تعدد المصائر في رواية" وادي اللبن" للكاتب المغربي عبداللطيف محفوظ

عبد الرزاق اسطيطو

dgbfdhg990.jpg

استثمر الكاتب عبداللطيف محفوظ باعتماد التخييل الروائي تاريخ منطقة تيسة باعتباره مادة خصبة، وفاعلة قادرة على إغناء روايته "وادي اللبن " بأبعاد ثقافية ومعرفية وانسانية وجمالية. وقد زاد توظيف الكاتب لحكاية أغراب والفراط مع التاج الملكي كجزء من هذا التاريخ الرواية تشويقا وإثارة . وهي الحكاية التي دفعت بسارد الرواية كمال إلى التنقيب والبحث عن حقيقتها، ومعها البحث عن أمجاد وبطولات تيسة ووادي اللبن، أوماكان يسمى قديما بوادي المطاحن، وهي المعارك التي شارك فيها سلاطين وملوك مغاربة، وأثناء بحث السارد كمال ونبشه في هذا التاريخ وتأويله له. باعتماد تقنية الإسترجاع(الاستذكار) . نرصد مصائر مجموعة من شخصيات الرواية بحكاياتها المتعددة والمختلفة، ومن هذه المصائر :

إن ما اكتشفناه أثناء قراءتنا" لوادي اللبن "من قصص وأحداث ووقائع تاريخية، هيمنت على عملية السرد، ومن تعدد لمصائر الشخصيات والأحداث؛ لم يكن فقط مجرد فحص روتيني لبعض الوثائق التاريخية، وبعض السرود الشفاهية من طرف السارد كمال، حول حكاية التاج المفقود الذي يرمز لتاريخ تيسة ووادي اللبن، وإنما كان محاولة من الكاتب عبر السارد كمال لاسترداد هذا التاريخ المنسي والمهمش. حيث التزم الروائي بقانون الرواية بتمثيله لتاريخ وادي اللبن، وتذويبه في قالب فني باستثمار عناصر التخييل الروائي، من تناص واستذكار، وتكثيف وحذف، ووصف، وتفكيك للخطاب، وتأويل سيميائي لمعطيات التاريخ وللمرويات والأحداث، وللمحكي الأسطوري المرتبط بذاكرة تيسة ووادي اللبن. مما أضفى على الرواية بعدا جماليا ورمزيا وتاريخيا وأسطوريا.

ويمكن القول في النهاية بأن جمالية هذه الرواية وسحر حبكتها لا يكمن فقط في توظيفها لأحداث تاريخية مرتبطة بمعارك" وادي اللبن" أو ماكان يعرف بوادي المطاحن، وإنما يكمن في طريقة توظيف هذه الأحداث روائيا كشاهد على أن هذه المنطقة تم تهميشها تاريخيا. رغم انتصارها في معارك طاحنة شهدها المغرب كصدها لحملة قوية للعثمانيين في أوج عظمتهم وهيمنتهم وانتصاراتهم. ومنعهم بالتالي من احتلال المغرب. كما أن حكاية أغراب والفراط مع التاج أو الوسام الملكي ساهمت في منع الرواية من السقوط في فخ الرواية التاريخية، والتأريخ لأحداث ووقائع تيسة بأسلوب المؤرخ.حيث عمل الروائي عبداللطيف محفوظ على خلق قصة ذات حمولة تاريخية وجمالية وفنية ورمزية جعلت الحكي بوجودها يخرج في علاقته بالتاريخ من شرنقة الحكي التقليدي الرواية التاريخية إلى الحكي الروائي الذي يعمل على تمثيل التاريخ بما فيه الأسطوري لمنطقة تيسة بشكل استرجاعي عبر التناص معه. مما يجعلك تشعر بدهاء إبداعي واضح لدى الكاتب محفوظ. بجعله من البحث عن حقيقة التاج وحكاية الفراط وأغراب بحث عن حقيقة تاريخ تيسة المسكوت عنه . باعتماد أسلوب روائي ممتع، يجعل القارئ أحيانا وهو يتملى أحداث الرواية ويتابعها متشوقا ومتلهفا لمعرفة نهاية حكاية الفراط وأغراب مع التاج أو الوسام المفقود، ونهاية بحث السارد كمال وسعيه لمعرفة حقيقة هذه الحكاية. وهل هي حقيقة أم خرافة من خرافات ذاكرة قبيلة الحياينة قبيلة تيسة المرتبطة بالأسطورة والمرويات الشعبية البعيدة عن الواقع . فالكاتب المغربي عبداللطيف محفوظ صاحب رواية"وادي اللبن " حاول عبر السارد كمال الباحث في مجال التاريخ إعادة الاعتبار لهذه المعارك ولمنطقة تيسة، ووادي اللبن، باعتماده مجموعة من التقنيات والأساليب الفنية الروائية كالاسترجاع والاستذكار، والوصف، والوقفات التأملية، والتناص، والحوار وفق رؤيا فنية تربط مابين الماضي والحاضر، في قالب روائي حديث ساهم في تمثيل التاريخ في الرواية باستجلاء أحداث ومعارك وادي اللبن، والإجابة بذلك على مجموعة من الأسئلة التي راودت السارد كمال أثناء بحثه من قبيل لماذا تم السكوت عن معارك وادي اللبن ومعه تاريخ تيسة وبطولاتها في هذه المعارك ؟ ولماذا الإهتمام بمعركة وادي المخازن، وإهمال معركة وادي اللبن؟ الشيء الذي يجعل القارئ يعيش بخياله وإحساسه أحداث ومعارك وادي اللبن، وتقاليد وعادات وأساطيرمنطقة تيسة، وهو يقرأ رواية "وادي اللبن " كما لو أنه كان يعرفهامن قبل أوسمع بهاأوقرأ عنها في كتب تاريخية.

وسوم: العدد 990