المداني أقويدر عدادي

محمد صالح حمزة

المداني أقويدر عدادي

أجراها : محمد صالح حمزة   

من أقصى المغرب حيث يغسل بلد المرابطين قدميه في بحر الظّلمات، يبزغ نجم حلقتنا اليوم.. فقد أكرم الله هذه الزّاوية ( نجومٌ حاضرة العطاء ) بوجوه تشعّ بنور الإيمان، وتتزيّن بأثر السّجود.. تدفع بأيديها المتوضّئة طوفان الشرّ، لتدافع عن حمى الخير ومكارم الأخلاق..

والأستاذ الفاضل: ( المداني أقويدر عدادي ) واحد من هذه الدّعائم المرابطة على ذلك الثّغر القاصي من أرض الإيمان وبلاد الإسلام.. وهو على شهرته في المغرب فإنّ القرّاء في المشرق العربي لا يعرفونه بما هو أهل له.. ولعلّ هذه الزّاوية المباركة ترمّم هذا الخلل وتكون جسر التّعارف الذي يربط القلوب المؤمنة في مشرق عالمنا العربي ومغربه، مسهمة في تأليف هذه الأرواح المجنّدة لخدمة الدّعوة وعمارة الأرض وإشادة بنيان الحقّ والعدل والإيمان..

سؤالنا الأوّل للأستاذ المداني أقويدر كان: مَن هو المداني أقويدر وهل لكم أن تقدّموا بطاقته الشّخصيّة للقرّاء.. فأجاب:

"المداني أقويدر عدادي" من مواليد 1964م/1384هـ، بمدينة عمالية شرق المغرب، تدعى جرادة. أكمل بها تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي.. ثمّ انتقل إلى مدينة "وجدة" ليكمل بها تعليمه الجامعي.

2- وهل أكمله

نعم التحق بمدينة وجدة (الواقعة على الحدود الجزائريّة المغربيّة) حيث سجّل بجامعة: "محمّد الأول" في شعبة: "اللغة العربية وآدابها" فأمضى بها أربع سنوات كاملة.. حصل من خلالها على الإجازة في الآداب، وتخرّج فيها سنة: 1990م.

3- ما هي أهمّ إنتاجاتكم الفكريّة والأدبيّة؟

أ. ديوان: "الحمم" صدر عن المطبعة المركزيّة بوجدة سنة: 1413هـ-1993م.

ب. "أنين المآذن". ديوان شعر.. (قيد الطبع).

ج. "معسكرات الموت": مجموعة قصصيّة حول مذابح البوسنة والهرسك نشرت عبر الصّحف والمجلاّت (تنتظر الطّبع).

د. "بريد من ذاكرة المنفى": مجموعة قصصيّة، تنشر عبر حلقات. جريدة "الجسر" (في انتظار الطّبع).

هـ. أسئلة التأصيل: حوارات أدبيّة. حول الأدب الإسلامي وقضاياه. في أرشيف مجلّة "الأدب الإسلامي" (في انتظار الطّبع)... بالإضافة إلى قصص أخرى لم تنشر بعد.

ـ الدّراسات الأدبيّة:

أ. ضرورة التأهيل بين ثنائيّة الغموض والوضوح ـ دراسة حول طبيعة الأدب الإسلامي في جزئين.

ب. "زمن الأخطاء" فضاءات لنزيف الذّاكرة". دراسة نقديّة لرواية: "محمّد شكري".

ج. الاحتراق ولغة الضّباب" في إيقاعات أمّ سلمى"ـ دراسة وتحليل للمجموعة القصصيّة "إيقاعات في قلب الزّمن" للأخت: "سعاد تامر" "أمّ سلمى".

د. "الأمرُّ الحلو وصفة أخيرة لواقعنا المريض". دراسة وتحليل لديوان الأخ: "سعيد ساجد الكسواني".

ـ المقالات

أ. "الجسد وسيميلوجيا الدّلالة" دراسة سيميائيّة حول الجسد كمعطى ثقافي عبر التّاريخ.

ب. "اغتراب النّص بين التّأليف والإخراج".. وجهة نظر في العمل المسرحي.

