عدنان علي رضا النحوي

محمد صالح حمزة

أجراها : محمد صالح حمزة       مع       عَدنان علي رضا النّحوي  

هل يحتاج العَلَم إلى تعريف؟!!!

لقد كتبتْ عن الدّ كتور النّحوي ما يزيد على /70/ مطبوعة بين كتاب ومجلّة وجريدة.. ناهيك عن الإذاعات والموسوعة الثقافية الشاملة في المملكة العربية السّعوديّة في جزئها الأوّل.. إضافة إلى المؤتمـرات والنّـدوات التـي

استضافت الدّكتور والتي يحضرني منها في هذه اللحظة ما يزيد على /30/ مؤتمراً وندوة فكرية...  

وحلقتنا هذه مجرّد حمامة تنضمّ إلى هذا السّرب الطّيب المبارك، لعلّنا نؤدّي بعضاً من حقّ هذا الدّاعية الكبير الذي أغنى المكتبة الإسلامية بعشرات من الكتب النّفيسة، والأبحاث الرّصينة، والمقالات والدّراسات ودواوين الشّعر و.. و... التي أنارت من الإسلام جوانبه مثل: الحقيقة الكبرى في الكون والحياة، أضواء على طريق النّجاة، خطّة الدّاعية "باللغة الإنجليزيّة"، تقويم نظرية الحداثة وموقف الأدب الإسلامي منها، الصّحوة الإسلاميّة إلى أين، واقع المسلمين.. أمراض وعلاج، وفي الشّعر: ديوان موكب النّور، ديوان جراح على الدّرب، ملحمة الغرباء، ملحمة فلسطين، ملحمة البوسنة والهرسك.. إلخ. وفي العلوم: انتشار الموجات الإلكترومغناطيسيّة المتوسّطة "باللغة الإنكليزية" وهنا نذكّر بنقطة قد لا تكون معلومة للعديد من القرّاء وهي أنّ النّحوي يحمل شهادة الدّكتوراه في مجال الاتصالات الكهربائية من أمريكا عام 1985 وله في هذا المضمار باع طويل وعطاء بنّاء..

ثمّ هو بعد ذلك حاضر النكتة، سريع البديهة، دائم الابتسام لا يتطرّق الملل إلى جليسه بحال، فهو يتنقّل به من زهرة إلى زهرة في روض معارفه الواسع الموّار بالثمار الشهيّة، والعطاء النافع والممتع...

وأخيراً نقول: إنّ النّحوي من مواليد صفد في الأرض التي باركها ربّ العزّة جلّ وعلا، وهو يحمل الجنسيّة السّعوديّة..

فإلى هذا الخير الوفير:

1- دكتور عدنان في هذا البحر الزّاخر من العطاء، أدامه الله ونفع به، ما هو الإنتاج الذي تعتزّون به أكثر من غيره.. ولماذا؟

الإنتاج الذي أعتزّ به: كلّ كلمة كتبتها نثراً أو شعراً لها نفس المنزلة من الإعتزاز لأنّها كلمات تخرج من أعماق نفسي: فكلّ كلمة هي جزء من حياتي وكياني ودمي وأضلاعي وأحناء صدري. ذلك لأنّ الكتب كلّها تؤلّف نهجاً محدّداً أكتب من خلاله كتابات منهجيّة محدّدة ليؤدّي كلّ كتاب أو مقالة دوراً محدّداً في النّهج، ولتترابط كلّها لترسم بتناسقها معالم النّهج.

2- ما هو عملكم الحالي؟

متفرّغ إلى الله ورسوله، إلى الإيمان والتّوحيد إلى دعوة الإسلام.

