المواطن والوطن 2-3

د. حامد بن أحمد الرفاعي

المواطن والوطن – 2

انطلاقاً من (كلانا الوطن وحنا والوطن روح وجسد)..وتأسيساً على معادلة التكامل بين المواطن والوطن..ينبغي أن نتعامل مع اختلال العلاقة بين أداء المواطن ومتطلبات المواطنة..ومنها مسألة البطالة في العمل..التي ينبغي أن ننظر إليها على أنها بطالة وطن..فبطالة المواطن هي بطالة الوطن..وطن لا يعمل ولا ينتج مواطنوه..وطن مهدد بارتهان الإرادة والسيادة..ولكن ما هي البطالة..؟عدم قيام المواطن بمسؤولية الإنتاج..على خلاف ما هو شائع بأنها فقدان المواطن لحقوق مصدر العيش..فالعمل والإنتاج من الواجبات وليس من الحقوق..وغياب النهوض بواجب العمل له أسبابه منها:عدم بلوغ سن التكليف..عدم الأهلية الذهنية والبدنية..عدم التأهيل والكفاءة والخبرة..الكسل والاعتماد على الآخر..غياب ثقافة مسؤوليات الإنتاج من مناهج التعليم والتربية وغيرها..وظاهرة ربط مسؤوليات الإنتاج بالحاجة فحسب دون ربطها بعبادة لله وأنها واجب وطني..وغياب العلاقة بين العبادة الروحية والعبادة الإنتاجية في التربية الدينية والأخلاقية..وبكلمة أدق وأوضح غياب تأكيد التكامل بين محاريب المساجد ومحاريب السوق..وإن من أخطر أساليب معالجة البطالة..التوجه إلى دفع رواتب للموطن ريثما يجد عمل بدون تقنين وضبط محكم وزمن محدد!والغرب فطن لخطورة هذا العلاج فقال:"أعطه سنارة ولا تعطه سمكة"وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قرر مبدأ عظيماً:"دلني على السوق"ومن قبله رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قال:"أذهب فاحتطب"وهنا أجد من واجبي التنبيه إلى السلبيات التي يمكن أن يفرزها برنامج حافز على المدى البعيد..فعلى الرغم من المقاصد الجليلة والنبيلة للبرنامج..ورغم ما يزخر به من توجهات أبوية حانية لولاة الأمر تجاه المواطن والاهتمام بتوفير مصادر عيشه..إلا أنه على المدى البعيد مرشح لأن يفرز سلبيات نتيجة للمقايضة مع الشركات بشأن البطالة..من الواجب التنبيه للحيلولة دون وقوعها..عندما تدفع الشركة للمواطنين رواتب وهم في بيوتهم..مقابل السماح لها باستخدام كفاءات ومهارات وافدة..هذا يعني ببساطة تقنين البطالة وعدم تأهيل المواطنين..يقابله تقنين الاعتماد على العمالة الوافدة وإعطائها المزيد من فرص التأهيل والخبرة على حساب تأهيل المواطن الجالس في البيت..الأمر الذي سينتهي إلى واقع خطير يفرض نفسه..المواطن يكبر وتكبر معه بطالته وعدم تأهيله..والشركة تكبر وتنمو وينمو معها اعتمادها على عمالة وافدة وإتاحة المزيداً من فرص ارتقاء كفاءاتها وخبراتها  تأهيل المواطن..فإن طلبت الدولة في وقت ما من الشركة التخلي عن العمالة الوافدة..قالت:إن هذه الخطوة تعني دفع الشركة إلى الإفلاس..وهذا يعني انهيار الاقتصاد الوطني..وعلى الدولة أن تختار..بكل تأكيد إنه خيار صعب ومصيري..فما الحل..؟الحل يبدأ من الآن..التزام السقف الشرعي والقانوني لحضانة الأسرة والدولة للأفراد..والتوقف عن المبالغة العاطفية برفع سقف الحضانة..والمبادرة إلى دفعهم إلى سوق العمل مع بداية سن التكليف..طبعاً بعد التأهيل والتكوين التربوي والديني بما يمد السوق بالكفاءات والمهارات والخبرات..شيء آخر أقترحه:تبادر الدولة بإقامة شراكة بين المواطن والدولة على أساس المضاربة وفق عقود يقرها الشرع وتلائم ضرورات البناء والتطوير والإنتاج..وهذا أمر فيه تفصيل وتقنين لا أحسب أن أهل الاختصاص عاجزون عن التعامل معه..والله المستعان.


