتئات على إنسانية الإنسان، فالكبير لا يرحم الصغير، ولا ينصحه ولا يرشده، ولا يقدّم له شيئاً من خبراته، والصغير لا يوقّر الكبير، ولا يرعى له حرمة السبق والريادة والنضال في شتى الميادين، بل يشنّع عليه، وقد يتهمه بالخرف، أو بأنه قد أفضى إلى ما قدّم من عمل خاطئ، أو أنه قدّم كلّ ما عنده، ولم يعد لديه ما يقدمه في غير زمانه، وفي غير عصره الذي ولّى الأدبار.. وبهذا يفرح أبالسة الإنس والجن، ويصفّقون لهذا الولد الصفيق.. يصفقون للمعركة، وتدمى عيون الإسلام وبنيه: وبنوه هم الشرف والمروءة والنخوة والنجدة.. تدمى لهذا التطاول على تعاليم أستاذ الحياة محمد صلى الله عليه وسلم، وما تدعو إليه، وما تحذّر منه وتنذر، عندما يصير الفتى إلى الكهولة فالشيخوخة، ويرتدّ إلى أرذل العمر، ويجيئه فتيان ويعبثون به، ويسخرون مما كتب وأبدع، فشيخ اليوم كان فتى الأمس، وفتى اليوم سيكون شيخ الغد..

أنا لا أتحدث من فراغ، بل من ظاهرة شهدناها لدى الآخرين، ونشهدها اليوم لدى بعض الشواذ الذين يزعمون أنهم إسلاميون، ومن أدباء (الإسلامية). تقولون: أنت تقول: شواذ، والشاذ لا حكم له.. هذا صحيح، ولكني أخشى من تكوُّن ظاهرة، ويصير الاستثناء قاعدة، لأننا نحيا في عصر العجائب، وانقلاب المفهومات، »وهو واقع الحال الذي يعيشه العالم العربي اليوم، بعد حربين مدمرتين: حرب العراق وإيران، وحرب الخليج الأخيرة. وقد تهاوت في هاتين الحربين بقايا شعارات وقيم النهضة والحداثة والتقدم، لتترك بين أيدي العرب والمسلمين فراغاً فكرياً وثقافياً هائلاً، لا يمثل الفراغ السياسي القائم في المنطقة إلا بعض مظاهره«(9).

ولهذا.. أندب الأديب الإسلامي ليجعل من رسالته محاربة هذا الشذوذ المرضي المثير للقرف والغثيان، على حدّ تعبير السارتريين.

وثمة مرض خطير يهدّد مقوّمات العقيدة، وأركان الإيمان، ودعائم التوحيد في قلوب أبناء الأمة، أعني الاستبداد السياسي، فما أساء إلى الأمة شيء إساءة الاستبداد السياسي لها(10).

ومن هنا وجب محاربة هذا المرض، بتربية أبناء الأمة على الحرية والكرامة والشجاعة والاتصال بالله، والخوف منه وحده، لا من الطواغيت مهما علوا واستكبروا ولجّوا في طغيانهم، عندئذ تتهاوى الديكتاتوريات، إذ »ما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبداً، وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبداً، وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها، وتؤمن به، وتأبى أن تتعبّد لواحد من خَلقه، لا يملك لها ضراً ولا رشداً. (11)

ثم إن الحريات السياسية سبيل الإسلاميين لتسلّم زمام قيادة الأمة، فحماية هذه الحريات، وتكريسها، والدعوة إليها، وتحويلها إلى هدف استراتيجي ثابت، يجب أن يصبح واحداً من أهم دعائم بنائهم، وجزءاً من مشروعهم الحضاري. (12)

ومن أولى من الأديب الإسلامي بالقيام بهذه المَهمّة المُهمّة؟

والأديب وهو ينفّر من تلك الأمراض التي جمعها أستاذ الحياة عليه السلام بقوله: »لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً« (13)، ويقبّحها بإبداعاته الفنية من قصة ومسرحية وشعر ومقالة، ويحاول القضاء عليها، يبرز دور العقيدة في حياة الإنسان »وليس من الضروري أن تُذكر العقيدة صراحة، أو يذكر الدين، بل ترسم الحياة من خلال العقيدة وأثرها في النفوس.