ج. "إلى الشّعراء الكهنة" انتقاد لمنهج الحداثة المزعوم.

د. "مفهوم التربية في الإسلام" ـ عرض في علوم التربية وبيداغوجيّة التعليم.

هـ. "سراييفو أم أنطاكية الجديدة" مقال حول اجتياح القوات الصربيّة للعاصمة ـ سراييفو ـ المسلمة.

و. "التآمر الصّليبي من المونولوج إلى لغة التّواطؤ الصّريح": مقال يكشف عن تآمر قوى الشّرك على استئصال دولة مسلمة من أرض البلقان.

ز. "قضيّة المبعدين وحُمّى محاربة الأصولية، واقع وتحدّيات": مقال حول إبعاد 417 فلسطيني عن وطنهم سنة 1993م.

وهذه المقالات والأشعار والقصص والدّراسات.. معظمها قد نشر في الصّحف والمجلاّت الوطنية والعربيّة ومنها على وجه الخصوص:

ـ في الوطن: ـ مجلّة "المنعطف" ـ مجلّة "المشكاة" ـ مجلّة "الفرقان"...

        ـ جريدة "الصّحوة" ـ "الرّاية" ـ "الجسر" ـ "البيان الثقافي"...

ـ خارج الوطن: ـ مجلّة "العالم" ـ "فلسطين المسلمة".

4- ما هو الإنتاج الذي تعتزّون به أكثر من غيره.. ولماذا؟

كلّ ما كتبته أعتزّ به، خاصّة إذا كان يُنافح عن قضايا الإسلام والمسلمين.. ولكنّ العمل الذي أحسستُ من خلاله أنّي ـ فعلاً ـ أقوم برسالة تدعى: الكتابة؛ هو: ما كتبته عن معاناة إخواننا في البوسنة والهرسك: "معسكرات الموت".

وكذا: "أسئلة التأصيل"، والتي هي عبارة عن طبق شهي، ومتنوّع من آراء الإخوة المهتمّين بالأدب الإسلامي، مثل: "د. عماد الدّين خليل" و"محمد حسن بريغش" و"علي رضا النّحوي" و"د. علي الرباوي" و"أحمد عبد اللطيف الجدع".. وغيرهم كثير..

5- ما هو عملكم الحالي؟

العمل الحالي: موظّف بسلك التّدريس.

6- الآمال التي عزمتم على تحقيقها: ما الذي تحقّق منها.. وما الذي لم يتحقّق بعد؟

أما الأمل: فهو أن نستثمر كل ما بوسعنا من طاقات من أجل خدمة هذا الدّين.. وكلّ يعمل على شاكلته، ولما هو ميسّر له من مواهب وإمكانات فكريّة وإبداعيّة.. قد تفيد مستقبل هذه الأمّة، من بعيد أو قريب، المهم ألاّ نبخل، ونستهين ونستكين.. لذا يبقى أمل كلّ غيور غير محقّق بعد.. لأنّنا ـ في الأصل ـ ما زلنا في بداية الطّريق.

7- السّاحة الأدبيّة تعجّ بأدعياء الأدب، ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع وماذا تقولون لهؤلاء؟

فعلاً الساحة الأدبية غصّت بأقلام رخيصة، تدّعي الأدب، وحمل رسالة الكلمة المسؤولة، ولكنّها في الحقيقة ضربة قاضية لكلّ أدب رزين.. وهذا راجع، بالطّبع، للواقع الآسن الذي نعيش فيه. فالماء العذب يُشجّع ـ بإذن الله ـ على نموّ، وتكاثر المحار واللؤلؤ والمرجان.. والماء الراكد النتن تفقّس فيه الضّفادع، وتتكاثر حوله الحشرات..

فالواقع اليوم، بما فيه من قلق واضطراب نفسي، وكذلك عدم صفاء الرؤيا لدى الشباب خاصّة.. أدّى إلى ميلاد أدب غير مسؤول، أدب ضعة وغواية وتجارة.. يُساير معطيات واقعه الهجين، دون أن يُحاول تغييره، بل هو الأوحد والوحيد، هو أن يحظى بذرَّة قبول لدى النّاس.. وتلك ـ لعمري ـ أزمة ما فوقها أزمة.