المواطن والوطن - 3                                                

تقول العرب:"ابن كد رَحَّال لا ابن غنج ودلال"ويعنون أن الحياة لا ينهض بمسؤولياتها إلا أولئك الذين عانوا من أعبائها..ونبتوا في تربية تحدياتها..وكابدوا من صخور وتضاريس دروبها..واكتوت جلودهم بحر رمالها..وتفلنت كعوبهم من دوس جمر حصبائها..هناك فرق كبير بين نبتة غضة خضراء لامعة الأوراق..لينة الأغصان نشأت وترعرعت في تربة ناعمة طرية مشبعة بالسماد..لا تقدر على مقاومة أضعف هبة ريح تصدمها..وبين شجرة نشأت ونمت في أرض وعرة حصباء صخرية..أتسمعون بشجرة السنديان..؟إنها من هذا النوع شجرة ضخمة قوية البنية..ساقها غليظة صلبة..جذورها ضاربة في الأرض..وأغصانها شامخة في السماء..تعانق الجبال وتراقص العواصف وتصد الرياح العاتية بحيوية واقتدار..الفرق بين النبتتين هو الفرق بين ابن الكد وابن الدلال..والغرب يعبر عن هذه الحالة الغضة لابن الدلال فيقول:وُلِدَ وبِفَمِهِ مِلْعَقَةٌ مِنْ ذَهبٍ"إن نزعتها من فمه أو افتقدها لسبب من الأسباب..ما استطاع العيش بدونها وذبل وتدهورت صحته وربما تعرض للهلاك..ومرة وأنا طفل جلست أصغي لحديث بين والدي وضيفه العم أبو مفلح يرحمهم الله تعالى..العم أبو مفلح من قريِّات الملح..يأتي إلى حوران في كل صيف جرياً على عادة أسلافه..عندما كانت حوران تابعة للعهد السعودي الثاني(آل فرحان)..يأتون بالجمال محملة بالتمر والملح..ويعودون بها من حوران محملة بالقمح والشعير والذرة..فسمعت أبو مفلح يقول وبحرقة وتنهد:يا ابو محمد هذه الارزاق إذا عدنا للديرة حفاظنا عليها بحرص شديد لا نفرط بحبة منها..فهي حياتنا وحياة أبنائنا نترقب حلول الموسم على أحر من الجمر لنجلب إليكم من أرزاقنا ونعود بما عندكم من أرزاق..قال له الوالد:ترى الحال من بعضه يا ابو مفلح قال أبو مفلح:لا يا ابو محمد تراكم أرجى منا بكثير..عيالكم يتعلمون وعيالنا لا يعرفون القراءة والكتابة..عيالكم يلبسون برجولهم حذيان وعيالنا حفاة..ترى حالنا ماش يا ابو محمد والحمد لله على كل حال ونسأله الفرج والعون..ومرت الأيام وتغيرت الأحوال..وما عاد جانا أبو مفلح..وصرنا نسمع أن السعودية أصبحت بخير كثير..والناس يتمنون السفر إليها والاستمتاع برغد عيشها..وعدنا نحن إلى السعودية وعشنا بأمن وآمان ورغد واطمئنان..وها هي أجيالنا بدأت تمارس بطر ترف العيش..وتعزف عن العمل والجد..تريد لملعقة الذهب أن تستمر في أفواههم من دون كد ولا كدح..دون أن يدركوا أن ملعقة الذهب ما جاءت إلا بعد جوع وحرمان..وبعد كد وكدح مضنيان..وأن الترف وسلوك الترف وعبثية الترف مدمرة مهلكة والعياذ بالله..وها هي أحوال الناس من حولنا تقرعُ أجراس الخطر..فهل من مدكر..؟هذا ما نؤمله والله المستعان.