فالاحساس بجمال الكون وروعته عبادة.

والإحساس بالارتباط الحي مع الكائنات عبادة.

والتوجه للناس بالحب والعطف والرعاية عبادة.

والجهاد في سبيل الحق والخير عبادة.

والتسليم لقدر الله عبادة.

والتطلع إلى الله في المحن والأزمات عبادة.

وتحمّل الألم والاصطبار عليه عبادة.

وشكر المنعم على نعمه عبادة. (14)

وإذا كانت عبادة الله هي الغاية من وجود الإنسان وغير الإنسان على هذه الأرض »وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون« (15) فإن الأديب يحقق هذا الهدف العالي وهذه الغاية المثلى من خلال ما قدّمنا، وبذلك يؤدي وظيفته، وينهض برسالته في محورين متعانقين: محور العبودية الشخصية لله الواحد الأحد، ومحور غرس القيم العقدية من خلال الجمال الطليق الذي يسم الوجود بميسه الناعم الودود الذي لا يقف عند حدود الحس، ولا ينحصر في قالب محدود.. إنه يعرض الحياة كلها من خلال المعايير الجمالية، سلباً أو إيجاباً، وهو يهدف من خلال ما يعرض، إلى غرس الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقضائه وقدره، وما ينشأ عن غراس الإيمان من قيم الحق والعدل والحب والخير والجمال وما إليها من مُثُل وقيم.. وإلى تحبيب الناس بالله الرحمان الرحيم، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثم استخلفه في الأرض، وسخّر له سائر المخلوقات، وأمره بالصالحات من الأعمال، ليدخل الجنة، ونهاه عن السيئات والموبقات التي تسوقه إلى جهنم.

والأديب الإسلامي ليس واعظاً بالمعنى الذي نعرفه ونصطلح عليه، يحمل عصاه ويشحذ لسانه الماضي، ويجلد بهما عباد الله، بل هو يعظ الناس بأسلوب غير مباشر، بأسلوب بعيد عن الخطابة التي لها مجالاتها الأخرى.. إنه يلجأ إلى التبشير الخفيف الناعم بالقيم الإسلامية، لتتسلل إلى النفوس بهينة ولين، لا تشكل ثقلاً على رأس أو قلب، ولا توتّر أعصاباً، ولا تستفزّ غير الحليم.. من خلال البطل الحق المتمثل بالأنبياء عامة، وبخاتمهم خاصة، وبالصحابة والتابعين وتابعيهم من العلماء والصالحين والمصلحين والمجاهدين والمفكرين والأدباء والقادة، يقدّمهم في فنية وإبداع جذاب، ليس فيه غَوْل ولا غُول.. لا جموح ولا تغالي ولا كذب.. مما يأباه الإسلام الذي يشكّل عقل الأديب الإسلامي، وينضج عواطفه، ويتسامى بمشاعره، بل يشكّل كيانه كلّه، لأنه بدون هذا التشكيل السليم، تطرأ الانحرافات، وتكون التهويمات الجامحة المنفرة، وهذا يعني أن تتكوّن لدى الأديب خبرات فنية عالية، ليتمكن من التعبير عن المفهوم الإسلامي بصورة تتكافأ مع الأداء.

