ليس دفاعا عن سلمية.. بل تبيانا لبعض الوقائع ...

عقاب يحيى

بين الحين والآخر، خاصة في الآونة الأخيرة، وأمام حقيقة استهداف المدن والمناطق والقرى السنية في عموم بلادنا، ونأي النظام المقصود عن فعل الجريمة في مناطق ومدن أخرى ممن تقطنها مكوّنات غير سنية، وعبر اشتعال النار المذهبية التي توقدها إيران وتخصّبها بتدخلها المباشر، وما تفعله المليشيات الطائفية التابعة لها، وردّات الفعل عليها من قبل فئات سياسية وشعبية واسعتين محسوبة على الثورة، وتوظيف هذه الحالة من أصحاب المصالح، والدول التي تريد شقلبة الصراع، وتشويهه..

يجري الحديث بلغة الاتهام والإدانة لجميع المناطق، أو " المكوّنات"، أو " الأقليات" الدينية والمذهبية بالجملة بما يتجاوز مشاريع النظام ومخططاته..إلى تلك المجاميع السورية التي تشكل جزءاً من نسيج الشعب.. وضمن ذلك تحضر سلمية في سياق" المدن" الهادئة، أو المتواطئة، أو المساندة للنظام في حين أن الوقائع تقول خلاف ذلك..وبما يقتضي شيئاً من تحرّي الدقة والموضوعية ..

*****

ـ نعم في سلمية شبيحة من أبنائها والمحسوبين عليها، وبعثيين مؤمنين ببقايا البعث وملفقين وانتهازيين، وعاملين في أجهزة النظام، ومخابرات ومخبرين، وقتلة ومجرمين، وعصابات خطف وتعفيش وقتل، وهم خليط من علويين وسنة وإسماعيليين، وإن كانت اليد الطولى للعلويين المدعومين من جهات عليا مسؤولة، ومن بعض الضباط المعروفين في المخابرات وغيرها، وهناك من يدعو" للحياد " من خلفية مذهبية.. تتلاقى والتناغم مع ما يحكى عن " نصائح" الآغاخان.. 

ـ وفي سلمية فقر وتعتير.. وحصار، وخوف.. وتحسّبات أكبر من تلالها وانبعاث دمامل التاريخ لدى العديد الذي يرقد في وهاد التاريخ.. خوفاً من قدوم داعش التي تتواجد في عديد القرى التابعة لها، وعلى مسافات لا تبعد أكثر من10 كم، ومن جهات مختلفة .. وسط أمواج من الشائعات والحكايا التي يسهم النظام وأجهزته في تنوّعها، وتصديرها.. عن قادم مريع.. وقصص ما تفعله داعش حيثما حلّت.. وأنها لن تبقي أحداً حيّاً على قاعدة تصنيف معمم بأن جميع السكان من الروافض الذين يجب إبادتهم، ومحاولات أزلام النظام وعناصره سحب الناس باتجاهه، وتجميعهم تحت هذه العناوين، أو عبر التأليب الطائفي، والسلموني..ايضاً ..

*****

بعض الوقائع :

ـ على امتداد عقود نظام الفئوية والاستبداد، منذ أيام الطاغية الأكبر، كانت حركة المعارضة قوية جداً، وتشمل أطيافاً قومية ويسارية واشتراكية ومستقلة متعددة الاتجاهات، ودخل المئات السجون عقوداً، بحيث يمكن القول أن نسبة المعارضين، والمعتقلين تحتل المراتب الأولى في سورية، قياساً إلى النسبة السكانية والزمن الذي مكثه هؤلاء، وفي منسوب المشاركة بالعمل المعارض بمختلف حراكه .

ـ منذ بدايات الثورة ساهم عديد الشباب في التحضير لها في دمشق، وحين قامت انخرطت فئات واسعة من سلمية بها.. سياسية ومن فئات شبانية متعددة الاتجاهات، وكثير من هؤلاء : فتيات وشباناً كانوا يتنقلون في المدن السورية للمشاركة في مظاهراتها السلمية وأنشطتها المختلفة.. بينما اتسعت الثورة بقوة في المدينة والقرى التابعة لها.. وعبّرت المظاهرات الحاشدة عن ذلك، واستقبال عشرات آلاف النازحين من حمص وحماة وبعض المدن السورية الأخرى، وتقديم اقصى ممكن العون لهم.. واستمر الوضع كذلك حتى انتشار ظاهرة التسلح وطغيانها.. حين دخلت عوامل متداخلة أدّت إلى نوع من المراوحة، والتراجع .

ـ بلغ عدد المعتقلين والفارين بضعة آلاف، وما يزال الكثير من المعتقلين في السجون، بينما الشهداء والقتلى عدة آلاف .. بنسبة عالية قياساً بعدد السكان .

ـ سلمية فقيرة على العموم، وقليل من أبنائها أصحاب رؤوس أموال كبيرة، بمن فيهم المهاجرون الكثر في شتى أصقاع الدنيا، ناهيكم على أن كثير من هؤلاء، وبمختلف مناطق البلد، لم يسهموا مباشرة بالثورة، والبعض منهم اتخذ موقفاً معادياً لها، او حيادياً، أو انتظارياً .

هذه الوضعية ألقت بكلكلها على الشباب الثائر، الذي وجد نفسه وحيداً وبقدرات ضعيفة لا تستجيب لمتطلبات الاعتقال، والمطاردة، وشؤون الإغاثة، والتكفّل بالضروري من الأعباء .