المواطن والوطن – 2

انطلاقاً من (كلانا الوطن وحنا والوطن روح وجسد)..وتأسيساً على معادلة التكامل بين المواطن والوطن..ينبغي أن نتعامل مع اختلال العلاقة بين أداء المواطن ومتطلبات المواطنة..ومنها مسألة البطالة في العمل..التي ينبغي أن ننظر إليها على أنها بطالة وطن..فبطالة المواطن هي بطالة الوطن..وطن لا يعمل ولا ينتج مواطنوه..وطن مهدد بارتهان الإرادة والسيادة..ولكن ما هي البطالة..؟عدم قيام المواطن بمسؤولية الإنتاج..على خلاف ما هو شائع بأنها فقدان المواطن لحقوق مصدر العيش..فالعمل والإنتاج من الواجبات وليس من الحقوق..وغياب النهوض بواجب العمل له أسبابه منها:عدم بلوغ سن التكليف..عدم الأهلية الذهنية والبدنية..عدم التأهيل والكفاءة والخبرة..الكسل والاعتماد على الآخر..غياب ثقافة مسؤوليات الإنتاج من مناهج التعليم والتربية وغيرها..وظاهرة ربط مسؤوليات الإنتاج بالحاجة فحسب دون ربطها بعبادة لله وأنها واجب وطني..وغياب العلاقة بين العبادة الروحية والعبادة الإنتاجية في التربية الدينية والأخلاقية..وبكلمة أدق وأوضح غياب تأكيد التكامل بين محاريب المساجد ومحاريب السوق..وإن من أخطر أساليب معالجة البطالة..التوجه إلى دفع رواتب للموطن ريثما يجد عمل بدون تقنين وضبط محكم وزمن محدد!والغرب فطن لخطورة هذا العلاج فقال:"أعطه سنارة ولا تعطه سمكة"وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قرر مبدأ عظيماً:"دلني على السوق"ومن قبله رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قال:"أذهب فاحتطب"وهنا أجد من واجبي التنبيه إلى السلبيات التي يمكن أن يفرزها برنامج حافز على المدى البعيد..فعلى الرغم من المقاصد الجليلة والنبيلة للبرنامج..ورغم ما يزخر به من توجهات أبوية حانية لولاة الأمر تجاه المواطن والاهتمام بتوفير مصادر عيشه..إلا أنه على المدى البعيد مرشح لأن يفرز سلبيات نتيجة للمقايضة مع الشركات بشأن البطالة..من الواجب التنبيه للحيلولة دون وقوعها..عندما تدفع الشركة للمواطنين رواتب وهم في بيوتهم..مقابل السماح لها باستخدام كفاءات ومهارات وافدة..هذا يعني ببساطة تقنين البطالة وعدم تأهيل المواطنين..يقابله تقنين الاعتماد على العمالة الوافدة وإعطائها المزيد من فرص التأهيل والخبرة على حساب تأهيل المواطن الجالس في البيت..الأمر الذي سينتهي إلى واقع خطير يفرض نفسه..المواطن يكبر وتكبر معه بطالته وعدم تأهيله..والشركة تكبر وتنمو وينمو معها اعتمادها على عمالة وافدة وإتاحة المزيداً من فرص ارتقاء كفاءاتها وخبراتها  تأهيل المواطن..فإن طلبت الدولة في وقت ما من الشركة التخلي عن العمالة الوافدة..قالت:إن هذه الخطوة تعني دفع الشركة إلى الإفلاس..وهذا يعني انهيار الاقتصاد الوطني..وعلى الدولة أن تختار..بكل تأكيد إنه خيار صعب ومصيري..فما الحل..؟الحل يبدأ من الآن..التزام السقف الشرعي والقانوني لحضانة الأسرة والدولة للأفراد..والتوقف عن المبالغة العاطفية برفع سقف الحضانة..والمبادرة إلى دفعهم إلى سوق العمل مع بداية سن التكليف..طبعاً بعد التأهيل والتكوين التربوي والديني بما يمد السوق بالكفاءات والمهارات والخبرات..شيء آخر أقترحه:تبادر الدولة بإقامة شراكة بين المواطن والدولة على أساس المضاربة وفق عقود يقرها الشرع وتلائم ضرورات البناء والتطوير والإنتاج..وهذا أمر فيه تفصيل وتقنين لا أحسب أن أهل الاختصاص عاجزون عن التعامل معه..والله المستعان.