والأديب الإسلامي متفائل دائماً، يشيع تفاؤله فيما يبدع، حتى في أشد اللحظات حلكة وظلاماً، لأنه يديم النظر في دستوره الخالد، في القرآن العظيم، ويعرف أن أكثر الآيات المبشرة بالغلبة والنصر، كانت تنزل والمسلمون في كرب شديد.. ونحن الآن في كرب شديد، تغشّينا ظلمات بعضها فوق بعض، وروح التشاؤم والقنوط والإحباط تسري في النفوس فتقتلها، وهذا يعني أن دور الأدباء في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا دور كبير ودقيق، لأن الأمة في مسيس الحاجة إلى من يستنهض هممها، ويشدّ من عزائمها، ويبشرها بأن الدورة الحضارية التي كانت وما تزال للصليبيين والصهاينة واليهود، قد آذنت بالأفوال، وهذا وعد الله، والله لا يخلف وعده.. إنها في حاجة إلى من يرفع معنوياتها، من أجل النهوض الواعي المدروس، وللمعنويات خطرها العظيم في كسب المعارك أو في الهزائم.. لابدّ من إعطاء جرعات من الأمل.. لابدّ من إعلان الحرب على المثبّطات التي تشيع الإحباط في النفوس المتعبة.. لابدّ من إعلان الحرب على اللامبالاة في حياتنا العملية، بالعمل على تربية النشء الجديد خاصة، وغرس روح الكفاح فيه، وهذا من جملة مهمات الأديب الإسلامي.

ولعل الغوص في أعماق تاريخنا الإسلامي، واقتناص الجوانب المضيئة منه، وترك المعتم.. اقتناص الروائع الإيمانية والخلقية، والمثل الإنسانية الرفيعة.. لعل ذلك ينهض ببعض العبء.. إنه يتحدث عن الماضي، وهو يعيش زمانه، ويرنو إلى الأجيال القادمة لتحمل الراية.. له عين نفاذة على الماضي، ليختار من إيجابياتها ما يعينه على البناء، وتجاوز سلبيات الواقع المعيش، بوضع الصُّوى باتجاه الطريق اللاحب الموصل إلى ما يرمي إليه من أهداف..

والأديب الإسلامي ملتصق بأبناء أمته، تقلقه همومها، وتحزنه أحزانها، وتفرحه أفراحها، وأدبه هو المرآة التي تعكس آمالها ومطامحها والآفات التي تفتك بها، من جهل ومرض وتخلف وفقر وعَوَز.. فيصوّر معاناتها مع الحاكم الطاغية، والموظف المتعجرف، ومع ربّ العمل المستكبر، ومع الحياة في مباهجها ومشكلاتها..

والأديب الإسلامي منتم إلى أمة القرآن، وإلى لغة القرآن، ومن أدبه الرسالي، تعليم الناس لغة أهل الجنة، وتحبيب النشء والكبار بها، وتعويدهم على النطق بها، والكتابة بها، وتلك هي الحضارات القديمة تخبرنا أن ظهورها ارتبط بتكوين لغاتها، وأفولها ارتبط بتراخي أبنائها في المحافظة عليها، وهذه هي الحضارات الحديثة، يسعى قادتها إلى بسط لغاتهم على الناس رغبة ورهبة وقسراً، ونحن أحرى منهم وأجدر، ومسؤوليتنا أكبر في جعل اللغة العربية لغة الشعوب المسلمة في كل مكان، هدفاً استراتيجياً نسعى إلى تحقيقه بالوسائل المتاحة، والأديب أولى الناس بهذا.. والحديث عن لغة القرآن يقودنا إلى هدف استراتيجي آخر، لا يقلّ أهمية عن تعميم لغة القرآن التي تمهّد له، أعني.. الدعوة إلى الوحدة العربية، فالاستعمار لم يحكمنا إلا بعد أن مزّقنا ومزّق دولتنا، وأقام لنا كيانات ذوات حدود وهمية، وأغرى بيننا العداوة والبغضاء، فتقاتلنا ودمّرنا البلاد، وأهلكنا العباد في حروب أوقدها أبالسة هذا الزمان، لخضد شوكة الأمة، ونحن لن نتحرر من التبعية للشيطان الأكبر، وللأبالسة الصغار، إلا بالقضاء على التجزئة، إلا بالوحدة.

