هذا ابي

محمود خالد ابوزيتون

كان ابي لا يسمع عن مريض الا عاده، ولا عن ميت الا تبع جنازته، كريما ان حل عنده ضيف، وضيفا خفيفا ان نزل كضيف، ينسحب بكل هدوء من فراشه مع صلاة الفجر، عائدا الى بيته، ان اجبره الليل على المبيت عند من نزل، يوهم كل من (عزمه) ويتمنى ضيافته انه افطر عند فلان، وان غذائه جاهز عند فلان، وان عشائه عند فلان، من باب التخفيف لا التصريف، يرضى الجميع بقناعته ورضاه.. وهكذا غادر الدنيا الى العليا بكل هدوء ورضا وقناعه...

كان أبي يسعد بمن يزوره  ل يتعلل عنده، وتبلغ سعادته منتهاها حين يمتلأ مجلسه الأنيق ساحة منزلنا بالضيوف من الأحباب والأصدقاء والجيران،  ويسعد أكثر بمجالسة الشباب من أصدقائنا نحن أولاده فيستمد منهم الروح ويطمئن  أكثر  علينا فيمن نرافق ونصادق  مع انه متأكد اننا  مثله تماما لا  نصادق ونخاوي الا الرجال...

كان أبي  أنيقا في الملبس، رغم زهده فيه حتى وهو داخل بيته  ،يده خفيفة عفيفة في صحن الطعام، بسيطا حتى لا تكاد تشعر انه يأكل الزاد الا بما يكفي ليوقف حاجته له.

كان أبي  واصلا لرحمه سندا وظهرا قويا لكل رحمه ذكرا أو انثى ، محبا لهم دون مصالح، قويا ضد من يحاول أن يتجرأ عليهم كائنا من كان

وكان ابي عاشقا رومنسيا بخشونه مع امي، يصرخ شوقا وحبا، حين تغيب عن البيت ولو لساعه، وعندما تحضر تصبح رومنسيته، قسوه، لكنها قسوة اورثت امي وجعا لا يفارقها ليل نهار على فراقه، تبكيه كلما ذكر امامها وكأنها تحن لصراخ حبيبها.

وكان أبي  هينا لينا صلبا قاسيا، سريع الرضا كما في الغضب، سريع البديهة لماحا ذكيا بالفطرة، محللا بارعا للانفس  والاحداث،ان ضحك اضحك الدنيا معه، وان كشر ضاقت الدنيا بمن حوله..... في مزاحه، جد، وفي جده حكم ومواعظ، لم يطلق يوما نكاتا عبثية او لا اخلاقيه، لم اسمعه يوما يلفظ الفاظا نابيه، تجرح السامعين ويشمئز هو  من سماعها..او يتعرض لاعراض الخلق ، ان تكلم اوجز، دون ثرثرة او محاولة السيطرة على المجالس بكثرة الكلام وكيف يكون هو معلم القران ومهتديا بهدي من انزل عليه القرآن

لم تكن لأبي أية هوايه في ركوب الخيل فقد كان فارسا بطبعه في كل شيئ،أو السباحة في الماء فهو كان غواصا ماهراً في الحياه لا يصطاد إلا الدرر من الرجال نسباً وأصلا، ولم تكن له هواية اطلاق العيارات الناريه، فكلمة واحده مع نظرة حاده كانت ذات تأثير أقوى من كل الرصاص.....

كان أبي مثقفا جدا حافظا للشعر محبا للعلم ومشحعا لكل الشباب على التعلم والتسلح بالشهادات العلمية، وكانت فرحته عظيمة حين يسمع أن أيا كان قد نجح وحصل علامات  في دراسته 

كلما زرت حارتنا القديمه، كل الجيران يبكونه ويذكرونه ويقولون، من راح ابوك راحت بركة الحاره... وكلما زرت اماكن كان يزورها يستقبلنا اهلها  قبل السلام بالقول ( الله يرحم ابوكم والله فقيده ابو زيتون ) خاصة اخوانك في الدين والتربية

رحمة الله عليك يا ابي وكأنك رحلت بالأمس لأن سيرتك العطرة لا تنقطع عن ألسنة الطيبين من أمثالك

يكفيك أن اخر افعالك في الدنيا صلاة العشاء واخر قولك ايات من كتاب الله

ابي الحبيب هذه لك  إن شاء الله أية من كتاب الله كنت تعلمها للناس

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)

صدق الله العظيم

ابنك: محمود خالد ابوزيتون

وسوم: العدد 929