"ظلام النهار" من يوميات امرأة محاصرة

سما حسن

"ظلام النهار" من يوميات امرأة محاصرة

سما حسن -فلسطين

عرفت الأستاذ شيخنا الفاضل جميل السلحوت كناقد ادبي وأستاذ في كل مجالات الثقافة العربية، عرفته في البداية حين كتب عرضا عن مجموعتي القصصية الأولى :"مدينة الصمت" ، كانت هذه البداية، لأكتشف بعد ذلك انسانا مثقفا واعيا ومدركا لكل ما يدور في مجتمعه والمجتمع العربي، لم يبق أي شأن من شؤون الحياة لم أناقشه فيه إلا وأدلى برأه المستنير، وكان لي معه حوارات عدة في مجال أدب الأطفال مثلا وأسباب انقراض الأدب النسوي في فلسطين.

الشيخ جميل يطل علينا في رواية حركت الكثير بداخلي وأنا أقرأ نسختها التجريبية، فالبطل موجود في حياتنا ونمر عليه مرور الكرام، ولكن الشيخ جميل وضعه لنا تحت المجهر ليخبرنا كم نحن قساة وعراة.

العاهة وأصحابها تعتبر هي القضية المحورية في مجتمع يحكمه الجهل، ما أن قرأت عن عاهة البطل " خليل" حتى تذكرت جارة لي كانت تنادي ابنتها بـ"العورة" تعالي يا عورة، روحي يا عورة، والسبب في أن الطفلة أصبحت كذلك هو شقيقها الذي  فقأ عين شقيقته أثناء لهوهما معا،  وقد زجرت تلك الجارة مرارا أن تقول هذا اللفظ المميت لطفلتها التي كسرت قلبي، وجعلتني أحتضنها بقوة إلى صدري، والطفلة تهتف لي بين دموعها: والله يا خالة أول مرة حد يحطني في حضنه…..

هذه الطفلة وغيرها ممن يعيشون  بعاهات في مجتمعنا، وما إن نراهم حتى نهمس لأنفسنا، وتفضحنا عيوننا: لم لا يموت هؤلاء؟ على الرغم من أننا نحن الأصحاء ربما لا نستطيع أن نفعل مثل ما يفعلون بعاهاتهم، فقد أتحفنا التاريخ بقصص كثيرة عن نجاحات وتفوقات حصدها هؤلاء، ولا أستطيع أن أحصر أسماءهم لكثرتهم، ولكن يبقى الجهل هو السبب الأول والأخير لأن نزدري في مجتمعاتنا المتخلفة هذه الشريحة من الناس.

أخذنا جميلنا عبر روايته إلى شريحة من الناس عانت من الجهل، وعانت من التهميش، وأصبحوا بذلك أعداء لأنفسهم، وصف بكل سلاسة وبكل بساطة، وجعلنا نعيش أحداثا جرت قبل سنوات كثيرة الأم المغلوبة على أمرها ، وهي بالمناسبة صورة الأم دائما وابدا، في الأدب العربي لأن الأم في المجتمع العربي لم تتغير ولم تحاول أن تغير من وضعها، هي المستكينة والمغلوبة والمظلومة لأنها خائفة من كلمة : طلاق…………

أكثر ما أثر بي في رواية " ظلام النهار" هو مشهد ولادة البطل خليل في مغارة أو كهف، هذاالمشهد جعلني أتنبأ بما سيكون عليه حال هذا الطفل، والذي فقد يده اليسرى نتيجة للممارسات الخاطئة في الطب، وجعلني أتذكر كيف فقد طه حسين نور عينه بسبب تلك الممارسات.

للأسف لا زلنا نتعاطى مع الشعوذة والخرافات، ونتخذها الحل الأخير حين تستعصي عليناالحلول، وقد شرح لنا جميلنا أن السبب الأول لكل ما نحن فيه هو الجهل، ولكن السؤال الأكبر ماالذي أوصلنا لنكون جهلاء؟ وهنا نجد السياسة وألاعبيها تظهر من تحت بطن الرواية لنعرف المخططات الاستعمارية والتجهيلية التي رافقتها لتحويل الشعوب العربية إلى قطعان، وليس إلى جيوش وشعوب.

لن أشرح أكثر عما جاء في الرواية لأني أحب عنصر التشويق، وأحب أن يتواصل القراء مع الكاتب للحصول على نسخة منها، ولكن أحب أن اشير إلى الأغاني الفلكورية والطقوس الشعبية التي حوتها الرواية، وحتى بعض الألفاظ العامية التي ذكرتني بجدتي، والتي  جعلتني أثق أن تراثنا الفلسطيني لن يموت مادام فينا أمثال جميل السلحوت.