موت العلامة يوسف القرضاوي رحمة الله عليه مصاب جلل

نعي يوم أمس فضيلة العلامة يوسف القرضاوي رحمة الله عليه  إلى الأمة الإسلامية مشرقا ومغربا ، وقد تلقت نبأ وفاته بحزن عميق نظرا للمكانة التي كان  يحظى بها  عندها وبين علماء الأمة ، وقد كان قيدومهم على رأس هيئة علمية عالمية تتطلع إليها الأمة في زمن هي أحوج ما تكون فيه إلى قيادة علمية راشدة  تأخذ بيدها إلى سبل الهداية .

والمرحوم تغمده الله بواسع رحمته علم كبير لن يسهل على  من يريد الكتابة عنه بمناسبة رحيله أن يوفيه  ما يستحقه من جميل الذكر والثناء على ما أسداه إلى الإسلام  والمسلمين من خدمة بتواضع منقطع النظير ، وقد وهب نفسه لله تعالى ، وآثر الآخرة على الدنيا كما جاء في كلمة مسجلة له تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي ، ولو كان يريد الدنيا لامتطى صهوتها وقد أقبلت عليه مغرية  وأسلست له قيادها ،لكنه أراها زهد العالم الرباني، فألبت عليه عبيدها وعبّادها ، لكنهم لم ينالوا من قدره إلا كما ينال المخيط من ماء بحر عرمرم ، وقد واجههم بعبارته الشهيرة : " لقد وهبت عرضي لله تعالى وجعلته  في سبيله" ، وهي كلمة نقلتها قناة الجزيرة ذات يوم حين اتصلت به مواطنة جزائرية عبر الهاتف خلال برنامج ديني كان يرد فيه على أسئلة السائلين وهي تبكي وتطلب منه الصفح لأنها نالت منعرضه ، فأجابها جواب الأب الرحيم بعدما بادر بعبارة الصفح بنبرة نابعة من قلب طيب قائلا : ّ سامحك الله بنيتي لقد عفوت عنك ، وقد وهبت عرضي لله تعالى  و جعلته في سبيله " .

إن كل من حاول النيل من هذا الجبل الشامخ واجهته أياديه البيضاء التي تعدد ولا تعدّ على الأمة الإسلامية في فترة من أشد فترات التاريخ قسوة عليها ، وهو يقودها بعلمه وتربيته الراشدة حاملا راية الاعتدال والقصد في الدعوة إلى الله عز وجل ، وراية الاجتهاد والتيسير بالرغم مما كلفه ذلك من لوم المتشددين وعتاب الغلاة.

ولقد كان رحمة الله عليه علامة بما تحمله الكلمة من دلالة أتاه الله تعالى فصاحة اللسان و جميل البيان ، وباعا طويلا في المناظرة بالحجة والبرهان لا يفارقه تواضعه ، ولا يستفزه مجادله أو محاوره، رحب الصدر ، طيب القلب ، راسخ القدم في العلم ،رقيق الشعر إذا أنشد ، وجميل النثر إذا تكلم أو كتب ،كثير العطاء خطبا ،ومواعظ، و كتبا، و مؤلفات ، وكان بذلك رحمة الله عليه خزانة علمية متنقلة غنية بصنوف المعارف والعلوم  حيثما حل وارتحل.

ولقد كان المعلم، والأستاذ ،والشيخ المربي يفزع الشباب إلى خطبه و محاضراته ومؤلفاته التي كان يضفي عليها من سحر بيانه ما يجعل القراء يتعشقونها ، ويستزيدون مما كانت تزخر به من إشراقات عالم رباني أتاه الله عز وجل علما، وهيبة ،وصولة ، و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

إن الأمة الإسلامية تعلم علم اليقين دلالة موت عالم جليل خصوصا في مثل زماننا هذا  ، إنه مصاب جلل لا يعدله مصاب ، وهو كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤشر على قبض الله تعالى العلم  بقبض العلماء .

اللهم إنا نسألك رحمتك الواسعة ، وعفوك الجميل لفقيد الأمة الإسلامية وعالمها الجليل ، اللهم أسكنه فسيح جنانك في الفردوس الأعلى بجوار حبيبك المصطفى عليه الصلاة والسلام ، واسقه اللهم الشربة الهنيئة المريئة التي لا ظمأ بعدها من يده الشريفة . اللهم جازيه خير الجزاء على ما قدمه لنصرة دينك ، ولنفع عبادك المؤمنين اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله ، واجعل اللهم البركة فيما بقي من إخوانه العلماء الأجلاء ، واجعل اللهم عوضا عن كل من اخترته لجوارك ، ولا تقبض اللهم علمك بقبض علمائك الربانيين ، ونعوذ بك من فتنة الرؤوس الجهّال الذين يفتون بغير علم، فيضلون ويضلون .

وارحم اللهم جميع أموات المسلمين .

وسوم: العدد 999