البيانوني يرفض الاستقواء بالخارج

القدس العربي

رغم معارضته للنظام في سورية

علي صدر الدين البيانوني  

لندن ـ 'القدس العربي'من احمد المصري

رفض المرشد العام للاخوان المسلمين في سورية والمقيم في المنفى علي صدر الدين البيانوني الاستقواء بالخارج ضد بلاده على الرغم من معارضته للنظام، مستنكرا في نفس الوقت الغارة الامريكية الاخيرة على منطقة البو كمال على الحدود السورية ـ العراقية، مؤكدا على التعاون الامريكي ـ السوري في مجال مكافحة الارهاب.

وحول مؤتمر حوار الاديان الذي عقد في نيويورك والذي دعا اليه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز قال البيانوني لـ'القدس العربي' ان هذا الحوار هو 'لقاء سياسي اهدافه عند الدعين اليه'، مستبعدا ان يكون له اثر في ظل غياب الرموز الدينية الاسلامية عنه.

واستبعد البيانوني ان تكون المفاوضات السورية الاسرائيلية جدية، كما استبعد ان تكون لدى بلاده اية قدرة على تحقيق مشروع نووي، مع التأكيد على حلمه بمشروع عربي اسلامي، معربا عن تخوفه من وعلى المشروع النووي الايراني مطالبا الساسة الايرانيين بانتزاع هذا الخوف، مستنكرا وضع حقوق الانسان العام في سورية.

وحذر البيانوني من المد الشيعي الذي يجتاح البلاد السنية تارة بالترهيب وتارة بالترغيب على حد تعبيره، مؤكدا على وقوف حركته ضد الجماعات الاسلامية 'العنفية'، نافيا ان تكون جماعته تخلت عن 'الجهاد'.

وقال البيانوني في حوار خاص بـ'القدس العربي' ان أسباب ظاهرة الخوف من الإسلام في الغرب ترجع الى وجود توجيهات عليا خارجية، على مستويات رسمية، بإقصاء الإسلاميين في العالم العربي عن دائرة القرار، وفيما يلي نص الحوار:

ـ استنكرت حركة الاخوان المسلمين في بيان لها الغارة الامريكية الاخيرة على بوكمال كيف يأتي هذا الاستنكار في ظل توافق مطالبكم مع مطالب الادارة الامريكية في اسقاط النظام في دمشق؟

ـ أولاً: ليست هذه المرة الأولى التي تنحاز فيها جماعتنا إلى جانب سورية(الوطن والسيادة والإنسان). إن موقف جماعتنا من أيّ عدوانٍ خارجيّ، هو الرفض والاستنكار والإدانة، والوقوف مع أبناء شعبنا صفاً واحداً للدفاع عن الوطن ضدّ أيّ اعتداء. إنه موقف تاريخيّ إستراتيجيّ ثابث، ننطلق فيه من مبادئنا الإسلامية وثوابتنا الوطنية..

ثانياً: إن معارضتنا لنظام الفساد والاستبداد في سورية، معارضة وطنية وقديمة، لا علاقة لها بتغيّر المناخ الدولي من النظام خلال السنوات الأخيرة. وإن مطالبتنا بالتغيير السلمي، وإحلال نظام ديمقراطيّ، بالتعاون مع كل القوى الشعبية والوطنية.. لا يمكن أن ترتبط - بأيّ شكلٍ من الأشكال - بأي مشروعٍ خارجيّ، حتى ولو حصل التقاطع في بعض الجزئيات.

ثالثاً: للمشروع الأمريكيّ أهدافه وأبعاده، وللمشروع الوطني السوريّ أهدافه وأبعاده. وإن الإدارة الأمريكية لم تتبنّ في أيّ مرحلة من المراحل، مشروع (تغيير النظام في سورية)، إنما تحاول الضغط عليه لتحسين سلوكه، بما يخدم مصالحها في المنطقة، بعيداً عن أيّ اعتبار لمعاناة المواطن السوريّ، والانتهاكات الخطيرة لحقوقه الأساسية. ودائماً يبقى النظامُ السوريّ النظامَ الأكثرَ قبولاً عند الإدارة الأمريكية والساسة الأمريكيين والأوربيين، لكن انفعالية الإعلام العربي تجعل الكثيرين غير قادرين على رصد المواقف والحقائق الموضوعية والصدور عنها.

