جماليات العروض الرقمي

السيد إبراهيم أحمد

إن مرور القاريء على عناوين الدراسات والمقالات التي يزخر بها منتديات العروض رقميًا الذي أسسه وبناه بعقله وقلبه ووعيه وثقافته المهندس خشان محمد خشان لتنبيك أن وراء الرجل فكرة عميقة عريضة يسهر على انجازها الليالي الطوال، ويعلم أنه ليس وحده من يجب أن يمضي في هذا الطريق بل يجب أن يتعاضد معه جمع من الأساتذة والطلاب كل في تخصصه، وإذا أعجزه هذا المدد من هذا العدد بحث عن المؤيدات في الكتب والدراسات التي تؤيد وتعضد وجهته وفكرته.

 لقد سُرَّ الرجل عندما وقع على تلك العلاقة بين الرياضيات والموسيقى والشعر والعروض، ذلك أن الرياضيات تسمو بالتطلع الفكري الحاد إلى مستويات من التجريد والشمولية حيث تظهر وشائج وهيئات غير متوقعه. إن الرياضيات هي البيت المشترك لكل من الفكر التجريدي وقوانين الطبيعة. وهي بذلك منطق خالص وفن خلاق في آن معا.

 يقول العروضي الكبير خشان: (ولد العروض - والرقمي أفضل تجسيد لمضمونه - على يد الخليل بن أحمد من رغبته الملحة للبحث عن النظام في أوزان الشعر العربي، وهو لغة متواصلة لدراسة كم التراكيب وكيف الهيئة. ولأن الرقمي متجذر في واقع البناء الشعري الذي تحفز الرغبة للمزيد من الارتقاء به في اكتشاف ذلك الواقع، فإنه أي الرقمي يسمو بالتطلع الفكري الحاد إلى مستويات من التجريد والشمولية حيث تظهر وشائج بين هيئات لم يتوقع أحد وجودها بينها. إن الرقمي هو البيت المشترك لكل من الفكر التجريدي والقوانين الفطرية للشعر العربي. وهو بذلك منطق خالص وفن خلاق في آن معًا.(

 ولذلك يرى خشان أن العروض الرقمي عَبَّرَ بشكل لا لبس فيه من أن الذائقة العربية في مجال وزن الشعر مضبوطة فطريًا بضوابط رياضية شاملة مطردة قدمها الخليل في علم العروض. ومن يعرف بعض أعاريض الغربيين الكمية منها أو النبرية أو المقطعية ويقارنها بالعروض العربي يتبين له الفارق الهائل في الثراء لصالح العروض العربي سواء ما عرفه الجمهور عنه كعروض أو ما أكده الرقمي كعلم عروض وكشف أن العروض العربي ذو كم وهيئة معًا، الأمر الذي يميزه عن سواه من الأعاريض، وهو يقدم الدليل والمثال على الطبيعة الرياضية للعروض العربي وما يؤدي إليه الرمز الرقمي من أشكال لدي نقله إلى التمثيل البياني، فإن الشكلين التاليين الممثلين لوزن صورة من بحر البسيط على النحوين التاليين لكل من شطريها 4 3 1 3 4 3 1 3 و 2 2 3 1 3 2 2 3 1 3 شاهدان على الطبيعة الرياضية الهندسية للشعر العربي:

clip_image001_f071b.png

بالطبع، ليست العلاقة غريبة بين الشعر والرياضيات، فقد استخدم المؤلف الموسيقى الفرنسي اليوناني الأصل "يانيس كزيناكيس" الرياضيات عند التعامل مع أعداد كبيرة من الأحداث الموسيقية مما أدى إلى استكشاف نظرية الاحتمال وبالتالي الموسيقى المستهدفة. في نظرية الاحتمال قد يحدد الهدف بطبيعة الأحداث السابقة، لذا في بداية التسلسل الأحداث قد تكون عشوائية، لكن اللاحقة تميل نحو هدف ما. لقد سخّر كلّ خبرته الهندسية لمنهجه الموسيقي، القائل بأنّ علم الصوتيات مبنيّ في الأساس على الرياضيات.

 كما لم يكن غريبًا أن يكون العروض الرقمي هو البيت المشترك لكل من الفكر التجريدي والقوانين الفطرية للشعر العربي، بل هو الجسر المشترك بين الرؤية الواضحة والدقيقة لعلم الجمال الغربي في مهده، وعلم الجمال الإسلامي في أوجه، يقول أفلاطون: (إن الجمال الذي أقصده لا يعني ما يقصده عامة الناس من تصوير الكائنات الحية، بل الخطوط المستقيمة والدوائر والمسطحات والأحجام المكونة منها بالمساطر والزوايا، ذلك لأن اللذة المستمدة من هذا الجمال لا تتوقف على الرغبات والحاجات الإنسانية، إنها لذة عقلية..وأقدر الفنون تعبيرًا عنها هو الفن التجريدي والرمزي الذي يكشف عن العالم المعقول، عالم الحقيقة المثالية الخالدة).

