«أمين شنار أستاذ الجيل»: كتاب يحتفي بأحد رواد النهضة الأدبية

ابراهيم خليل

amin913.jpg

راضون نحن

بالذي كان وما يكون

راضون قبل أن نعيش

بارتشاف جرعة المنون

راضون قبل أن نحب بالفراق

لأنه مسطّر على الجبين

هذه أبيات من قصيدة مشهورة للشاعر الراحل أمين شنار (1933 ـ 2005) الذي يعد في نظر كثير من الشعراء والكتاب والإعلاميين في ضفتي الأردن رائدا من رواد النهضة الأدبية، وبانيا من بناة الحياة الإبداعية فيهما في ستينيات القرن الماضي. وقد عُني الأديب زياد أحمد سلامة في كتابه الصادر بعنوان «أمين شنار أستاذ الجيل دراسة في فكره وأدبه» ـ وزارة الثقافة، عمان، 2020، بشخصيته عناية كبيرة، تدل على ذلك تلك الفصول المطولة، والمعمقة، التي تستوفي جوانب هذه الشخصية وما تركته من آثار أدبية شعرا ونثرا.

وقد استهل كتابه بنبذة وجيزة عن الشاعر، ذاكرا سنة ميلاده في البيرة قرب رام الله عام 1933 وما تلقاه من دراسة حتى أتم الثانوية سنة 1951، وتعيينه مدرسًا للعربية في الكلية الإبراهيمية في القدس. فمدرسًا في ثانوية بير زيت سنة 1954 وخوضه انتخابات المجلس البلدي في البيرة، وفوزه فيها، واختياره نائبا لرئيس المجلس البلدي عام 1963 وفي الأثناء برزت مواهبه الشعرية، فبعد أن نشر الكثير من قصائده في الصحف، وبعد أن أذيع عدد منها من الإذاعة في رام الله، نشر أول ديوان وهو ديوان «المشعل الخالد» الذي نحا فيه نحو الشاعر الإحيائي فذكَّرنا بحافظ وشوقي وخليل مطران وعمر أبو ريشة وبدوي الجبل وبشارة الخوري وأبي سلمى.

الحداثة الشعرية

غير أنّ صدور هذا الديوان (1957) – في رأي المؤلف – لم يكن إلا أول الغيث؛ فقد تفجرت ينابيع شعره، وظهر فيضها عارما بعد أن تسلم رئاسة تحرير مجلة «الأفق الجديد» التي أنشأها في القدس كل من كامل ومحمود الشريف صاحبي جريدة «المنار»، ومعهما الحاج جمعة حماد. وهذه المجلة التي دأبت على الظهور غرَّة كل شهر من عام 1961 حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1966 عندما توقفت لأسباب مالية، استطاعت أن تشكل مدرسة أدبية تقترب من الحداثة الشعرية، ومن الحداثة في فنون القصة القصيرة، والمقالة الأدبية، والنقد، وعلى مستوى عربي. فقد كانت تنشر للمجددين من العراق وسوريا ولبنان ومصر، ولها مراسلون يزودونها برسائل وتقارير ثقافية عن النشاط الأدبي والمسرحي والسينمائي، وإجراء مقابلات مع كبار الكتّاب في الوطن العربي، فضلا عن عقد ندوات ونشر ما يقال فيها، وتخصيص باب في كل عدد لنقد العدد الماضي. وعلى صفحات هذه المجلة برز شعراءُ من أمثال عبد الرحيم عمر وتيسير سبول وسليم دبابنة وعيسى بطارسة وفايز صياغ وعز الدين المناصرة ومحمد القيسي وحكمت العتيلي وأيوب طه وأحمد أبو عرقوب وغيرهم.. ومن كتاب القصة فخري قعوار ويحيى يخلف وماجد أبو شرار وصبحي شحروري ومحمود سيف الدين الإيراني وخليل السواحري، وجمال بنورة.

على أنّ أمين شنار، بعد توقف المجلة، اقتصر نشاطه الإبداعي على ما ينشره في الصحف والمجلات. وقد دفعته نكسة 5 حزيران/ يونيو 1967 لمغادرة البيرة، والاستقرار في عمان. وتعثرت محاولاته للعمل في التلفزيون الأردني، فاستأنف عمله في التدريس. ويرى المؤلف ضرورة تقسيم عطاء شنار الأدبي أقسامًا لتسهل دراسته، أوَّلها الشعر، ومنه البواكير، ومرحلة «المشعل الخالد»، ثم مرحلة «الأفق»، وهي أكثرها تطورا، وأخيرا مرحلة الاعتكاف والتصوف. والقسم الثاني للنثر، وهو يتضمن أقساما كذلك، أولها للرواية، فالمعروف أن لأمين شنار رواية واحدة هي «الكابوس». وقد حظيت بجائزة «النهار» اللبنانية لأحسن رواية كتبت عن النكسة عام 1968 مناصفة مع تيسير سبول مؤلف رواية «أنت منذ اليوم». وهذه الرواية على الرغم من أن المؤلف الروائي لم يكن معجبًا بها تمامًا، بدليل تأكيده في لقاء صحافي نشر في «الدستور» الأردنية عام 1976 أن الرواية لم تنضج على نار هادئة، بل كانت فجة تتطرق لموضوعي الأصالة والمعاصرة، إلا أنها حظيت باهتمام غير قليل من النقاد والدارسين، فممَّن كتبوا عنها إلياس خوري في محاولة البحث عن أفق، وشكري الماضي في انعكاس هزيمة حزيران 67 على الرواية العربية، وأحمد أبو مطر الذي تناولها في كتابه «الرواية في الأدب الفلسطيني»، وإبراهيم السعافين في كتابه «تطور الرواية العربية في بلاد الشام»، وخالد الكركي الذي تناولها في كتاب له بعنوان «الرواية في الأردن»، ولا يتّسع هذا المقال لاستقصاء من كتبوا عنها، ومعرفة ما كتبوه، وهو كثير. ومن ذلك نستخلص أن الرواية التي لم تعجب مؤلفها أثارت إعجاب كثيرين. والقسم الثاني من النثر يخصصه المؤلف للمسرحية، والثالث للمسلسلات الإذاعية، والتلفزيونية، فالمعروف أن لأمين شنار الكثير في مجال الكتابة للمسرح والتلفزيون. فكتبَ مُسلسل «فندق باب العامود»، ومسلسل «همـْسُ القناديل» ومسلسل «البحث عن مفقود»، وبرنامج ديني باسم «سبحان الله». وبرنامج (لفَحات) الإذاعي. أما في المسرح فقد كتب: «السد» و»الليلة يطلع القمر» و»قرية الشيخ حمّاد»، وتم تصوير هذه الأخيرة لحساب مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. ويبدو أن المؤلف زياد أحمد سلامة جمع المتفرق المبعثر من هذه الأعمال، وقام بدراستها دراسة أدبية تنبئ في النتائج عما في هذه النصوص من قوة في التعبير ومن جدة في المضامين. وقسم آخر هو المقالات. فلأمين شنار خبرة نادرة في كتابة المقال الصحافي، وقد نشر المقالات في «المنار» و»الجهاد» وغيرهما من الصحف، فضلا عن مقاله الشهري في «الأفق الجديد».

