التسكين في الضاحية الجنوبية في الجنة في عهد بابا المسلمين الارثوذكس

سليم عزوز

أعلن «تامر ابن أبيه» في برنامج تلفزيوني أن مكان والدة السيسي محجوزاً في الجنة، فأصبحت أخشى أن تلحق «الجنة» و«النار» بصندوق تحيا مصر، الذي بعثه السيسي ليميز بين الموالاة ومن يدعون أنهم منهم، وتتأكد وطنية المرء بحجم ما يتبرع به لهذا الصندوق، الذي قال السيسي إنه سيشرف عليه بنفسه، ثم زهد فيه وسلمه إلى لجنة.

في مصر الآن حكم كهنوتي مكتمل الأركان، احتكر فيه الحاكم الدين، وصارت له تأويلاته وتفسيراته التي لا علاقة لها بما قاله المفسرون الأوائل، ولم يكن أهمها تفسيره لقوله تعالى «وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم»، فقد قال البعض هم بنو قريظة، وقال البعض إنهم من فارس، وهناك من قالوا هم كل عدو للمسلمين!

ولكن الحبر الأعظم عبد الفتاح السيسي، قال إنه فكر في معناها فوقف على أنهم الذين سيتحركون لإنقاذ الدولة المصرية من السقوط!

وخلال عامين من الإنقلاب العسكري، خلعوا على السيسي أوصافاً مختلفة وحدث تسابق بين أهل الأديان، فشيخ يصفه بأنه نبي الله موسى، وقس يصفه بالمسيح، ولم يكن غريباً أن يعلن تامر المذكور أعلاه، أن والدة السيسي مكانها محجوز في الجنة، على نحو تمنيت معه أن يفسح المجال للاتصالات الهاتفية ، لكي أسأله على طريقة عادل إمام في مسرحية «شاهد ماشفش حاجة»: أنا اسمي مكتوب؟! ما دام أحد مقدمي البرامج التلفزيونية في حوزته كشف سكان الجنة، وتأكد بنفسه من أن والدة السيسي مكانها محجوز هناك!

لدي عادة لم تنقطع منذ وقوع الانقلاب، تتمثل في اهتمامي بكل ما يكتبه الذين كانوا ينتمون للمعارضة في عهد مبارك، وقد صاروا من دراويش السيسي، والقراءة لهم ممتعة، لا سيما إذا كانوا من الكتاب اليسار الذين يسعى المؤيد منهم أن يبدو جاداً وعميقاً، ولا سيما بعد أن تعرى السيسي فلم يعد يتشكك أحد في أنه قائد لإنقلاب عسكري، وأنه ليس عبد الناصر، وليس منحازاً للثورة، وقد أدهشني ما توصلت إليه كاتبة، لم تجد ما تقوله في تبرير استمرار تأييدها له إلا بإعادة صياغة ما يقوله عوام المؤيدين للسيسي، وقد فشل الآن في البر والبحر.

تسأل الواحد منهم: ما هو سبب تأييدك للسيسي؟ فتكون إجابته: يكفي أنه قضى على الإخوان.

العداء للإخوان

كثيرون يسمعون الإجابة، فيكتفون بهذا القدر ولا يتورطون في جدل عقيم، وقد شيطن إعلام الثورة المضادة الإخوان المسلمين، ضمن مخطط تشويه الثورة منذ اليوم الأول لها، وكان «تامر» المذكور واحداً من هؤلاء، الذين كانوا يطلون كل ليلة عبر شاشة التلفزيون المصري، ويقومون بشيطنة الثورة والمشاركين فيها، واتهامهم بالعمالة لجهات أجنبية. وهم من الإعلاميين الذين غسلوا سمعتهم باستضافة المحسوبين على الثورة، وكان عبد الحليم قنديل من هؤلاء الذين شاركوا في المهمة. وعبد الحليم كان ضيفاً كذلك لأحمد موسى، ولو دعاه توفيق عكاشة لقام بتلبية الدعوة، وكما كان يسبق اسم «موسى» المحسوب على أجهزة الأمن في عهد مبارك بـ «الأستاذ»، فقد كان سيسبق اسم «توفيق عكاشة» بلقب «الدكتور». وبالمناسبة ففي قضية حبس عكاشة، أصدرت وزارة الداخلية بياناً سايرته في إطلاق وصف «الدكتور» على نفسه، مع أننا لا نعلم في أي جامعة حصل على درجة الدكتوراه، وفي أي فرع من فروع العلم كانت أطروحته؟ وهل حصل عليها في العلوم الإنسانية أم في الكيمياء العضوية؟!