تقول الدكتورة أميرة حلمي مطر "فلسفة الجمال": (إن روح الإسلام التي تمثلت في التوحيد والتنزيه قد أكسبت الفنون التشكيلية نزعة عقلانية تجريدية، ظهرت خاصة في الزخرفة العربية التي تعتمد على استعمال الخطوط والألوان، وتنأى عن محاكاة الطبيعة المحسوسة؛ لتكشف عما وراء المحسوس من مباديء وقوانين عقلية وقيم مثالية).

 ويبدو أن المصور المسلم استعان بالسمة الهندسية للغة العربية وراح يطرد عن وعيه أي تجسيم تمثيليًا أو خطيًا وسعى يبحث عن جوهر الأشياء الأصلية من خلال النجمة، والمثلث، والمكعب، مُكَونًا مسارات من نوع فريد لرحلته التي لا نهاية لها.

 ولهذا تقرأ دكتورة وفاء إبراهيم هذه الرحلة "فلسفة فن التصوير الإسلامي": (ففي هذه اللوحات الهندسية التجريدية "الأرابيسكية" ليس ثمة من قراءة حرفية، وإنما رحلة سير يحاول بها تحقيق حدس بحضور الله سبحانه من خلال الإدراك الحدسي، ولما كان سبحانه يند حتى عن أن يدرك حدسيًا، فلا يبقى أمامه إلا أن يكون عمل الفنان تعبيرًا عن توحيد الخالق من خلال الشكل الهندسي التجريدي).

 وذلك إنما يعود إلى أن الكلمة العربية التي يعبر بها الفنان عن موضوعه وهو كلام الله في تشكيلات هندسية تتميز بأنه ذات شكل شفاف يكشف عن دراما كاملة من الصوت والصورة والمعنى والخيال، ولذلك يرى بوركات في "الفن الإسلامي اللغة والمعنى" أن القوة المعيارية للغة العربية تتأتى من دورها كلغة قدسية [نزل بها الوحي] وأيضًا طبيعتها المعمارية، والعنصران مرتبطان تمامًا، ويتميزان بخاصيتين يجعلان تشكيلها من أنبل وأجمل الفنون، وهما: الحدس السمعي، والحدس الخيالي.     

 ولعل أقدم نص نعرفه في تاريخ الأدب والنقد الغربي عن هذه العلاقة الساحرة الغامضة بين الشعر والفنون التشكيلية هي العبارة المنسوبة إلى سيمونيدس الكيوسي التي يقول فيها إن الشعر صورة ناطقة أو رسم ناطق، وأن الرسم أو التصوير شعر صامت.[دكتور عبد الغفار مكاوي: قصيدة وصورة "الشعر والتصوير عبر العصور"].

 لم يستخرج العروضي خشان خشان من التفاعيل الأرقام، بل بحس الفنان أنشأ أشكالاً من تلك العلاقات الرقمية التي تضمها البحور غاية في الروعة والانسجام والتناسق والتوازن، ليقدم دليلًا جديدًا على أن العروض الرقمي الخارج من نفس مشكاة الخليل، ليس عروضًا وحسب بل منهجًا مازلنا عاجزين عن الإلمام بكل دقائقه وأسراره وتفاصيله.

 ولذلك حاول خشان من خلال عناصر الفن الإسلامي ومنها الأنماط الهندسية والخط أن يدلل على أن لغته العربية هي نبع الجمال، وأن العروض الرقمي تواصل أو على الأقل محاولة للتواصل مع فكر الخليل في شموليته وتجريده ورياضيته، ولم يزد الخليل بأدواته هذه على أن يصور الذائقة العربية في سموقها وإبداعها وتفوقها على سواها من ذوائق البشر بشكل يستحق التأمل.

