الوائلي شاعر الرسالة

د. أدهم الشبيب

sdhdghhh969.jpg

في الجلسةِ التاسعة عشر منْ جلساتِ الصالون الأدبي فقد استضفنا وبكلّ اعتزازٍ شاعرًا منْ طرازٍ خاص، ومنْ نمطٍ مختلف، لن يتمَ تصنيفُ مكانتَه الشعرية على الأسسِ المتبعةِ في ذلك، أو طبقاً للمعاييرِ المعروفةِ فحسب، وهو أهلٌ لذلك أيضًا وإن قال دائمًا إنّني مجرد هاوٍ فلا تُسمّوني شاعرًا، ولكن تصنيفُه عندي يتمُ وفقَ شرف شعرهِ ورسالتهِ النبيلةِ وتميّزه الّذي لا شبيه له.

فليس لدينا في الأدبِ العربي الحديثِ، و ندر ذلك في القديمِ، شاعر مثل نوري سراج الوائلي، فإذا كان حسانُ بن ثابت شاعرَ الرسولِ، والأمامُ البوصيري شاعرَ البردةِ، فأنّ الوائلي (شاعرُ الرسالةِ) و شاعرُ الإسلام، في زمنِ خذلان الإسلامِ، والتكالبِ عليّه، شاعرٌ قابضٌ على جمرةٍ من النارِ، يعيشُ في بلدٍ يتآمرُ بعضُ ظلاّمه على الإسلام، شعرهُ شعرُ التميّزِ في زمنِ الإسفافِ ، والقيمِ في زمن الانحدارِ.

وإذا غفلَ بعضُ النقادِ عن شاعرٍ مثل هذا لاختلافِ نهجهِ وأغراضِ شعره ، فأنا والصالون نتشرفُ ونرجو إلى اللهِ التقرب ومنه القبول والثواب ، إذ تحتضنُ جنباتُ منصّتنا هذهِ قصائدَ شريفةً كقصائدِ شاعرِ الرسالةِ ، ونطمحُ أن يشملنُا اللهُ ببركته نوري الوائلي، الشاعر الذي اختار لنفسهِ هذا الخط، وندعو الله أنْ يجعلنا من خطهِ ، فهو المختلف في كلّ غرضٍ شعري عن كلّ شاعرٍ سبقه أو عاصره ، فإنّه عندما يتغزلُ في العيونِ أو الشفاه فهو ليس كالمتغزلين ، و إنّما يتشببُ ويتغنى بعيونٍ من نوعٍ آخر، ليس كعيونِ الحورِ أو الجآذر أو الجميلات تشبيبًا، بل يقول من قصيدته (أجمل العيون):-

وحتّى وأنْ وصفَ العيونَ الّتي يصفها الشعراء فإنّه يجعلها في آخرِ مطافِ القصيدةِ استدلالاً لخلقِ اللهِ، وجمالِ صنعه، حيث يقول في قصيدته (العيون الملاح): -

ولكي أثبتُ لك إنّ هذا الشاعر لو أراد أنْ يفعل كما يفعلُ الشعراءُ لما أعياه ذلك، سأوردُ لك هذه الأبيات من النص الغزلي: -

وبنظمٍ جميلٍ يزاحمُ الشعر جرسًا، ويطاولُ العلومَ درسًا، ويجعلُ المتشدقين خرسًا، يرّدُ على الملحدين المنكرين بقوله في قصيدة منظومة أسمها (الشكوك والالحاد)، وقد أخترت منها هذه الأبيات:-

وعندما يتناول سورَ التنزيلِ فإنّه كمنْ يشتغلُ بالتفسيرِ والتأويلِ، يقول من قصيدته المسماة (أقرا)

وله في الحكمةِ والنصيحةِ نصيب، فيقول في (أحذر قطارك مسرع)

أمّا في الاحتفال بلغتهِ الامّ التي يُعظّمُ قدرَها وهو المتحدّث منذ عقودٍ بلغةِ الأجنبي اضطرارًا، فانّه يقولُ في قصيدةٍ اسْمها (لهفي على العربي يترك أمّه): -

وحيث يتّخذُ الدينَ وشاحًا والقرانَ دليلًا فإنّه يستقي حكمتَه ومعانيه النبيلة منهما، فتراه في الحثِّ على التخفيفِ من أمر التعلقِ بالدنيا، يستفتحُ قصيده بآيةٍ من القران الكريمِ (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) و (اولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَاهُمْ يُنْصَرُونَ) ثم ينشدُ واعظًا: -