لا بأس، فوزارة الداخلية كانت تنفي عن نفسها الإتهام بتعقب المناضل عكاشة، فلم تجد مانعاً في منحه رسمياً درجة الدكتوراه، قبل أن نتوصل إلى من وقف وراء سجن توفيق عكاشة، فقد أعلن مقدم برنامج تلفزيوني بعد زيارة له في محبسه، إن الإخوان هم من يقفون وراء ما جرى. بشكل كاشف لنفوذهم وجبروتهم وسيطرتهم على وزارة الداخلية التي ألقت القبض عليه!

في محاولة الوقوف على السبب في تأييد الفاشل براً وبحراً وجواً، على أساس يكفي القضاء على الإخوان يكون سؤالي: «وماذا فعل الإخوان ليكون سقوطها هدفاً يغفر للسيسي ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر»؟ بل وما هو الضرر الذي وقع على جنابك من الإخوان ومن حكمهم؟ لأن كل ما كان يُتهم به مرسي بالباطل موجه للسيسي بالحق.

اكتشف أن سؤالي الهادئ يبدو مفاجئاً لمن كان يظن أنه يتحدث عن بديهية، وقد خضع لتأثير إعلام الثورة المضادة، الذي كان يذكر حيثيات لرفض مرسي إبان حكمه ليس من الجائز أن تقال الآن، لأنها ستنسحب على السيسي وتمثل مبرراً لطلب إسقاطه، ولهذا فإن المحطات التلفزيونية الموالية للشرعية، تستدعي فيديوهات لمقدمي هذه البرامج في عهد مرسي، فيصبح الوضع حساساً، ووصل الأمر إلى حد استدعاء مقطع للميس الحديدي في سياق حملتها على الرئيس محمد مرسي، على أنها قالته الآن في حق السيسي فظننت أنها تناولت حبوب الشجاعة!

كانت الصورة على الشاشة عن زيارة للسيسي للجيش في سيناء، وظهر حراسه وهم يشهرون أسلحتهم وفي وضع الضغط على الزناد، ويقفون بينه وبين الضباط، بينما لميس الحديدي تصرخ: «أنت خايف من الجيش؟! إيه الفزع ده.. إيه الخوف ده»! قبل أن نكتشف أن المستهدف بالهجوم كان الرئيس محمد مرسي.

كاتبة عميقة

لم أجد إجابة عند العوام فلما وجدت مقالاً لكاتبة يسارية «عميقة» بحكم الإنتماء الفكري، تكشف فيه عن الدوافع الفطرية لتأييدها لعبد الفتاح السيسي فقد التهمته عيناي، فمن الذي لديه القدرة إلى الآن على أن كتب بعمق» عن سر تأييده للسيسي، ويقدم لهذا التأييد حيثياته، بعد أن صار السيسي كتاباً مفتوحاً ولم يعد علاء الأسواني يقول إنه أعظم قائد عسكري بعد إيزنهاور، كما لم يعد أحد يقول إنه جمال عبد الناصر!

لقد أرجعت الكاتبة سر تأييدها للسيسي أنه قضى على الدولة الدينية التي أسسها محمد مرسي، عندها هتفت: تكبير، وإن كانت الكاتبة قد عجزت أن تقدم ملمحاً واحداً يدل على الدولة الدينية في عهد مرسي، الذي كان حكمه مدنياً بكل المقاييس ولا يوجد من ملمح يمكن أن يشير بأن الرجل من الإخوان، إلا صوره وهو يؤم في الصلاة عدداً من الشيوخ دون تأثير حقيقي لهذا على سياسة الدولة وتوجهها.

