مع مصطفى عكرمة

سمير المحمود

مصطفى عكرمة

الفائز بالمركز الثاني في مسابقة «شاعر العرب» .. المسابقة

اكتشفت قدرات شعرية إبداعية جديدة وأعادت الهيبة للشعر الفصيح

حوار: سمير المحمود

الشعر جنس أدبي مازال متربعاً على كرسيه الأزلي في مقصورة سحرية، اسمها (الخلود) فيها كل ماتصبو إليه النفس، تغري مفاتنها وتعد زائرها بألف وعد مخملي، وتضع في يده ألف مفتاح، وليس لها إلا مفتاح واحد.. فإن فاتك أن تعرفه من أول محاولة.. فلا تيأس فإذا عرفت المفتاح، فادخل بهدوء حتى تستأنس قليلاً... وبعدها طف كما يحلو لك، وحذار أيها الصديق من أن تستعجل الأمر، فإن رب الشعر كثير الأناة سريع الغضب، وأنت وحدك المسؤول عن رحلتك في عالمه..

هذه الكلمات الرقيقة التي تدل على روح عذبة ونفس رهيفة هي للشاعر السوري المبدع مصطفى عكرمة ولا غرابة في ذلك فهو الذي ولد في أحضان الطبيعة في مدينة اللاذقية عروس الساحل عام 1943، وتربى يتيماً في كنف جده المرحوم الشيخ الفاضل عبد اللطيف عكرمة، حيث الوفاء من شاعرنا لأهل الذائقة الحقيقية والسريرة الصافية انسالت هذه الكلمات المعبرة عن روح الشاعرية الأصيلة، بعفوية وسلاسة ينبوع الماء العذب الذي تتوق لشربه كل قريحة عطشى لكل ماهو سام ورفيع.. الشاعر مصطفى عكرمة عضو في اتحاد الكتاب العرب، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وصاحب مطبعة ودار نشر عريقة هي دار عكرمة.. عمل الشاعر في الإذاعة والتلفاز العربي السوري خبيراً فنياًً في الإرسال مدة تزيد على الثلاثين عاماً، وقد أغنى الإذاعة والتلفاز والصحافة والمجلات والمناهج التربوية بإنتاج من شعره التربوي الهادف الذي يحيي الشمائل والفضائل العربية الأصيلة والإسلامية العريقة في نفوس الناشئة.. بدأ في كتابة الشعر منذ أكثر من أربعين عاماً، ويمتاز شعره بالأصالة اللغوية والقوة والوضوح والجرأة، حيث كانت محاولاته الأولى عام 1958، ومنذ عقدين من الزمن اتصف شعره بالإلتزام الديني، وبشعر الأطفال المفعم بالقيم التربوية، وله دواوين متعددة منها: (فتى الإسلام) (يقظة) (أحباب الله) (صيحة) (أنا وأبي) (أجمل ماغنى الأطفال) (أخي الانسان) ( يا أمة التوحيد) (نجاوى) (إنسانيات) (محمديات) (داء ودواء)، (إلى الله)،(عبير الشوق)، كما كتب المقالات النقدية الساخرة مثل (من دفتر الحياة)، والمسرحيات الهادفة مثل (جند الكرامة) التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة المسرح المدرسي في وزارة التربية بسورية عام (1972)، والقصص التربوية الموجهة مثل (جذور وفروع)، وأصدر أيضاً بعض الدراسات النقدية مثل (عمر أبو ريشة) و(نزار قباني) في (ميزان القيم)و(الشاعر القروي بين العروبة والإسلام)، كما شارك في مؤتمرات أدبية متعددة، ومهرجانات شعرية متنوعة، ومنتديات فكرية ثقافية شملت معظم أقطار الوطن العربي.. ونشر في أهم المجلات المحلية والعربية شعراً ودراسات مثل العربي، المجلة العربية، الفيصل، منار الإسلام، الوعي الإسلامي، الهلال وغيرها... ‏

وكتب عدداً من المسلسلات الإذاعية الأدبية الطويلة، و(500) حلقة من علم وعمل، و(150) حلقة من برنامج تسبيح شاعر لإذاعة الرياض، وبرنامجاً تلفزيونياً لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية في طرابلس مؤلفاً من ثلاثين حلقة مستقلة عن موضوعات إسلامية، بعنوان دروب النور، وقد بث في محطات عربية عدة وتجري ترجمته إلى عدد من اللغات الأجنبية.. وما زالت حياة الشاعر زاخرة بالإبداع والعطاء، حيث كان آخر نشاطاته لهذا العام أن شارك في مسابقة (شاعر العرب) وفاز بالمركز الثاني، كما حاز فيها على عدد من الألقاب منها: شاعر الفضيلة، وشاعر أمة وشاعر قضية، وشاعر الإسلام..وبمناسبة هذا الفوز المشرف وهذا التكريم كان لنا معه هذا اللقاء: ‏