و لذا فأنّي لا أعدّ الوائلي شاعرًا صوفيًا كما قد يظنُّ البعض، إنّما هو شاعر إسلامي متكامل، واسع، متعددُ الأغراضِ، كثيرُ الأهدافِ، محورها الدفاع عن الدينِ الحنيفِ وقيمه، أنظرْ إلى قوله في قصيدة (رجعية الدين )، حيث يردُّ على المنسلخين من دينهم إرضاءً لأعدائهم أو ادّعاءً للتحضّر:-

وقال في المشاعرِ الإنسانيةِ النبيلةِ واصفًا (حنان الامومة) وهو اسم القصيدة، والّتي أخترت منها هذه الأبيات:-

أمّا في نُصحهِ للمرأةِ المسلمةِ ودعمها لئلّا يُغّرر بها المتنطعون باسمِ الحريةِ كذبًا، فيقول مادحًا حجابَها:-

أمّا قصائده النبوية، وهو الشاعر المتفاني في حبِّ نبيهِ فهي لاتُعد، يقولُ عن إحداها: "بمناسبة ميلاد الرسول (ص) أنشر بعضَ الأبياتَ من قصيدتي الرسالة (خطوة لنهج البردة 240 بيتا) التي لم تنشر سابقًا. رزقكم الله شفاعته يوم الميعاد: - وقد قال يلخّصها

أما مطلعها فهو: -

ويقول فيها شاهدًا بالفضلِ لمن سبقه وبالتواضع على نفسه: -

ويضيف قائلاً: -

والسبب كما يبيّن: -

وفي التعليل يستطرد فيقولُ: -

وكنت أودُّ لو قال (يبري) بدلاً من (يحيي) لجهة وجود الألم.

وله قصائد مسجلة صوتيًا على اليوتيوب، سمعتُ بعضها، وأعجبتني منها (كبرياء التراب) يقولُ فيها:-

وفي مدحِ حبيبه وحبيبنا المصطفى يقول مرةً أخرى: -

وله قصائد نبوية أخرى من امثال (بذكر المصطفى):-

وعندما يتدبّرُ الوائلي في خلقِ اللهِ وآياته، فإنّه يعبّرُ عن انبهارهِ بكلماتٍ من وحي قرآنه جلّ وعلا، يقولُ في قصيدته (جمالُ النحل) الّتي يصفُ فيها بتفصيلٍ متمكنٍ معْجزةَ النحلةِ، الّتي خصّص لها القرآن الكريم سورة باسمها

وكتبَ عن الفايروس كورونا مرةً بنفسهِ الشعري القدري المتّعظ، فقال في قصيدة طاف الوباء: -

ومرةً كطبيبٍ مختصِ، رأى رفاقَه يتساقطون ضحايا لإنقاذ إخوانهم من بني البشر، في رسالتهِم الإنسانيةِ العظيمةِ، فوصفَ المرضَ وذمّه ومدحَ زملاءَه، ورثاهم، وأرّخ لتلك الأحداث قائلًا في قصيدته: -

وعن رمضان والصيام في زمن الوباء، فله قصيدة منها هذه الأبيات: -

وفي الزهدِ في الدنيا، يقولُ الوائلي من قصيدة طويلة اسمها (البحر)

وعن قصتهِ مع الحرفِ الشريفِ، والقصيدِ النبيل، يخبرنا بقصيدة أخترتُ منها: -

ولذا فإنّه يلومُ الشعراءَ، ويحاججهم، في إنّ الشعر يمكن له أنْ ينجح ويفلح دون الانجرار لأغراضه التي اعتاد على تشجيعها الناس، فيقول في إحدى قصائدهِ: -

وأخيرا فإنّ نوري الوائلي شاعر الالتزام، فهو الذي يقول: -

و في الختام فأنّي أرى إنّ الشاعر، وقد أكرمه اللهُ بهذه النعمةِ، نعمة الهدايةِ والطاعةِ والالتزامِ، حتّى أنّ له من أسمه نصيبٌ فهو (نوري سراج الوائلي) نورٌ وسراج، أقولُ إنّ شاعرنا بإذن الله هو ليس من الشعراءِ الّذين يتّبعهم الغاوون ، ولا من الذين في كلّ وادٍ يهيمون ، ولا من الذين يقولون ما لا يفعلون، هو من الذين آمنوا و عملوا الصالحات، بل – ولا نزكيه على اللهِ، وإنْ شاء ربّي كرمًا فإنّه وأيّانا من الناجين.

وسوم: العدد 969