 لأجل تحقيق أهداف نظرية الجمال في التصميم أهدافها الوظيفية فإنها ترتكز على مجموعة من القيم التي تعيد ترتيب الجمال وفق اشتراطات أهداف التصميم المختلفة في بيئتها العريضة وأسئلة العصر على مستوى المناهج الفكرية السائدة، يرى الدكتور أياد الحسيني أستاذ فلسفة التصميم: إن من أبرز القيم التي تعتمدها هذه النظرية هي قيمة الاتصالية، ذلك أن فن التصميم من الفنون البصرية التداولية التي تكتسب قيمتها الحقيقية من خلال حسن عملية التلقي، والتي تبدأ بإثارة قيم جمال المظهر وتنتهي بارتفاع مستوى جودة وظيفة الجوهر، وهذا يعني أن يحقق التصميم دوره الاتصالي مع المتلقي بكل الوسائل وعلى مدى زمن ومراحل الرسالة البصرية، لأجل اكتمال الصورة النهائية للتصميم في ذهن المتلقي.

 والحق يقال لقد نجح المهندس خشان في رسالته تمامًا التي ليس منتهاها فقط تحقيق وثبوت صحة الرقمي في عروضه بديلًا عن التفاعيل وهذا هو التصور الأدني فكريًا وذهنيًا والقائم في ذهنية من يحاربون فكر الرجل ويتهجمون قبل أن يتفهموا، وهو ما يبدو من اللجاجة والسطحية فيما يبدو من أقوالهم، وأما ما يسعى له الرجل أكبر وأعمق وأعرق من كل ترهاتهم، وهو الوصول إلى فهم التصور الكلي لمنهج وفكر الخليل، ذلك العبقري الذي سبق ليس عصره فحسب، ولذا فالرجل يقول قبل أن يتناول "الإيقاع الكوني": (آن أن ينصف الخليل .. هذا الموضوع لا يهم إلا من استنارت بصيرته لينطلق مع فكر الخليل إلى آفاق لطالما لاحت لي على نور فكره. كنت أقول إنه سابق لزمانه في حضارتنا الإسلامية، وسيتبين للقارئ من خلال هذا الموضوع وربطه بما سبق وبشرت به مما لا ح لي على نور فكره أنه سابق لزمانه وزماننا على مستوى البشرية جمعاء).

 لقد قدمت في أول هذا الفصل العلاقة الحميمة والأكيدة بين الرياضة وبين الشعر وبين الموسيقى، بل وبين الموسيقى والعمارة، ومع هذا تتقدم إحداهن لتنفي تلك العلاقة ومكذبة لها دون أن تقدم الدليل، ثم يأتي ليؤكد الباحث الغربي تلك العلاقة المؤكدة والتي لا تحتاج لمؤكدات، وذلك تطبيقًا على موسيقى بيتهوفن مؤلف روائع الموسيقى الأصم في أغلب فترات تأليفه. فكيف أتي بتأليفه البديع هذا؟

يكمن الجواب في الأنماط التي تخفيها الأصوات. ونظرة إلى معزوفته "ضوء القمر" التي تبدأ بتيار بطيء من الأنغام في مجموعات ثلاثية تظهر ــ على بساطة الأمر ــ بين الموسيقى والرياضيات.يقول بتهوفن: (عندما أعزف فإنني أعبر عن صورة في ذهني وأتبع خطوطها). إن لأنغامه طبيعة هندسية رياضية تتحكم فيها معادلات رياضية دقيقة وهذه المعادلات تظهر لنا الأنماط الصوتية التي لا يسمعها بتهوفن بشكل بصري تمثيلات بيانية لمنحنى الجيب" sine curve".

 يقول جيمس جوزيف سيلفستر "James Sylvestor" عالم الرياضيات الإنجليزي: (الموسيقى رياضيات الإحساس والرياضيات موسيقى العقل، والموسيقار يشعر بالرياضيات والرياضي يفكر موسيقيًا.الموسيقى تمثل الحلم والرياضيات تمثل الواقع).

 كما يقول مؤسس الهارموني الحديث جان فيليب رامو Jean Philippe Rameau: (إن الموسيقى علم ينبغي أن تكون له قواعد معينة. وهذه القواعد يجب أن تستمد من مبدأ واضح بذاته، ومن المحال أن نعرف نحن هذا المبدأ إلا بمساعدة الرياضيات).

 كما طبق فيلسوف العرب أبو يعقوب الكندي الرياضيات في الموسيقى؛ فبنى فعلها على نسبة المتوالية الهندسية المتضاعفة.

