قادم من وراء السنين

يحيى حاج يحيى

تأ ليف : داود سليمان العبيدي

قصة توضح ظهور الحق ولو بعد حين! وتبين أن العاقبة للصادقين، وأن ما ينزل بأصحاب المبادئ من محن يكون مدعاة للآخرين للتعرف بدعوتهم، وأن ذاكرة الناس تختزن معاناتهم، فلا تقوى الأيام على طمس ذكراهم! وقد دللت هذه القصة على ذلك من خلال مجموعة من الشباب المؤمن اختفوا عن الأنظار، بعيداً عن بطش ملك ظالم. وحين عاد أحدهم متلطفاً ليأتي لهم بالطعام وهو خائف يترقب، لم يكن يحسب أن أحوال الناس قد تغيرت مع أنه شاهد تغيراً في طريقة حياتهم وأسلوب معاملتهم.

تبدأ هذه القصة من وسطها، فقد استغرب هذا القادم الغريب مظاهر التغيير في المدينة التي كان يعرفها، ولم يدر كيف يصل إلى السوق؟! وأثار دهشة من لقيهم بثيابه ولهجته وتستره، فهو خائف من الملك الذي كان يأمر بالقبض على المؤمنين وقتلهم. وحين أخبره أحدهم أن ملك هذه المدينة رجل صالح مؤمن، صعق ولم يكد يصدق! وحين ذاع خبره طلب الملك إحضاره فازداد اختفاء.

وتوالت الشهادات أمام الملك عن نظافته وزيه وذكره لأسماء أناس لا يعرفهم أحد، ونفوره ممن يوهمه أنه يعرفه، متهماً بأنه يريد استدراجه لكي يعرف مكانه وأسماء إخوانه ليشي بهم إلى الملك الجبار! فيزداد الطلب عليه، ويؤتى به إلى الملك فيسأله عن شأنه وعن أصحابه فيخبره أنه ابن التاجر الذي قتله قبل شهر، وأنه ينتظر منه أن يصلبه كما فعل بغيره. ولكن كل ذلك لن يجعله يتراجع عن دينه! فيبين له الوزير أنه يتخيل أشياء لا وجود لها، وملكاً لا يعرفه أحد، فيصر الفتى على أنها المدينة التي يحكمها دقيانوس الجائر الكافر، الذي توجد صورته على الدراهم التي معه!!

وتتعقد الأمور فيزدادون حيرة، ويزداد هو خوفاً وتحسباً، لكن طاعناً في السن تجاوز المائة والعشرين يحل هذا الإشكال حين يسأله عن عدد الذين معه وصفاتهم وعن الملك الذي هربوا منه، فيتأكد أنهم الفتية الذين هربوا قبل مئات السنين قد بعثهم الله، وبدأت الصورة تتضح للفتى، وغمرت المدينة فرحة كبيرة، وراح الفتى يحدثهم عن معاناة المؤمنين وعن سبب اختفائه في الكهف مع أصحابه، وأنهم غلبهم النوم، ثم أفاقوا وهم يشعرون بالجوع، وأنهم أرسلوه ليأتي بالطعام، وهم ينتظرونه في الغار؛ فيطلبون منه الذهاب معه لإحضار إخوانه ويتهيأ الناس كأنهم في عيد، ويستذكرون قصتهم التي كان الآباء يتناقلوها.

ويتقدم الفتى ويخبر أصحابه بأن كل شيء قد تغير فقد هلك دقيانوس وآمن الناس، وأنهم لبثوا ثلاثمائة عام وزيادة. كان الناس ينتظرون متشوقين لرؤيتهم، والفتية يستمعون لصاحبهم وهو يحذرهم من فتنة جديدة أشد من فتنة دقيانوس، إنها فتنة الشهرة والظهور، ثم دعا ليؤمنوا على دعائه بأن يأخذهم الله إليه. وحين طال الانتظار أرسل الملك من يناديهم فوجدهم حول صرة الطعام، وليس فيهم من يجيب!

تداخل في هذه القصة الزمن الروائي والزمن التاريخي، وقد اعتمدت طريقة استرجاع الماضي، وكان للشخصيات التي أضافها الكاتب ومواقفها من الغريب والفتية، بُعد يرفع وتيرة الحركة في الحبكة من خلال التساؤلات والتعليقات والاندهاش.

وإذا كانت القصة قد ارتكزت في حدثها الأساسي على ما جرى للفتية، كما ورد في سورة الكهف، فقد كانت مثالاً ناجحاً على ما يمكن أن تقدمه القصة القرآنية من موضوعات تحتفي بقضايا كثيرة للإنسان، وعلى رأسها قضية الإيمان بالله تعالى!

والفكرة كما عالجها الكاتب في سياقها القرآني تلتقي مع قصة إبراهيم عاصي ( العريف عمر  ) ومع رواية (عمر يظهر في القدس) لنجيب الكيلاني في نقطة (العودة إلى الحياة) أيضاً ، والمفاجأة التي تصدم العائد، وقد تغيرت مظاهر الحياة، لكنها تختلف عنها في أن الخليفة عمر عندما عاد رأى المجتمع على غير ما يسره، في تفكك وانحطاط، في حين أن الفتية رأوا المجتمع – بعد عودتهم- كما يحبون وقد انتشر فيهم الإيمان. وكذلك اختلفت النهاية، فالخليفة اختفى بطريقة حيرت اليهود وجعلتهم نهباً لمختلف الظنون في حين أن الناس تأكدوا من موت الفتية وقالوا لنتخذن عليهم مسجداً !

وسوم: العدد 959