وفي سنة 1976 طلب الصحافي المرحوم محمود الشريف من أمين شنار عن طريق المرحوم خليل السَّواحري أن يلتزم بالكتابةِ يوميّاً في صحيفة «الدستور»، فانتظم في الكتابة، تارة باسمه الصريح، وطوراً باسم مُسْتعار هو (جُهيْنة). وقد التزم في الكتابة في زوايا يومية وأسبوعية إحداها كانت باسم (لحظات) والثانية باسم (مع الحياة والناس) مدة ثلاثين عامًا، فاشْتهر بين كتاب المقالة الصحافية القصيرة، والخاطرة ذات النفس الشعري التي لا ينقصها إلا الوزن.

بصمة خاصة

ويبدو أن المؤلف حذا حذوه السابق فجمع مقالات أمين شنار جمعا شاملا، فلم تفته منه مقالة طويلة، أو قصيرة، ودرس هذه المقالات إسوة بدراسته للشعر في مراحله المتعددة، والمسرحيات، والأعمال الإذاعية والتلفزيونية، وقد بين لنا من خلال تحليله لبعض هذه المقالات أن لأمين شنار بصمة خاصة تميزه عن غيره من كتاب الخاطرة، والمقالة الصحافية. ومقالاته هذه ترسم للمتابع لها زمنيًا مسارًا لتطور الراحل ذهنيا، ونفسيا، وفكريا. فالقارئ يستطيع أن يكتب سيرة فكرية له بتتبعه هذه المقالات. وأخيرا ينظر المؤلف في ما نشر من قصص قصيرة لأمين شنار. ولا ريب أن تناول المؤلف لهذا الجانب من الرجل قد فاجأ كثيرين ممن لم يظنوا في يوم من الأيام أن لأمين شنار قصصا قصيرة. وقد أعد المؤلف مشكورا جدولا بقصص أمين المنشورة في الصحف والمجلات، بما فيها مجلة «الأفق الجديد»، وبهذا يستطيع المهتم أن يجمع هذه القصص، وأن يقوم بدراستها دراسة نقدية متخصصة إسوة بدراسة شعره أو روايته أو مسرحياته ومسلسلاته.

وفي نهاية المطاف يقف المؤلف بنا عند تصوف الشاعر الروائي ملمحًا للأسباب التي دفعت شنار في هذا الاتجاه، مفرقا بين تصوف هذا الشاعر وغيره من عامة الناس. فهو كاتبٌ شاعرٌ قاصٌ لا تخلو آراؤه من تفلسف، ومن نقد لبعض الاتجاهات الفلسفية المعاصرة، لذا نتوقع أن تكون صوفيته التي كتبت عليه الانطواء والعزلة، وحيدا مبتعدًا عن الآخرين، من النوع المتفتح المستنير التي لا تغشاها ضابيّة السذَّج من الطرقيّين. وتتمة لمعروف المؤلف نجد في نهاية الكتاب ثبتًا بالمصادر والمراجع التي يمكن للقارئ أن يعود إليها عند الضرورة لاستكمال فكرة هنا، أو معلومة هناك، وهي قائمة تتضمن آثار أمين شنار التي وصلت إليها يد المؤلف، فضلا عن كل دراسة، أو مقالة، أو كتاب فيه، أو فيها، شيءٌ ما عن أمين شنار وأدبه وفكره.

ويذكر أن لزياد سلامة عددًا من المؤلفات المنشورة منها كتاب عن «الشيخ عبد الحميد السائح حياته وفكره» (1996) ومنها كتاب «مع طه حسين في الشعر الجاهلي» (1998) ومنها كتاب «الشيخ حسن البنا سيرة فكرية» 2001 ومنها كتاب «قبَسات من الفكر الإسلامي» (2002) وكتاب «فقيه بلاد الشام» (2007) وأخيرًا كتاب «وليد سيف أديبا مفكرا» (2019). وله مساهمات في كتب أخرى مشتركة تتناول قضايا إسلامية.

وسوم: العدد 913