إخوانيَّةٌ من إميل كَبا إلى ناجي نعمان: "عَرَفْتَ كيفَ تَحرِثُ حقولَ غيرِك"

إميل كَبا

أخي ناجي*..

"المحبَّةُ تَبني"**، كتابُ المِطران بطرس مراياتي الصَّادرُ عن دارك ذُخْرٌ ثمينٌ.. فعلاً، وكالجوهرةِ واسِطَةِ العِقْد، كلُّ ما حولَها يَغتذي منها ألَقًا، ومنها رُواء..

ولن أدخلَ في مضمونِ هذه التُّحفة بأكثرَ من أنَّه بمَوضوعاتِه قد سَحَرَني بساطةَ مُقاربةٍ، وصِدقَ تَوَسُّلٍ لما هو أبعدُ بالوَمْءِ الخَفِرِ الخافتِ، وبغنَى التَّمثُّلِ غيرِ المُباهي. فَسَمْتُ ما قرأْتُ بجَوارحي قبلَ عينَيّ، وتحسَّستُ بكَفَّيَّ وأصابعي من هذه المَطبوعة الفنيَّةِ الثَّرَّة، لَمِمَّا يَستوقفُ بالجوهرِ كما بالمَظهر، حتَّى لكأنَّ "كتابَك" بما ضمَّ، الصَّلاةُ مُصعَّدةً بالتَّرنيمةِ وبالنَّغمة، أَسْرًا لأُذُنِ القلب، ونُزهةً للعَين.

ويُحدِّثونَنا بعدُ، يا أخي، بأنَّ شمسَ الكتاب الورقيّ، بل العَسْجَديِّ بتِبْرِه وتُرابه، إلى غيابٍ يومًا في هذا العصر الهَجين، وبأنَّ طغيانَ الآلةِ الفاجرَةِ على هَسْهساتِ صفحاتِه الوادعةِ وشيك، فيدولُ معها الدِّفءُ الإنسانيُّ المتسلِّلُ منه إلى قارئِِه ورائِيه؛

يحدِّثونَنا، قُلتُ، وإذا لي أنَّ زمنًا جميلاً آخرَ للإبداع التأليفيِّ الطِّباعيِّ يأفُلُ، ومعه الحنينُ الغامرُكَ وأنتَ بينَ يدَيكَ كتابٌ تُحفةٌ وذُخْرٌ كمُهداكَ، فتغادرُ مقعدكَ الَّذي إلى الآلة العَجماء، عينَين بلا زاد، عدا، أللهُمَّ، رذاذِ ألوانٍ وذبذباتِ كهرباء، وفأْرةٍ مَلَلْتَ تَحريكَها، بل قَرِفْتَ إذ هي على مِثالِك تِبْعُ آلةٍ صَمَّاءَ عَجماء.

"المحبَّةُ تَبني" تُحفةٌ فنِّيَّةٌ رائعة من ناجي نعمان النَّاشر، وما أعجَبُ، فلأَنتَ، الأديبَ الأريبَ إلى حدودِ الشَّغَف بل الهَوَسِ بالكلمة، عَرَفْتَ كيفَ تَحرِثُ حقولَ غيرِك على النَّحو عينِه الَّذي تُنزِلُ به روحَكَ في صنيعِك، فما تُضامُ الكلمةُ في مِحرابِ قلبِك وهيَ تُصلَّى، وما يَعلو الرَّنينُ الأصفرُ على خفقاتِ فؤادِك المَسكونِ بنِداءاتِ البَهاءِ البعيدِ الأمثل.

سلِمتْ يداكَ، يا أخي، وللمِطران بطرس سلامُ عينَيَّ المُتَشَهِّيَتَين من زمانٍ بعيدٍ هذا الطِّرازَ من الخِطاب.

ودُمْتَ.. أخوك.. إميل كَبا

جعيتا في 31 أيَّار 2022

* الأديب ناجي نعمان، النَّاشر ومُرَوِّج الثَّقافة.

** كتابٌ للمِطران بطرس مراياتي، أسقف حلب للأرمن الكاثوليك، صدرَ مُؤخَّرًا عن دار نعمان للثَّقافة في جونية، بفَضل عنايةٍ ومتابعةٍ قَلَّ نظيرُهما من الأستاذ جورج مراياتي بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة.

وسوم: العدد 996