 وقد جمعت أقوال العروضي الكبير خشان خشان متتالية منسابة بعد هذه السياحة في علاقة الموسيقى بالرياضيات، يقول تعليقًا: (وكل ذلك لا ينبغي أن ينسينا عظمة الخالق عز وجل الذي أودع الوجدان العربي هذه الذائقة الراقية الجميلة على نحو هو أقرب ما يكون لبرنامج رياضي متقن صارم أطّر إبداعَ العربي الأمي في جاهليته ليصوغ وفقا له أعذب الأشعار قبل أن يعرف علم العروض....الشعر كان قبل الخليل والخليل اكتشف قوانين وزن الشعر التي أودعها الله سبحانه في الوجدان العربي، اكتشف هذه القوانين ككل شامل أشبه ما يكون ببرنامج رياضي.....فالبحور لها ضوابط رياضية أودعها الله تعالى الوجدان العربي واكتشفها الخليل كالعناصر في الطبيعة خلقها سبحانه بأعداد وأوزان ذرية اكتشفها ماندلييف.....أودع الخالق سبحانه برنامجا رياضيا في الوجدان العربي يحكم فطرة العربي في الوزن. يحس به العربي بشعوره كما يحس بالبرودة والسخونة.....هذا البرنامج هو الذي يجعل الطفل يتمايل بين يدي أمه عندما تهدهده وهو لا يفهم كلاما. من هنا يكتسب الرقمي بمحاولته التواصل مع شمولية فكر الخليل وانطلاقه منه صفة رسالة فكرية لا يعدو العروض أن يكون مثالًا تطبيقيًا لها، وسائر الأمور التي هي أولى وأهم منه أجدر بهذا النهج.....إن سلوك هذا النهج في النظرة الشاملة للأمور والحكم على الجزئيات في إطار الكليات أمر يستحق أن يكون رسالة فكرية. لا يعدو الرقمي في هذا السياق أن يكون مثالًا يحتذى فيما هو أخطر وأعمق وأوسع. وكم من متاهات تولدت عن تنكب هذا النهج. وأي تكريم للخليل فوق هذا!). 

 وفي النهاية يطلق المهندس خشان أمنيته لعلها تجد من يستجيب لها في زمنه أو عبر الأزمنة التي تليه، ويتلاعج فيه اليأس بالرجاء أحيانًا حين يند الضيق به من رؤيته للواقع الموات الذي لن يستقبل شتلات شجيراته التي يتمنى أن يرعاها غيره ولو من بعده المهم أن تثمر، فيقول: (وعلى غرار دعوة كاتب النص الغربي إلى مشروعه، كم أتمنى لو يكون هناك مشروع عربي في هذا المجال "الإيقاع الكوني" ينطلق من فكر الخليل وكافة الدراسات العربية القديمة والحديثة. ويقيني أنه لو تم مثل هذا فإن الرقمي سيكون له فيه دور إيجابي. مع أني أدرك أن الأرضية العربية ليست ملائمة فكريا للقيام بمثل هذا المشروع على مستوى العالم العربي...لكن لو أن من يتقن الرقمي لا يغادره ويمكث لتتضافر جهود أهل الرقمي للقيام بمثل هذا المشروع ولو في نطاق محدود فإنه يحمل إمكانات النجاح لوحدة الفكر والمنهج والتصور. ولكن لو حرف امتناع لامتناع).

 اختار المهندس خشان الكلمة الأولى من الأذان "الله أكبر" وآية التوحيد من سورة الإخلاص: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، وهو اختيار موفق لكنه لم يسلم من نقد بعض من يظنون أنفسهم على درجة عالية من الذكاء والصفاء الذي يسمح لهم بقراءة نيات وأحداق الناس، فقد تصدت إحداهن بتصدير اتهام يجلله عار التخمين الذي ألبسته ثوب اليقين، واستنطاق المهندس خشان بما لم يصنعه أو يقله، وربطت بين أن الرجل أراد أن يخدع الناس بتصور أن الكلام الإيماني وآيات الله لها معجزاتها وموجودة في العروض الرقمي؟!

 ألم يكن يعلم مهندس ومؤسس العروض الرقمي أنه إذا أتى بكلام غير كلام الله مساوٍ لنفس الأرقام التي يكونها كلام الله تعالى أنها ستصل في النهاية بحتمية ذات الشكل؟!.. بلى كان يعلم، ولكن لأن الرجل لم يكن في تصوره هذا الذي قيل، لم يأتِ إلا بكلام إيماني وعن قصد، وهذا القصد فهمه علماء الغرب الذين قرأوا الإسلام وفهموه، وبعض أهل هذا الدين الحنيف من المتعالمين لم يقرأوه وإن قرأوه لم يفهموه، لقد فعل خشان هذا بفهمه الصادر عن قراءته الواعية لدينه ولغته والتي توصل لها بوركات حين قال في "الفن الإسلامي اللغة والمعنى" أن القوة المعيارية للغة العربية تتأتى من دورها كلغة قدسية [نزل بها الوحي] وأيضًا طبيعتها المعمارية، والعنصران مرتبطان تمامًا، ويتميزان بخاصيتين يجعلان تشكيلها من أنبل وأجمل الفنون، وهما: الحدس السمعي، والحدس الخيالي.