عندما أراد نور الدين الشهيد تحرير القدس وسائر بلاد الشام من أيدي الصليبيين، فكّر طويلاً في السبيل إلى ذلك، فما وجده إلا في توحيد هذه الأمة.. توحيد شامها مع عراقها مع مصرها.. فعمل عشرين عاماً من أجل الوحدة، وعندما امتدت يده لقطف الثمار، عاجله القدر، واخترمته المنون، وتفككت الدولة، وعصفت الأهوية والأمزجة بالوحدة، وفرح الصليبيون، وأقاموا الأفراح والأهازيج في دويلاتهم وقلاعهم، ولكن، شاء الله أن ينهد صلاح الدين لمتابعة المهمة، وعرف أن طريق نور الدين هو الطريق، فعمل اثني عشر عاماً من أجل التوحيد، ثم انقضّ على الإمارات الصليبية، ودحر جيوشها، وحرّر القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة، وما أسعفه الأجل في تحرير ماشاء الله من بلاد الشام..

وطريقنا اليوم هو طريق نور الدين وصلاح الدين، وهو طريق الرسول القائد من قبل، ومهمة الأديب الإسلامي تبيان هذا فيما يبدع.. بل إنّ من أهمّ مهماته، الدعوة إلى تصالح الإسلاميين عامة، والرؤوس المفكّرة المدبّرة المنظّرة فيهم خاصة، من أدباء وعلماء ومفكرين وسياسيين.. إلى تصالح تلك النخب التي تدّعي الإسلام، تمهيداً لتصالح الحكام والشعوب والفئات والأحزاب والمذاهب المتناحرة على الأرض العربية والإسلامية أولاً وقبل كل شيء، لنضرب المثل للحكام والفئات التي لا تريد الإسلام، أما إذا بقيت النخب الإسلامية متناحرة، فسوف تكون قدوة سوء لغيرها، ومسوّغاً لخلافاتهم التي لا تنتهي حتى تبدأ.

إن رسالة الأديب الإسلامي هائلة، ومهماته شاقّة، ومواقفه دقيقة، لأنها مستمدّة من تصوره الإسلامي بما فيه من ثوابت.. إنها ليست مواقف آنية، تمليها عليه ظروف متقلبة، بل يمليها عليه تصور سليم، منبثق من عقيدة سليمة راسخة.

- 6 -

وأخيراً ..

يعاني الأديب ما يعاني من عدم وجود نظرية متكاملة للأدب الإسلامي، فهو يستمدّ عناصر إبداعاته من المدارس الأدبية المختلفة، من الاتباعية (الكلاسية) إلى الإبداعية (الرومانسية) إلى مدرسة الفن للفن، إلى مدارس الواقعية القديمة والجديدة.

بين هذه المدارس الأدبية خلافات وفروق معروفة مشهورة، وبينها قواسم أو جوامع مشتركة، كالتقائها في عدد من العناصر الفنية لكل جنس من الأجناس الأدبية: قصة ومسرحية وقصيدة .. إذ لا بدّ للقصة مثلاً، في كل مدرسة من تلك المدارس، من تحقق عناصر لا تنهض القصة بدونها، كالموضوع والفكرة والشخصيات بأبعادها الجسدية والنفسية والاجتماعية، وكالزمان والمكان والحدث والحبكة مفكّكة ومُحْكمة.. لا بدّ من وجود هذه العناصر في القصة الكلاسية، وفي القصة الرومانسية، وفي القصة الواقعية، مع بعض الاختلافات في بعض تلك العناصر.

والأديب الإسلامي يسير - فنياً - على نهج من أرسى دعائم تلك الأجناس الأدبية..

إنه يقول الشعر في أسلوبه الذي قعَّد قواعده الخليل بن أحمد الفراهيدي بعد قرنين من ظهوره سويّاً، كما يقوله في أسلوبه الحديث، فيما يسمى بشعر التفعيلة..