ہ بداية حبذا لو تعرفنا على طبيعة المسابقة التي شاركت بها مؤخراً (شاعر العرب) وكيف تمت عملية الترشيح حتى وصولك الى الفوز بالمركز الثاني؟ ‏

ہہ مسابقة (شاعر العرب) بدأت من لندن بإعلان جائزة عن الشعر الفصيح مقدارها ثلاثمئة ألف دولار، واشترطوا أولاً أن يكون هناك ثلاث قصائد بما يشبه المعارضة، واحدة تعارض قصيدة كعب بن زهير، أو قصيدة شوقي أو البوصيري، والأخرى معارضة لابن زيدون وغيره في الغزل، والثالثة أن تكون على طريقة أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوماً أراد الحياة ) وسموها أشواق الحرية، وكل ذلك لاكتشاف شاعرية الشاعر، فاشترك في المسابقة (1280) شاعراً، كل واحد منهم أرسل ثلاث قصائد حسب هذه الشروط، وشكلت لجنة من مجموعة من النقاد الذين هم بالأساس شعراء، وهم: ‏

الدكتور محمد خضر عريف من جدة وهو أستاذ في النقد العربي وله العديد من المؤلفات والكتب، والثاني هو الناقد محمد مصطفى أبو الشوارب أستاذ الأدب العربي في جامعة الإسكندرية، والثالث: الناقد والأديب وليد قصاب من سورية، وهو يعمل أستاذاً جامعياً لأكثر من خمس ٍ وعشرين سنة خارج سورية بعد خبرة طويلة في التدريس بجامعة دمشق.. ‏

والعضو الرابع كان الناقد والشاعر بسام قطوس الفلسطيني الأصل، وهو مقيم في الأردن، ويدرّس في جامعة الكويت، وأما الخامس فهو الشاعر والناقد عباس الجنابي من العراق.. وبعد التصفية لم يبق إلا ثلاثون شاعراً، ثم أصبحوا خمسة عشر، وأضافوا إليهم واحداً من أجل أن يكون العدد زوجياً، ومن ثم أصبحوا ثمانية، والثمانية طالت مدة المنافسة بينهم حتى بقي منهم أربعة، ومن الأربعة اثنان، فكنت أنا أحد الاثنين وبالجولة الأخيرة فزت بالمركز الثاني. ‏

ہ وكيف تتم عملية الانتقاء للانتقال من مستوى الى مستوى، وهل للتصويت دور في ذلك؟ ‏

ہہ طبعاً يقرأ الشاعر قصائده بنفسه، وتوجد بين يدي النقاد نسخة منها، فيقومون بالتعليق عليها، واكتشاف الجيد منها، ويستنبطون مواطن الإبداع فيها، ومدى قدرات الشاعر من خلالها، فكانت في البداية التصفيات تعتمد على نسبة العلامات، ومن ثم صارت التصفيات على نسبة الترشيح، حيث عندما يأخذ الشاعر ثلاثة أصوات من أصل خمسة، وهو عدد أعضاء اللجنة يكون فائزاً، وأما بالنسبة لموضوع التصويت حسب الاتصالات على الـ (sms) فكان ثانوياً حيث من يفوز علمياً من قبل اللجنة لايحتاج الى ذلك التصويت. ‏

ہ شيء جميل أن تقام مثل هكذا مسابقات للمنافسة بين الشعراء، ولكن ألا تعتقد أن مثل هذه الألقاب والتسميات (شاعر العرب، أمير الشعراء) تعتبر كبيرة نوعاً ما؟ ‏

ہہ بيني وبينك أنا أعترض على هذه التسميات لأنه لايمكن لأحد أن يكون شاعر العرب، ولو أنها كانت على سبيل ألقاب وتوصيفات القدماء كانت أفضل، فمثلاً قالوا: ‏

جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت من صخر، وقالوا المتنبي قائد عسكر والبحتري واصف جئزر وأبو تمام خطيب منبر، وكل الشعراء صنفوا على هذا الأساس، فأما أن تطلق على شاعر واحد على أنه (شاعر العرب) مع تعدد اتجاهات الشعراء واختلاف الخطوط التي يكتبون بها، فهذا الشيء أعتقد بأنه ربما يوجد فيه شيء من التجني، فلو خصص هذا اللقب في مجال من مجالات الشعر لكان أقرب إلى الواقعية، لاسيما أن الشعراء الذين وصلوا الى المراكز الأولى في المسابقة كل واحد منهم كان له اتجاهه، ويحق له أن يعطى لقباً في ذلك الاتجاه.