 وهو عين ماتطرق إليه المستشرق لوي ماسينيون من أن الفن الإسلامي يتحدر من نظرية عن الكون، وفقها لا يوجد في العالم غير الله "فلا دائم إلا الله". والفكرة المُرشدة في هذا الفن الإسلامي هي التعالي إلى ما هو أبعد من الأشكال وعدم التوقف عند الصور التشبيهية، ولكن الذهاب للأبعد، نحو محركها، نحو"من هو باق". [طرائق الإنجاز الفني عند شعوب الإسلام].

ــ العروضي الكبير والفنان خشان خشان، لماذا كانت هذه النقلة نحو التعبير بالأشكال الهندسية، وهل العروض الرقمي في حاجة إليها؟

ــ لقد تملك مني العروض الرقمي الذهن والوجدان، وكلما ازددت فيه تأملًا اتسعت أمامي مجالات تداخله في مجالات شتى خارج إطار اللغة، وكلها متواشجة بطريقة أو أخرى مع إيقاع الشعر العربي.وتؤسس للانطلاق في دراسة جماليات هذه اللغة وتميزها وآيات الله فيها في سياق الإيقاع الكوني فاتحة لذلك مجالًا جديدًا في الدراسات العربية. ولا ينبغي أن يغيب عن البال في هذه المسيرة أننا إنما نطبق منهج الخليل وعبقرية تصويره للذائقة العربية والثراء الباذخ لهذه الذائقة ولهذه اللغة.

 وسأكتفي بالشكلين المشار إليهما للدلالة التي تنبيء عن الإحاطة وأبدأهما بوردة الكامل والتي سيأتي الكلام عنها لاحقًا في الوقفة التحليلية، ولن نعدم من أعجبهم ذلك المسلك في التعبير بهذه الجماليات عن العروض الرقمي بل انبهروا به، وأيضًا سأكتفي في نهاية الوقفة بقول واحد منهم:

clip_image002_51d29.png

clip_image003_5c8d5.jpg

 

clip_image004_ae89f.png

 مر الأستاذ رجا صابر على "ساعة الله أكبر" التي صممها العروضي الكبير خشان خشان فانبهر بها وقال: (أشكرك أستاذ خشان على ساعة:"الله أكبر" فهذا الإبداع في العروض الرقمي الذي يجعل من كلام الله أرقامًا لها دلالة الإيقاع الكوني فهو سحر رجل عبقري مثلك يا أستاذ خشان, انظروا أيها العروضيون وأنتم غافلون عن إبداع العروض الرقمي, كيف صنع الأستاذ خشان من كلمة "الله أكبر" ساعة كونية لا تدق ولا تنطق إلا بالأرقام السحرية, والأشكال الهندسية البديعة, وهي ما أشار إليها العروض الرقمي, لكي تعلموا أن العروض الرقمي ما جاء إلا ليشمل كل حرف من حروف اللغة بلاغة ونحوًا وصرفًا وشعرًا ونثرًا وجغرافيًا وجيولوجيًا, وبناء وقناطر وأودية وسهولًا, وعمارات شاهقة, بل وكل آية من آيات الله الكريمة, ليبرهن لكم أن الإيقاع الكوني إن لم يُرَ بالعين المجردة, فهو إحساس صادق وشعور جذاب قد تراه في كل خلية من خلايا جسدك بشعور وإحساس, بل وفي كل ذرة من ذرات الكون, إنه العروض الرقمي الذي تناول الكون كله بإيقاعه, لم يستثن شيئًا إلا وشمله, أما تفاعيل الخليل, فمن أين تأتي بهذا الإنجاز؟!.. ما هي إلا تفاعيل مصطنعة لا فائدة منها, وقد أخطأ العروضيون حين يغضون الطرف عن العروض الرقمي لينتهجوا تفاعيل لا طائل لها إلا التعقيد, فانظروا إلى العروض الرقمي كيف صنع من كلمة "الله أكبر" نجمة كونية مقرها في السماء وتبصرها العين بوضوح, وأجنحتها على الأرض لترفرف أمامكم وتُرِيكُم أرقامها بوضوح, كما بالإمكان أن نصنع مثلها عشرات الأنجم, مثل نجمة: الله أكبر).

وسوم: 640