ـ قلتم في أحد تصريحاتكم إن النظام السوري يتعاون مع واشنطن في مجال مكافحة الارهاب هل تعتقدون ان هذا التعاون سيستمر عقب الغارة؟

ـ لقد سبقت هذه الغارة غارة إسرائيلية في دير الزور في أيلول 2007 بضوء أخضر أمريكيّ، كما سبقتها أيضاً غارة أمريكية أخرى في عام 2005، دون أن يتوقف التعاون الأمني بين أجهزة النظام والأجهزة الأمنية الأمريكية. إن التعاون الأمني بين النظام السوري وواشنطن، تعاون إستراتيجيّ قديم ومعلن، وله شواهده في وقائع كثيرة، لعل أبرزها واقعة المواطن الكندي من أصل سوري ماهر عرار الذي اعتقل في أحد المطارات الأمريكية، وسلم إلى سورية لتعذيبه وانتزاع المعلومات منه، ثم ثبتت براءته، واعتذرت منه السلطات الكندية ودفعت له تعويضات. ومن المعروف أن النظام السوري قدّم للجانب الأمريكيّ معلومات كثيرة عن مواطنين عرب وسوريين يتهمهم بالإرهاب، بمن فيهم مواطنين معارضين لنظامه، من بينهم أعضاء في جماعتنا. وأعتقد أن هذا التعاون سيستمرّ بعد الغارة، رغم ما قد يعلنه النظام السوري خلاف ذلك. لإن النظام يدفع بهذا التعاون ثمن وجوده وبقائه، ولن يستطيع في أيّ لحظة التوقفَ عن الدفع.

ـ كيف تنظر حركة الاخوان المسلمين في سورية الى مؤتمر حوار الاديان الذي دعت اليه المملكة العربية السعودية؟

ـ الحركة تعتبر مؤتمر حوار الاديان لقاء سياسي اكثر منه حوار اديان، خاصة وان حوارات الاديان يجب ان يحضرها علماء دين وممثلون عن الديانات وليس سياسيين، اما الهدف من هذا المؤتمر فالاجابة تكون عند اصحابه وليس عندنا.

ولكننا بالطبع نشجع على الحوار والتعايش بين الديانات السماوية والانصاف.

ـ سورية تتعرض لخطر خارجي من قبل عدة جهات يذكرنا بالخطر الذي تعرض له النظام العراقي السابق قبل الحرب وتدمير بلد عربي.. بعض المعارضات السورية لا تمانع في التعاون مع الولايات المتحدة في سبيل الوصول الى اهدافها اين يقف الاخوان من ذلك؟

ـ أعتقد أن المشهد السوري يختلف كثيراً عن المشهد العراقي، إذ لا توجد معارضة سورية - يؤبه بها - تقبل التعاون مع الأجنبيّ، مهما يكن نوع هذا التعاون. إن المعارضة السورية بقواها الأساسية تشترط للتغيير أن يكون بالجهد الوطني.

ونحن في جماعة الإخوان المسلمين - رغم معاناتنا متعددة الوجوه - أعلنا منذ وقت مبكر، في ميثاق الشرف الوطني في شهر أيار (مايو) 2001، رفضنا الاستقواء بالخارج، وأكدنا على ضرورة تحصين الجبهة الداخلية، ورصّ الصف الوطنيّ، لمواجهة الأخطار الخارجية، إنه موقف مبدئيّ إستراتيجيّ تاريخيّ. بينما النظام السوري بإصراره على سياساته الأحادية القمعية، وانتهاكه لحقوق المواطنين الأساسية، يسير بعكس الاتجاه، ويزيد من حدّة الاحتقان الداخليّ، ويعرّض الوطن للأخطار الخارجية.

