الإنجيل السياسي و الإنجيل الكهنوتي

د. حامد بن أحمد الرفاعي

تحدثت في رسائل سابقة عن:قصة العلمانيِّة..وقصة الليبراليِّة..وقصة الديمقراطيِّة..وقصة الليبراليِّة الديمقراطيِّة..وكيف أن الغرب اعتمد الديمقراطيِّة..لتكون إنجيله السياسي في مواجهة وقهر الإنجيل الكهنوتي..وذلك في إطار الصراع بين العلمانيِّة والكهنوتيِّة..وأقبل الغربُ بشغف واعتنق قيم الإنجيل الديمقراطي..وأدارَ ظهره إلى حدٍ كبير للإنجيل الكهنوتي..وصبَأَ كثيرٌ من مفكري أتباع الديانات والثقافات الأخرى..فاعتنقوا قيم الإنجيل الديمقراطي..وأخذوا يرتلون ترانيمه صباحاً ومساءً..وانشغل عن الديمقراطيِّة السكارى بها من أهلها..ممعنون بإسراف شديد في استهلاك رصيد سمعتها التي صنعوها لدى شعوب العالم..لتحقيق مكاسب سياسية وهيمنة عالمية على حساب مصالح الآخرين..أما الصابئون إليها فلم يدركوا جوهر ما صبئوا إليه..واكتفوا بالتعلق ببعض وسائلها وترديد شعاراتها..فتاهوا وتوّهوا شعوبهم معهم..وهكذا شاخت الديمقراطية وترهلت قيمها وَاهترأت زينتها وَرُدت إلى أرذل العمر..فلم يبق منها إلا بعض نصوص جميلة منزوعة الدسم في واقع المجتمعات..حتى أصبحت عبءً على أهلها فلم تعد قادرة على مواجهة التحديات الفكرية والمعرفية الجديدة لشعوب العالم المتداخل والمتكامل..وتنبه لهذه الحقيقة بعضُ عقلاء الغرب في مراكز البحوث..فأخذوا يجرون مراجعات لنظمهم وقيمهم..طمعاً في إصدار إنجيلٍ جديدٍ لسياساتهم غير إنجيل الديمقراطيِّة التي باتت تحتضر..ليكون قادراً على مُواءَمة التطورات والتحديات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية في أوساط الشعوب على امتداد العالم..ويتنافس اليوم على بلورة وصياغة وإصدار الإنجيل السياسي الغربي الجديد تياران..تيارُ رُسلِ الفوضى الخلاقة(Creative anarchy) وتيارُ رُسلِ الحكم الرشيد(Good governance) وكاتبُ هذه السطور وكثيرٌ من مفكري أتباع الديانات والثقافات في أمريكا والغرب والعالم..يؤيدون ويدعمون رسالة الحكم الرشيد..بل نحن شركاء في بعث وتأسيس قيم وتوجهات الحكم الرشيد..الذي أحسب أن النصر سيكون حليفه..ويومئذ يفرح المؤمنون بانتصار ثقافة الرشد والتعقل والحكمة..على ثقافة العبث والطيش والحمق والكراهية..ويومئذ تبدأ حركة التصحيح والترشيد للمسيرة البشرية..وتنتعش توجهات تطهيرها من الفساد والإفساد..وتتوفر إمكانيات إعادة ترميم وبناء النظام العالمي على قيم ومبادئ:أنسنة قدسية حياة الإنسان وحريته وكرامته ومصالحه..وتنتصر إرادة تعزيز سلامة البيئة بشقيها الجغرافي والاجتماعي..وتشمخ صروح إقامة العدل والأمن والسلام للناس جميعاً بلا استثناء..آمل ألا يطول الانتظار..والله غالب على أمره.