3- لابدّ أنّ ثمة آمالاً عزمتم على تحقيقها: ماذا تحقّق منها، وما الذي لم يتحقّق بعد..؟

آمال الدّنيا عزفت عن كثير منها، وحرصت على القليل الذي اقتنعت أنه يمضي على طريق الجنّة، بإذن لله ورحمته وعفوه. وأهمّ ما بقي لديّ من آمال هو أنْ أمضي في إصلاح نفسي على طاعة الله، ومساعدة غيري على ذلك، ليمضي الجميع في تحقيق الآمال الإيمانية، والأهداف الرّبانيّة، كما هي مبيّنة في كتاب لقاء المؤمنين ـ الجزء الثاني، وموجزة في عدد من الكتب الأخرى. فالطريق طويل...! إنّا نرجو أن يغفر الله لنا ذنوبنا، ويكفّر عنا سيئاتنا، ويستر علينا في الدّنيا والآخرة، حتّى نبلغ رضاءه وجنّته.

4- الساحة الأدبيّة تعجّ بأدعياء الأدب، ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع.. وماذا تقولون لهؤلاء؟

أقول لهؤلاء: كلَّ ما كتبته في كتابيَّ حول الحداثة: الحداثة في منظور إيماني، تقويم نظرية الحداثة، وما نشر من مقالات. موجز ذلك أن أنصحهم ليتوبوا إلى الله، ويعكفوا على دراسة اللغة العربية من جديد، ودراسة الكتاب والسنّة قبل أن تتلقَّفهم القبور فيصدق عليهم قول الله سبحانه وتعالى: [ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ] (المؤمنون:100).

5- أعداء الإسلام يتّهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة.. وبالتالي نفي الآخر.. كيف تردّون على هذه الفرية، وما هو حكم الإسلام تجاه الرّأي الآخر؟

الإسلاميون اليوم متّهمون بتهم كثيرة. وأخطاء الإسلاميين لا تعدّ أخطاء الإسلام. فالإسلام كلّه دين الحق لا باطل معه. وإنّما النّاس يُخطئون ويُصيبون. ليس موقف الإسلام أن يقضي وقته بالبحث عن الرّأي الآخر. الإسلام يحترم الرّأي الآخر في أمور دنيويّة يصحّ فيها الاجتهاد، أو أمور فنيّة تمضي بها تجارب المؤمنين وغير المؤمنين. إنّ هذا الاحترام للرّأي الآخر بين المسلمين والرّأي الآخر بين غير المسلمين ضروري من أجل نموّ الجهد البشري. إلاّ أنّ حقائق الإسلام التي نزل بها الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم لا مجال فيها للرّأي الآخر، ومهمّة المسلمين أن يُبلّغوا رسالة الله إلى النّاس بالحجّة والبرهان. لا مجال لرأي آخر في العقيدة. مهمتنا أن نُبيّن للناس مواطن ضلالهم وانحرافهم ليستقيموا على أمر الله. ليست مهمّتنا أن ندخل في محاولات التوفيق بين العقائد وما ينشأ عنها من سلوك مقرر في العقيدة. فلا مجال للتوفيق بين الحقّ والباطل.

إنّ مجال الانحراف في هذه الحالات واسع حين يفقد المسلم ميزانه الحقّ، ويتعلّق بالزّخارف والفتنة والأهواء.

والنقطة الأخرى هي أنّه لا الإسلام ولا المسلمون ينفون الرّأي الآخر. الرّأي الآخر هو الذي نفى الإسلام والمسلمين وحجر عليهم الرّأي والكلمة والحجّة. إنّّ الصّورة مقلوبة. إنّهم هم المعتدون الظّالمون المجرمون. وحسبك قوله سبحانه وتعالى: [ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ] (التوبة:10).

 6- الأمّة العربية والإسلامية تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة.. كيف تنظرون إلى ذلك.. وما هو في رأيكم الدّاء.. وما هو الدّواء