ـ كيف تنظرون الى المفاوضات الجارية بين سورية واسرائيل الان؟

ـ لا أحد يعترض على استعادة الأراضي المحتلّة بالطرق الدبلوماسية أو السلمية. لكني لا أعتقد أن المفاوضات الجارية حالياً هي مفاوضات جادّة، فالنظام السوري منذ أن تبنّى خيار السلام خياراً إستراتيجياً وحيداً، أضعف موقفه، ولم يوجد البدائل الوطنية والإستراتيجية التي تجعله يمتلك أوراق قوة تعينه على استعادة الحقوق. ومن جانب آخر فإن الطرف الإسرائيلي أتقن لعبة المفاوضات للمفاوضات، وهو يلعبها مع الفلسطينيين والسوريين كسباً للوقت، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الأزمة الداخلية التي تعيشها حكومة أولمرت، والتي لا تسمح لأي مسؤول إسرائيليّ أن يتقدم على طريق صنع سلام حقيقيّ.

ـ ما هو تقويمكم لأوضاع حقوق الإنسان في سورية في عهد الرئيس بشار الأسد؟

ـ لا بدّ من الاعتراف أن أوضاع السجون والمعتقلات، وطرائق الاعتقال قد أصبحت أقل سوءاً في عهد بشار الأسد، ومع ذلك فما تزال حالة الطوارئ والأحكام العرفية مفروضة على البلاد، وما تزال الأجهزة الأمنية تمارس مختلف أشكال القمع والتعذيب على المواطنين، وما تزال المحاكم العسكرية والاستثنائية تصدر أحكامها الجائرة على المواطنين العرب والكرد، على اختلاف انتماءاتهم، ولمجرّد التعبير عن آرائهم، وما يزال القانون رقم (49/1980) الذي يحكم بالإعدام لمجرّد شبهة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، ساري المفعول، وقد حكم بموجبه على العشرات خلال السنوات الأخيرة. وما تزال هناك ملفات إنسانية تنتظر المعالجة، مثل ملف المعتقلين السياسيين الذين يعدّون بالآلاف، وملف المفقودين الذين تقدّر أعدادهم بحوالي عشرين ألفاً، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المهجّرين الذين لا يسمح لهم بالعودة إلى البلاد.

ولعلّ أحداث سجن صيدنايا والمجزرة التي ارتكبتها قوات الأمن في شهر تموز الماضي، ولم تكشف تفصيلاتها حتى الآن.. وسقط خلالها عشرات السجناء، واعتقالات قيادات إعلان دمشق والأحكام الجائرة التي صدرت بحقهم، ووقف إطلاق سراح الأستاذ ميشيل كيلو والأستاذ محمود العيسى بعد انتهاء مدة محكوميتهما.. كل ذلك يؤكد أن سورية ما تزال سجناً كبيراً، وأنها تفتقد سيادة القانون، والالتزام الأولي بمواثيق حقوق الإنسان.

ـ هناك انباء عن اتصالات ووسطاء بينكم وبين تيار رفعت الاسد، ما هي صحة هذه الانباء؟

ـ هذا لا اساس له من الصحة، كان هناك اتصالات من جانب رفعت الاسد تجاهنا وارسلنا وسطاء ولكن هذا في الماضي ولم تسفر هذه الاتصالات عن شيء.

ـ انصار ربيع دمشق يعملون في الداخل السوري وانتم لانكاد نسمع عن اي تواجد لكم على الخارطة السياسية السورية كيف ترون ذلك؟

ـ لعلك تقصد أنصار (إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي) الذي تعتبر جماعتنا عضواً مؤسّساً فيه، ومكوناً أساسياً من مكوناته، وليس (ربيع دمشق) الذي لم يستمر أكثر من بضعة شهور في بداية عهد بشار الأسد.

لا يخفى عليكم أن القانون رقم (49/1980) الذي يحكم بالإعدام لمجرد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، مايزال ساريَ المفعول، ويطبق على أبناء الإخوان وأنصارهم وكل من يمت إليهم بصلة. وليس من الحكمة أن نعرّض إخواننا وأنصارنا لمثل هذا الخطر. لكننا رغم ذلك، فنحن موجودون في كل مدينة وقرية، لأننا جزء من تيار إسلاميّ معتدل واسع، لا يمكن تجاهله أو تجاوزه. وإنّ وجودنا في الخارج ما هو إلاّ امتدادٌ طبيعيّ لوجودنا في الداخل.