وهو يكتب القصة والرواية والمسرحية، والمسلسل التلفزيوني، وسيناريو أفلام الكرتون، كما جاءتنا بعناصرها الفنية من الغرب ومن الشرق، لسبب وجيه، هو خلوّ تراثنا الأدبي من بعض هذه الأجناس، بما فيها من مقومات فنية لا تنهض بدونا..

الأديب الإسلامي أديب كسائر الأدباء .. يعني أنه يمتلك الأدوات الفنية لكل جنس من تلك الأجناس، فهو عالم بها، أو هكذا ينبغي أن يكون، حتى يتّسم بها، ويكون جديراً بالانتماء إليها.. وكما نطلق صفة العالم بالدين على الفقهاء والمحدّثين والمفسّرين، وكما نطلق على العالم بالطب أو الهندسة أو الزراعة أو الصيدلة صفة العالم، كذلك نطلق على من امتلك الأدوات الفنية للأدب، أو لأيّ جنس منه، صفة الأديب، لأن كلاً من هؤلاء العلماء والأدباء، قد امتلك ناصية العلم في باب من أبوابه الواسعة.

وعندما يصدر الأدب من أديب مسلم، وبتصورات إسلاميّة حيّة، بما فيها من فيوضات ربانية، ومنطلقات وغايات إنسانية، نطلق على ذلك الأدب صفة (الإسلامية) وعلى الأديب كذلك، فيغدو أديباً إسلامياً.

نخلص من هذا، إلى أن من وظائف الأديب الإسلامي، خلق مدرسة فنية، تلتقي مع ما سبقها من مدارس حيناً، وتفترق عنها حيناً آخر، فيما لا بدّ من الافتراق به عنها، في مقوّم أو أكثر من مقوماتها الفنية، أو في جزئية أو جزيئات من تلك المقوّمات.. إنه يفعل ذلك متميزاً أو مضطراً، حين تصطدم بمفهوم من المفهومات الإسلامية، أو بقيمة من قيمها الأصيلة..

قد يحدث هذا، برغم ما يبدو من حيادية العناصر الفنية التي تبدو أوعية نظيفة بريئة، يتولّى كبر ما ينتابها من فساد، أولئك الأدباء الذين يملؤونها بنتاجهم المعبّر عن قيم فكرية وعقدية تتباين سموّاً وهبوطاً..

وقد يجد، بل سوف يجد الأديب الإسلامي نفسه في حاجة إلى الناقد الإسلامي الذي يعينه في خلق المدرسة الإسلامية المتميزة في الأدب والفن، ليتكامل العمل في ولادة هذه المدرسة القديمة المتجددة، بكل ما تحتاج إليه من عناصر ومقومات وقيم فنية، ووسائل حياة.

وهذه مسألة في غاية الأهمية، وقد تكون من أولويات رسالة الأديب والناقد الإسلاميين، نتطلع إليها في لهفة متحرقة ، ونصعّد ابتهالاتنا إلى الله الخالق المصوّر المبدع، أن يلهم أدباءنا سبيل الرشاد، ليتمكنوا من أداء رسالة الأدب، لأنهم هم الشهود، وأدبهم هو الشهادة الحق على العصر الذي يحيون فيه، وهم الشهداء على الناس.

الهوامش

1 - أخرجه الستة إلا النسائي.

2 - ديوان حسان بن ثابت - بيروت: 169

3 - سورة الشعراء: 224 - 227

4 - أخرجه الإمام أحمد.

5 - ديوان البوسنة والهرسك: 5

6 - رواه مسلم وأحمد.

7 - فادي إسماعيل: الخطاب العربي المعاصر: 8

8 - نفسه : 14

9 - نفسه : 7

10 - طارق البشري - مشكلتان : 69

11 - سيد قطب - في ظلال القرآن -

12 - مشكلتان : 71

13 - رواه مسلم.

14 - محمد قطب - منهج الفن الإسلامي - 134

15 - سورة الذاريات : 56

وسوم: العدد 892