في ميزان الله هناك أمّة واحدة أُخرجت للنّاس، خير أمّة أُخرجت للنّاس، هي أمّة الإسلام: [ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ] (الأنبياء:92) وهناك شعوب تدخل في هذه الأمّة الواحدة من عرب ومن عجم، كلّ على مقدار صدق إيمانه ووفائه بعهده مع الله. أمّا السّبيل للنّجاة ممّا نحن فيه فقد بيّنتُ رأيي موجزاً في كتاب: "أضواء على طريق النّجاة" ففي رأيي هو الدّواء. وموجزه بكلمات قليلة: لابدّ من وجود نهج مفصّل للفرد والجماعة والأمّة قائم على القاعدة الصّلبة للدّعوة الإسلاميّة وهي صفاء الإيمان والتّوحيد، ثمّ على الرّكنين الرّئيسين: منهاج الله والواقع، ثمّ عناصر التّنفيذ في الميدان: 1- العنصر الأوّل يضمّ الأسس الأربعة: الإيمان والتّوحيد، منهاج الله، الواقع، سلامة الممارسة الإيمانيّة. 2- العنصر الثاني: النّهج والتّخطيط العام للدّعوة. 3- العنصر الثالث: النّهج والتّخطيط لكلّ ميدان تخوضه الدّعوة. 4- العنصر الرّابع: الإدارة والتّنظيم. 5- العنصر الخامس: ميزان المؤمن. 6- العنصر السادس: المؤسّسات الإيمانية. 7- العنصر السّابع: التّقويم الدّوري.

لكلّ جزء من هذا النهج دراسات مفصّلة تطرح نظريته ومنهاجه التّطبيقي.

7- ماذا يجول في الخاطر وتودّون أن تقولوه للقارئ؟

أودّ أن أقول لكلّ قارئ ممّن ينتسب إلى الإسلام أنّ الله جعل كلّ إنسان مسئولاً ومحاسباً. وأنّ مسئولية الجماعة والأمّة لا تصدق إلاّ إذا صدق الفرد بمسؤوليّته، ولا تقوم إلاّ إذا قامت المسئولية الفرديّة. أمّا إذا تعطّلت المسئولية الفرديّة في أمواج الخدر والأهواء والفتنة فعندئذٍ تظهر مناهج غير إسلاميّة: العلمانية، الدّكتاتوريّة، الدّيمقراطيّة، الحداثة.. وغير ذلك.

وقضيّة أخرى أنّه إذا كان أحد يرغب في نجاة أمّته وحمايتها من الهجمة الجنونيّة التي نتعرّض لها، فلا يحسبنّ أحد أو جماعة أنّه قادر وحده على التّصدي لهذه الهجمة المتراصّة الصفوف. لابدّ من صفّ مؤمن كالبنيان المرصوص يمثّل حقيقة الأمّة المسلمة الواحدة، تموت فيه العصبيّات الجاهليّة كلّها، وتكون كلمة الله فيه هي العليا، عمليّاً لا شعاراً.

وأخيراً أريد أن أقول لكلّ مسلم ولكلّ جماعة: إنّ في واقعنا أمراضاً فتّاكة هي سبب هزائمنا وفشلنا، وإنّنا نغطّي هذه العيوب بالشّعارات والزّخارف والرّايات، إنّ هذه كلّها لا تفيد عند الله، وإنّه لابدّ من العمل السّريع الدّائب لتحديد هذه الأمراض وعلاجها.

8- أفراد العائلة وهل يحمل أحد منهم نفس اهتماماتكم... وطريقة تفكيركم. ومنظاركم للحياة بشكل عام؟

اهتماماتي ومنهج تفكيري ومنظاري هو القرآن والسنّة وفهم الواقع من خلال القرآن والسنّة، ليقوم هذا كلّه على أساس من صفاء الإيمان والتّوحيد. أفراد عائلتي يعيشون مع القرآن والسنّة كما أعيش، فكيف تتوقّع أن تكون اهتماماتهم؟ جميعهم يتّبعون النّهج الذي أوضحته أعلاه من منطلق ذاتي فيكف تتوقع أن يكون منهج تفكيرهم؟! أسأل الله الهداية لنا جميعاً ولعباده المؤمنين.

مسئولية الدّاعية أوّلاً نفسه ثمّ عائلته وبيته، ثمّ الأقربون، ثمّ النّاس جميعاً، دون أن يُعطّل أحدُ هذه السّاحات العملَ في ساحة أخرى. إنّه عمل مترابط متداخل.