وإنّ استطلاعات الرأي تشير إلى أن الشارع السياسي السوري، ليس مختلفاً عن الشارع السياسي العربي العام، في مصر أو في فلسطين أو في الأردن أو في تركية..

ونحن - في الوقت نفسه - نشجع ونؤيد جميع القوى الوطنية الأخرى، لإحداث الحراك الوطني ولبناء الديموقراطية في سورية.

ـ المشروع النووي السوري هل هو حقيقي ام انها ذريعة من الغرب للضغط على النظام السوري وما هو موقفكم من المشاريع النووية الاسلامية والعربية.. ايران على سبيل المثال؟

ـ نحن نحلم ونطالب بعالَمٍ نظيفٍ خالٍ من جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل. ونطالب بشكل أخصّ أن تكون منطقتنا العربية نظيفةً تماماً من هذه الأسلحة. ونطالب المنظمة الدولية للطاقة الذرية، أن تقوم بدورها بمراقبة مفاعل (ديمونة) الإسرائيلي، وأن تراقب ما يخلفه من أنشطة إشعاعية مدمرة في منطقتنا.

في ظل هذه الرؤية، لا نرغب أن يُفرَضَ علينا سباقُ تسلّح نوويّ، ولكن إذا حصل، فعلى حكوماتنا العربية أن تتخذ السبل الوقائية لحماية شعوبها.

تعلمون أن للطاقة النووية أبعادها السلمية، ولا أظن أن أحداً يجادل في حق شعوب المنطقة أجمع، في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية. أو في امتلاك القدرة على الردع المكافئ، في توازن استراتيجيّ، حتى لا تعيش أجيالنا تحت التهديد الإسرائيلي، بترسانة فيها مئات القذائف النووية كما تؤكد الدراسات الاستراتيجية.

لا أعتقد أن سورية تمتلك القدرة على تحقيق هذا المشروع، وأعتقد أنه يمكن أن يكون مشروعاً عربياً مكافئاً.

أما بالنسبة لإيران، فنحن باختصار شديد، نخاف عليها ونخاف منها. هل بإمكان ساسة إيران أن ينتزعوا من نفوسنا الخوف منهم؟.

ـ كيف تنظرون الى علاقة الحركات الاسلامية مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة؟

ـ مشكلة الحكومات الغربية بشكلٍ عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، أنها ما زالت تعيش تحت تأثير صورة نمطية سلبية، سائدة لدى الغربيين عموماً والأمريكيين خصوصاً عن الإسلام والحركات الإسلامية.

ولقد شاركت في تكريس هذه الصورة السلبية عوامل عديدة ثقافية وتاريخية، إضافة إلى الدعاية الصهيونية، ودور أنظمة الاستبداد العربية التي حرصت دائماً على استعمال فزاعة الإسلاميين، لتضمن لنفسها البقاء في الحكم، بالتخويف من البديل الإسلامي. ورغم وجود أصوات عقلانية عديدة في المجتمع الأوروبي والأمريكي، تنادي بالحوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة، والتعامل معها باعتبارها تمثل واقعاً لا يمكن تجاهله أو تجاوزه، إلا أن هذه الأصوات لم تبلغ مستوى التأثير في سياسة هذه الحكومات.

نحن نعتقد أن الحوار الحضاري والثقافي والسياسي هو الطريقة الأمثل للتفاهم بين الشعوب وأن العالم في ظل حالة العولمة لا يستغني أبداً عن اللقاء والحوار.

دون أن ننسى أن نؤكد دائماً أن علاقات التواصل والحوار والتبادل المعرفي.. لا تعني أبداً أيّ شكل من أشكال الاستتباع، ومن هنا نعلن دائماً انفتاحنا للحوار مع جميع المجتمعات المدنية والمؤسسات الرسمية في هذا الإطار.

