شمس الكوفة

علي فاهم

كانت صورة الدين قبل نهضته عبارة عن بضعة رجال طاعنين في السن يُصلون متفرقون في مسجد هجره المصلون و الناس تاخذ احكامها من ممثل ساخر في تلفزيون الشباب لصاحبه ابن الطاغية يخرج لهم ليكلمهم بنكات سمجة و من يتكلم بأسم الدين يكون منبوذاُ و معزولاُ و كأنه مصاب بمرض معدي يباعد عنه الناس كأنه عبوة ناسفة و لكنه حين اتى و رفع رايته قلب الموازين و كسر الحواجز و أفهمنا أن الدين هو الحياة و أنه حركة تدب في كل زاوية من زوايا حياتنا لهذا ذبت فيه و وجدته المنقذ الحقيقي لهذه الامة  و لكني لم اره الا في ساعة الغروب من يوم رمضاني على كورنيش نهر الهندية عندما كنت عائدا من معسكر التدريب الالزامي كوني انهيت دراستي الجامعية و حق علي اداء الخدمة الالزامية فمع ارتداء السماء ليلها الرمادي كان هناك ضياءاً يشع من داخل سيارة بعيدة تتجه نحوي تسمرت في مكاني و كأن جسدي شله ذلك الضياء البهي ما هذا (البروجكتر ) في السيارة لم اميز ملامح الرجل  حتى اقتربت مني السيارة لشدة الضياء الاخاذ , مرت بقربي تلك السيارة و التقت عينانا و كأنني اعرفه من زمان ربما اكون توهمت حينها ان تلك اللحية البيضاء احنت لي بابتسامة صغيرة و لكني لم اتوهم ان هناك شيء نهض في قلبي و غير حتى دقاته و بوصلته من حينها شعرت اني ولدت للتو و أني انسان اخر و أن باباً شرعت لي على طريق جديد لم يدر بخلدي يوماً اني ساسلكه بكل هذه الثقة و هذا الايمان .

و عشت اياما عرفت بها نفسي و من اكون و ما هي اهمية وجودي في هذا الكون و ان لي دوراً علي ان اؤديه  و لم اندم الا على تلك الايام التي هدرتها في الدوران في دروب و متاهات فارغة و طرقات خاوية من المعنى و بقيت تلك الشعلة تستعر في روحي كسراج على منارة و في احدى الجمع الكئيبة كنت اقضي عسكريتي في مدينة جلولاء و في نفس وقت الغروب اضطربت حال الدنيا و و كانت السماء تصرخ و الارض تأن و القلوب مقبوضة شعرت في لحظة أن تلك الشعلة خمدت و ان قلبي اعتصره الم غريب لم اعرف السبب الا في اليوم التالي عندما أخبروني ان شمس الكوفة غربت .