ـ وحين انتصر اتجاه التسلح كأمر واقع.. بدت الإشكالية أكبر، وتتجاوز الموقف من الفكرة بالأساس، ووقوف البعض ضدها لما يمكن أن تشكله من مخاطر وخروج على سلمية الثورة، والدخول في متاهات توفير القدرة على تأمين مستلزمات العمل المسلح الكبيرة، وازدياد الحاجة للآخرين من أصحاب رؤوس الأموال والدول، إلى تنامي ضرورة الانخراط بالعمل المسلح بعد أن أصبح عاماً، خاصة لدى بعض الشباب المندفعين والمطاردين والذين خرجوا من المعتقلات بآثار مؤلمة، وبدأت تتشكّل بعض الكتائب المستقلة، أو ينخرط البعض في القائم منها، إضافة إلى وجود عدد من الضباط الذين أعلنوا انشقاقهم. وبرزت المشكلة كبيرة في تأمين مستلزمات التسلح استناداً إلى العامل الذاتي : أبناء البلد، أو من خلال الدعم الخارجي الذي كان يأتي جلّه من بلدان الخليج بصورة مباشرة، أو من خلال المؤسسات والجمعيات الإسلامية والخيرية فيها.. والتي لا تتوفر أي خيوط بينها وبين أبناء المدينة، الأمر الذي ظهر جلياً في الصعوبات التي واجهتها بعض الكتائب التي تشكّلت ولم تجد الدعم الأدنى لها، وتلاشي بعضها، واضطرار بعض الأفراد للانخراط في كتائب وجهات تقدم الكفاف .

ـ جرت بعض المحاولات المتقطعة لتجميع المنتمين إلى العمل المسلح في غرفة عمليات موحّدة، وكان العدد يمكن أن يصل بضعة آلاف، غير أن مجموعة أسباب حالت دون ذلك، وفي مقدمها : عدم وجود القدرات المالية، ووسائل الدعم، وجهات التسليح.. وبما قاد إلى تبعثر عديد الشباب، والتحاق بعضهم بالكتائب الموجودة.. ولم يصمد سوى القليل، خاصة لواء شهداء سلمية.. بكل المعاناة، والتحمّل، ومحاولة الاستمرار بأدنى الشروط والمتطلبات ..

ـ لقد عانى الحراك الثوري إهمالاً متعدد الوجوه من قبل المعنيين بالثورة : إعلامياً، ومالياً، ودعماً، وإغاثة، ومعونات، وانعكس ذلك بقوة على ضعف مستلزمات العمل، وشعور الكثيرين بالتهميش والاضطهاد، والتعامل المتخلف معهم، وكان ذلك واضحاً على امتداد مسار الثورة وما قام به شباب سلمية من جهود وأنشطة متنوعة لم تلقَ أدنى الاهتمام، في حين أن الغمز من النظرة الطائفية، والاتهامات المعلبة والمستفيضة لم تنقطع وكان لها أثرها المؤلم والسلبي في نفوس البعض، وتنمّ عن ظلم، وجهل بتاريخ المدينة ودورها، وبتشكيلتها المختلطة من الإسماعيليين والسنة، وقليل من العلويين الذين انخرطوا بالثورة .

ـ ومع ذلك، ورغم التهميش وأثره، والظلم الذي لحق بالشباب الثائر، وهم بالآلاف.. واصلت المدينة حراكها وإسهامها بكل الوسائل المتاحة رغم التركيز الأمني الشديد، والقمع المركّز عليها، والاعتقالات وعمليات الخطف والقتل التي لم تتوقف، والتسريح من الوظيفة لمن ساهم في أي حراك، والحرب في لقمة العيش .

ـ ولئن لم تشهد المدينة قتالاَ شاملاً كالذي يحدث في بعض المدن والمناطق السورية، ولم تشهد ذلك التدمير الإجرامي، والاستهداف الشامل، في حين أن معظم القرى التابعة لها وهي كثيرة عرفت وما تزال الدمار، والنزوح، فليس الأمر يعود إلى أنها مستسلمة، أو أنها في صفّ النظام، أو من المؤيدين لجرائمه، وبقائه.. كما يحلو للبعض إطلاق ذلك على الطالع والنازل.. بل لأسباب أخرى، وحماة المدينة مثال، وعديد المناطق شاهد أيضاً، تلك التي لم يطلها الدمار الكلي، والقتل المعمم .. وإن كانت خطط النظام لا تُخفى في إسباغ نوع من الخلط، ووضعها ضمن مناطق" الأقليات" المحمية، أو اللعب ببعض التصريحات التي تصدر من جهات غير مسؤولة محسوبة على الثورة.. عن الإيمان والتكفير، وهوية الدولة القادمة.. والأكثري والأقلي.. وغير ذلك من زاد التشويه والحرف والاستخدام. 

ـ إن الأحكام المعممة، والمطلقة عن ضد ومع ليست حقيقية، وليست دقيقة، وفيها إجحاف كبير وظلم لآلاف المناضلين الذين أمضوا جلّ عمرهم في المعتقلات والمعارضة ومقاومة هذا النظام المجرم بكل الوسائل التي أتيحت، ومنها الانخراط الكامل بالثورة ..