في حين أن الدولة الكهنوتية هي التي تشيد الآن، ويتحول فيها الحاكم إلى إله أو نبي وصاحب أحكام دينية يريد فرضها وإن كانت تائهة وهائمة وغير مترابطة وتفتقد للمنطق. والمشهد الكهنوتي كان حاضراً في اليوم الأول للإنقلاب، بوجود البابا وشيخ الأزهر عن اليمين وعن الشمال قعيد، حول السيسي وهو يلقي بيانه، ويحدد معالم دولته، وهو مشهد لم يكن له وجوداً في عهد الدكتور مرسي.

وقد ماتت شقيقة الرئيس مرسي وهو في الحكم ولم نشاهد مذيعاً يتصرف في التسكين في الجنة كما لو كانت تابعة للدولة وتشرف عليها وزارة السياحة، فيعلن أن بها مكاناً محجوزاً لشقيقة الرئيس، كما قال «تامر» وهو يتحدث عن والدة عبد الفتاح السيسي، ويمر ما قال مرور الكرام، فلم تعترض المؤسسة الدينية الرسمية على هذه الهرطقة، فالحكم الديني في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي يعتمد الهرطقة، التي عرفتها الكنيسة في عصور الظلام، حتى ظن أن دولته عندما تسقط، يأتي «الآخرون من دونهم» لحمايتها من السقوط، بأن يرفع كل منهم يده تحتها فلا تسقط، بحسب تفسير بابا المسلمين الأرثوذكس!

ظاهرة المتحولون في الإعلام

لقد تداعت الذكريات فقد اكتشفت نسياننا لظاهرة «المتحولون» في الإعلام، فالإعلاميون الذين كانوا ينتمون لسلطة مبارك وولده جمال وهاجموا الثورة، انتقلوا ليتكلموا باسمها، وسهل لهم مهمتهم في إدخال الغش والتدليس على الرأي العام، تجار «يناير» ممن شكلوا الائتلافات، وباعوها للمجلس العسكري، ولأنهم كانوا شباباً انتهازياً في مجمله فقد تعاملوا مع إعلام مبارك على قاعدة «شيلني وشيلك»، فقد منحوا الفلول بظهورهم معهم «صك براءة» من تهمة العداء للثورة، وفي المقابل تحققت لهم النجومية وتسهيل مهمتهم في أن يكونوا هم وحدهم الثورة. 

ورأينا في تجليات ثورة يناير، كيف كان ياسر رزق رئيس تحرير جريدة «الأخبار» بقرار من نظام مبارك، يحضر لميدان التحرير فيلتف حوله هؤلاء كما لو كان المرشد الروحي للثورة، في حين أن الثورة الحقيقية كانت ترفع صورته في قلب الميدان ضمن آخرين من إعلاميي المخلوع وتطالب بخلعهم أيضاً.

وتذكرت تنظيرات هيكل، في رفضه لوجود قناة «الجزيرة مباشر»، معلناً أنه لا يجوز لدولة أن يكون لها مشروع إعلامي موجهاً لدولة أخرى. فالقناة التي تقدم البرنامج الذي تلا فيه «تامر» قرار التسكين في الجنة، هي «إم بي سي مصر» ولم تشملها حملة هيكل لأنه وضع القاعدة لمباشر مصر، أما هذه القناة فهي مكملة لدور التلفزيون المصري في مهمة تدشين السيسي بابا للمسلمين الأرثوذكس!

وتذكرت أن هذا الإعلامي الذي تلا قرار التسكين في الضاحية الجنوبية بالجنة هو من حول برنامجه إلى كمين، لتمكين سلطة الإنقلاب من القبض على زميلنا إبراهيم الدراوي، بعد دوره في فضح هذا الانقلاب من خلال قناة «اليرموك» في الأردن، و»القدس» و«الأقصى» في بيروت بعد تسويد الشاشات في مصر، وقد عاد إلى القاهرة بعد اتصال تامر به، وكنا نعرف هذا ولا نعلنه، لكن تامر نفسه هو من أعلنه في «وصلة فخر» باعتباره كان بما فعل يؤدي دوراً وطنياً لا يقل عن دور رأفت الهجان في إسرائيل!