في فقه الاحتساب

زهير سالم*

الاحتساب ليس في قولك "حسبنا الله ونعم الوكيل" فقط ، وإنما أن تذكر أنك تسجل أجرك في كتاب الله كلما شاكتك شوكة، أو نزل بك مكروه، أو أساء إليك مسيء ..

وأجمل مثل وأختصره لكم، ما قرأته في كتاب الزهد والرقائق لعبد الله بن المبارك من أخبار "صلة بن أشيم" رحمهما الله تعالى .. واجعل من وكدك أن تقرأ كتاب الزهد والرقائق في رمضانك القادم ، بلغني الله وإياكم رمضان وأعاننا على صيامه، وتسلمه منا وتقبله منا كاملا غير منقوص ..

وفي أخبار "صلة بن أشيم "رحمه الله تعالى وكان عالما عابدا زاهدا مجاهدا أنه في إحدى المواقع انكشف المسلمون - وانكشف المسلمون تعبير ملطف عن أمر لم يحب سلفنا أن ينسبوه إلى أنفسهم، انكشف المسلمون ولم يبق إلا عشرات يناجزون العدو ويشاغلونه حتى لا يلحق بفلول المنهزمين فيستأصلهم . وفي يوم أحد وحنين انكشف المسلمون وثبت رسول الله في ثلة من أصحابه من المهاجرين والأنصار ...ولم ينكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ، في نحو ثلاثين غزوة غزاها في عشر سنين، فاحفظوا هذا فلا تنسوه أبدا. وزيدوه صلاة وتسليما...

وقالوا : انكشف المسلمون، ولم يبق في الصف إلا قليل منهم "صلة" وابنه. يلتفت الرجل الشيخ إلى ابنه، وقد جاشت به عاطفة الأبوة، فيقول: يا بني الحق بأمك تواسها. فيقول الولد الشاب لأبيه الشيخ : يا أبت الحق بزوجك فهي أحوج إليك مني!!

يقول الشيخ لولده: "فإن لم يكن من ذلك بد فتقدم بين يدي أحتسبْك...."

وكل الحكاية لأشرح كلمة " احتسبْك" ، فالألم الذي يجده الوالد المفارق أو الوالدة المفارقة، وهو يرى ابنه مقتولا مجندلا ، ألم عظيم، وأجره في كتاب الله عظيم. وأراد الشيخ أن يسبقه ابنه إلى الشهادة وقد قُدرت في ذلك المشهد، فيستشعر ذلك الألم ... فيرجو ثوابه عند الله وذلك هو الاحتساب ...

اللهم إننا نحتسب عندك عمرا قضيناه فيما تعلم. ونعوذ بك من الغرور وأهله.

وأسأل الله لي ولكم العافية وحسن الاحتساب ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 919