وإذا كنا نسمع ـ من ذي قبل ـ بأغنياء الظّلام أو الحرب. فلا غرابة اليوم أن نسمع بأغنياء الضّلالة. فالكاتب أو الشاعر الذي قضى حياته كلّها في غواية الشباب، وتضليله، واستغلال اضطرابه النّفسي والرّوحي، بدعوى الحداثة... وفي نهاية المطاف، يطمع ـ وبكلّ وقاحة ـ في جائزة "نوبليّة" أو "فرانكفونيّة" يُتوّج بها مسيرته التضليليّة النّكراء.. إنّه لعمري ـ أشرس من تمساح جائع.. ولكن "مصائب قوم عند قوم فوائد".

8_ أعداء الإسلام يتّهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة، وبالتالي نفي الآخر.. كيف تردّون على هذه الفرية، وما هو حكم الإسلام تجاه الرّأي الآخر؟

لو كان الإسلام ـ فعلاً ـ يحتكر الحقيقة، كما يدّعون، لما حاور الله سبحانه وتعالى من فوق عليائه، ليُرسي قواعد الحوار الموضوعي البنّاء مع الطّرف الآخر: [ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ] (النمل:64).

[ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ]  (يونس:38).  [ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ] (البقرة:91).

وإذا كان هذا شأن الرّحمن المتعالي، فكيف بمعتنقي دينه الإدّعاء باحتكار الحقيقة، ونفي الآخر؟! إنّها فرية تسعى ـ كما تسعى مثيلاتها من قبل ـ إلى شنّ هجمة تشويهيّة إيديولوجيّة حول الإسلام ومناصريه، ولكنّها في الأصل، لا تزيده إلاّ صفاء وتلألؤاً في الحق ومضاء.. والذّهب ـ كما تعلمون ـ لا يصفى إلاّ تحت درجة حرارة عالية، والابتلاء من طبيعة الأديان. ومع ذلك ينبغي لنا أن نُبرز لهؤلاء الحاقدين المدّعين بإنّ الإسلام عكس ما يظنّون ويتصوّرون . بل هو دين حوار وتفاهم ورحمة، ودعوته صريحة في قبول الرأي الآخر، وتبنيه كفريضة، حتّى يتبيّن لصاحبه فيتبعه. وقد كان سيّد الخلق: محمّد صلى الله عليه وسلم يقبل ـ وبكل صدر رحب جدل المناوئين، وأسئلة المنافقين، فيردّ عليها بكلّ حكمة وتبصّر، دون غيظ أو ملل، امتثالاً لقول ربّ العزّة: [ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] (النحل:125). والقرآن نفسه كم حوى من مناظرات ومساجلات.. كلّها كانت من الطّرف الآخر فسجّلها بكلّ أمانة دون تحريف أو إقصاء: [ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ] (البقرة:258).

فكيف إذن ـ نُتّهم بما نحن منه برآء.. والتاريخ يشهد، ولكنّهم قوم لا يفقهون؟!

9- الأمّة العربية والإسلاميّة تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة.. كيف تنظرون إلى ذلك.. وما هو في رأيكم الدّاء.. وما هو الدّواء؟

لقد مرّت الأمّة العربية والإسلامية بأزمات ومراحل حرجة.. ساهمت فيها ظروف داخليّة وخارجيّة.. لكن الظّرف الحالي الذي تمرّ به، هو من أخطر ما مرَّت به على الإطلاق، والسّبب في ذلك كلّه، هو أنّ هذا العالم العربي الإسلامي لم يعد ينظر إليه بتلك النّظرة المتعالية اللامبالية فيما فات من ظروفه العصيبة.. بل أصبح اليوم له وزنه وتأثيره، وموقعه في علاقاته الدّولية والجيوسياسيّة وخاصّة بعد انهيار المعسكر الشرقي، الذي جعله وجهاً لوجه أمام قوى سياسية وفكريّة واقتصاديّة، تبحث عن توازنها، بعدما فقدت خصمها التّقليدي في المنافسة والصّراع.