ہ برأيك ماهي الأسباب التي دعت لتأسيس هذه المسابقة؟ ‏

ہہ أنا أعتقد بالدرجة الأولى، وأجزم بهذا الشيء أن صاحب قناة المستقلة لديه غيرة على اللغة العربية الفصحى، ولديه حرص شديد على بعث الاهتمام بها، وخاصة بعد أن تردد على لسان أحد النقاد أنه بعد خمسة عشر عاماً لن يبقى هناك شعر كلاسيكي، وسوف تنتهي هذه الموضة، فمن هذا المنطلق أقيمت هذه المسابقة لهذا النوع من الشعر حصراً، فصار الشعر الفصيح أثناء المسابقة حديث الصحافة، وباختصار جاءت هذه المسابقة لشد الناس إلى الاهتمام بالشعر الفصيح من جهة، ولتعيد الهيبة له من خلال إعادة إحياء تداوله من جهة أخرى...

ہ إلى أي حد تعطي هذه الجائزة الشاعر حقه؟ ‏

ہہ على ما أعلم أن معظم الشعراء يتمنون أن يكون وضعهم المادي أفضل، لأن متطلبات الحياة بشكل عام، بالإضافة إلى المتطلبات الأدبية من مكتبة وحضور منتديات ومهرجانات خارجية وغيرها، كلها تحتاج إلى أرقام مخيفة.. ولكن السؤال هل كل الناس كتبوا من أجل المال؟! طبعاً ليس في ذلك عيباً طالما أنهم أبدعوا، ولكن بالنسبة لي صدقني لم أكتب لكي أحصل على جائزة، وإنما اشتركت فقط لأعزز هذا الاتجاه العربي الأصيل، وبالنتيجة أحمد الله الذي كتب لي النجاح.. ‏

ہ طبعاً فزت بالمركز الثاني.. هل تعتقد بأنك وصلت إلى شيء مما تصبو إليه من طموحات؟ ‏

ہہ أنا لا أعتقد ولكن النقاد أجبروني على أن أعتقد! ‏

ہ إلى أي حد ترى مثل هذا النوع من الجوائز محفزاً للشعراء على العطاء والإبداع؟ ‏

ہہ المسابقة أعطت للشعراء حوافز كثيرة.. منها الشهرة، حيث أن هناك بعضاً ممن شارك لم يسمع باسمهم من قبل في المشهد الثقافي العربي، فالذي فاز بالجائزة الأولى ليس له أي كتاب شعر مطبوع، وبالتالي عرف عن طريق هذه المسابقة.. بينما أنا لدي أكثر من ثلاثين كتاباً شعرياً مطبوعاً، في أكبر دور النشر في الوطن العربي حتى أن لي أكثر من خمسين قصيدة تدرس في المناهج المدرسية في سورية وخارجها. ‏

ہ يتردد في الأوساط الأدبية أن لقبك هو شاعر الإسلام، ماذا تحدثنا بهذا الخصوص؟ ‏

ہہ هذا من حيث رأي النقاد فمنهم من قال بأنني شاعر قضية، وشاعر أمة، ومنهم من قال بأنني شاعر الإسلام، وكان هناك إجماع منهم على أنني شاعر فضيلة، ولكن من حيث المسابقة، فالمركز الأول لقبه شاعر العرب، والمركز الثاني (الوصيف) وأنا دعيت بالوصيف.. ‏

وأما بشأن تسميتي بشاعر الإسلام فهذا الاسم طرح في كتاب لي عنوانه (محمديات) كتب مقدمته العلامة الشيخ كريم راجح، وهو شاعر مبدع جداً، فأصر على تسميتي بشاعر الإسلام، وهو أول من سبق لتسميتي بهذا اللقب بشكل مكتوب، ثم تناقلوا هذا الكلام، وأذيع عبر مقابلات ومقالات بعد قراءتهم لما كتبه العلامة كريم راجح. ‏

ہ إلى أي حد ترى أن النقاد كانوا منصفين بآرائهم وأحكامهم في المسابقة؟ ‏

ہہ بكل صراحة النقاد كلهم كانوا بارعين جداً في تتبع أدنى حيثيات وتفاصيل القصيدة من الإملاء والعروض والصورة والابتكار والتجديد والتقليد، والتناص.. وكل شيء كان يعرض بمنتهى الدقة، ولهذا كله أقول لك وبأمانة أنهم كانوا جادين على أن يكونوا منصفين، وبالفعل كانوا منصفين. ‏