ولكن، كيف اختير الإسلام لهذه المعادلة الصّعبة؟! وهل هو كفء لها؟! ولماذا هو بالذّات.. رغم وجود مَن هو أقدر منه وأقوى، في إقامة هذا التّوازن السياسي المطلوب؟!

ولعلّ الدّاء يكمن وراء الإجابة عن هذه الأسئلة العصيّة. أما الدّواء ففي ما تجود به طاقات هذه الأمّة، من تلاحم وتفاهم واتّحاد. حول ما عودِيَتْ من أجله، وهو الإسلام الكوني الشمولي المانع. وإلاّ سترغم على تقمّص بطولة دونكيشوتيّة في مسلسل الأحداث السياسية.. وفي النهاية تُقصى من مسرح الحياة بطريقة دراميّة مهينة. لأنّنا في معظم الأحوال نتصرّف إزاء هذه التحديات بنوع من اللامبالاة وهذا ينعكس سلباً ـ بطبيعة الحال ـ لأنّ الطرف الآخر لا ينظر إليها بالنّظرة التي ننظرها إليه. وهنا تكمن المفارقة.. وقد عبّر عن هذا الواقع ـ منذ مدّة ـ المستشرق "جرترودبل" في قوله: "العربي عبر القرون كلّها لم يشترِ حكمة من التجربة. فهو غير آمن أبداً، ومع ذلك فإنّه يتصرّف وكأن الأمن خبزه اليومي.." [نقلاً عن: "الإستشراق" ـ إدوارد سعيد ـ ص237].

سؤال أخير: ما الذي يجول في خاطركم وتودّون أن تقولوه للقارئ؟

وفي هذه الحالة، أودّ أن أهمس في أذن كلّ غيور على مستقبل هذه الأمّة. بأن العزّة لله ورسوله وللمؤمنين. وأملي أن نتعرّف ـ جميعاً ـ حقّ المعرفة عظمة هذا الدّين، ونتلمّس دلائل ذلك في صفحات تاريخنا الأغر، وبالأخص فيما خلّفه السّلف الصالح من جلائل الأعمال.. لنعلم ـ علم اليقين ـ بأنّ بين ظهرانينا، ما إن أقمناه ورعيناه حقّ رعايته، حقّقنا المستحيلات، ودانت لنا الأرض ومن عليها.. أو لم يعدنا ربّ العزّة بالاستخلاف في الأرض؟!:

[ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ] (النور:55).

لأنّ كلّ الأنظمة جرّبت، والنّظريات استنفدت، ولم يبق غير الخيار الإسلامي والنّظام الرّباني الذي ما زال يلحُّ وجوده على مجريات الأحداث، متحدّياً الصعاب والعقبات.. لأنّه ليس بالنّظرية البشريّة الخاضعة لمبدأ النّقص والنّسبيّة اللذين يخضع لهما الإنسان مادة وفكراً؛ بل هو نظرية شاملة ومانعة.. تستبطن الذّات وتنظر للأحداث بعين المستقبل، ولا تتجاذبها الأهواء الذاتية، ولا النزعات البشريّة، ولا العوارض التاريخيّة.. بل هي صالحة لكلّ زمان ومكان، ويجد فيها ذاته كلّ إنسان.. إنها شريعة الله، ومنهاجه القويم.

وحتّى نكون في مستوى هذا الدّين، ينبغي علينا أن نحترمه ونطبّقه، ونعرفه ونقدّره.. ولا نلتفتُ أبداً لتلك الدّعاوي المغرضة، القائلة بانتهاء زمن الإسلام.. وأولى الأروقة به، رفوف المكتبات وغياهب التّراث.. بل الأجدر بنا أن نفخر به وبانتسابنا إليه، لأنّه دين بقاء ونقاء، وإخاء ووفاء، وصلاح وصفاء.. وقوّة وكبرياء.. كلّ معاني الخير يشملها، ومحجّته البيضاء لا يزيغ عنها إلاّ هالك، كما عبّر عنها سيّدنا محمّد صلوات الله عليه وعلى آله.