ـ الدكتور يوسف القرضاوي حذر من المد الشيعي كيف تقيمون التقارب السوري الايراني؟

ـ للتقارب السوري الإيراني وجهان: وجه سياسي بدأ منذ ثورة الخميني، وهو يقوم كما تقوم أي علاقة سياسية بين قطرين مسلمين من أقطار المنطقة، كسورية وتركية مثلاً. لقد قامت العلاقة السورية الإيرانية في عهد حافظ الأسد، على الندّية والمصالح المتبادلة، رغم أنها أساءت في بعض جوانبها للمصالح العربية، بينما أصبحت سورية في عهد بشار الأسد ورقة في يد إيران، خاضغة لمقررات مرجعياتها السياسية والمذهبية.

والوجه الآخر لهذا التقارب وجه طائفي مذهبي، وهو الذي حذر منه العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي، فالتمدّد الإيراني الشيعي في الأوساط والمجتمعات الإسلامية السنية، أصبح أمراً واقعاً وملموساً، وهو يثير ردود أفعالٍ مقابلة، ويؤدّي إلى زيادة التوتر والاحتقان في هذه المجتمعات.

ونحن في سورية نعاني من هذا التمدّد الإيراني الشيعي في الأوساط السنية، بتسهيلٍ ودعمٍ وتأييدٍ من النظام السوري. وأعتقد أن الدكتور يوسف القرضاوي - وهو المعروف باعتداله وانفتاحه ومواقفه التي تدعو إلى التقريب - كان محقاً في تحذيره، وكان ينبغي أن يُستقبَلَ تحذيرُه بالتفهّم والتعاون، منعاً لإثارة الفتنة، لكنه - مع الأسف - قوبلَ بهجمةٍ مسفّةٍ من بعض الأوساط الإيرانية والشيعية.

المواطنون السوريون يشعرون اليوم بثقل الزائر الإيراني في عباءته المذهبية، ثقلٌ بدأ يلقي بظلاله على الأسواق والأحياء والمساجد ووسائل الإعلام، وليس فقط على (المشاهد) و(المزارات). يتحدث القادمون من دمشق أن (اللطمة) الشيعية جرت هذا العام على أبواب مسجد (بني أمية)، وأن بني أمية يُشتَمون علناً في عاصمتهم دمشق.

لا بد أن نضيف أن هذا الغزو المذهبيّ يعتمد على مختلف وسائل (التبشير) من الترغيب والإغراء، وأحياناً الترهيب أيضاً، فتتم عملية التشييع بإسكات علماء أهل السنة الذين لا يستطيعون الدفاع عن هوية البلد، بينما الفريق الغازي محميّ ومدعوم من قبل الأجهزة الأمنية.

ـ لماذا لم نعد نسمع كلمة جهاد في ادبيات حركة الاخوان مع ان افرع اخرى للحركة كحماس تنادي وتطالب به؟

ـ الجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو شعيرة إسلامية ماضية إلى يوم القيامة، وليس كلمةً تُدرَجُ في أدبيّات. ورغم أن البعض قد أساءوا لمصطلح الجهاد، ووظفوه في تغطية أفعال لا تقرّها في الأصل شريعة الإسلام.. فما يزال الجهاد بمفهومه الإسلاميّ الصحيح، وفي إطاره الفقهيّ الشامل جهاد المال وجهاد الكلمة، وجهاد الدعوة، بالإضافة إلى جهاد الدفع.. يحتلّ مكانته البارزة لدى الحركات الإسلامية جميعاً. ومن الطبيعي أن تفرض ظروف الاحتلال على حركة المقاومة الإسلامية حماس، ردّ العدوان ومقاومة الاحتلال.

ـ اغلب قيادات الحركة ومؤيديها من جيل الستينات والسبعينات اين الشباب في حركة الاخوان؟

ـ قد تكون أغلب قيادات الحركة فعلاً من الكهول والشيوخ، بعد أن أصبح أبناء الحركة وأنصارها يعانون داخل القطر من الملاحقة والقمع، ويعانون خارج القطر من ظروف الاغتراب والشتات، مما أدّى إلى تواري الجيل الوسيط عن الواجهة. وقد تنبّهت قيادة الجماعة لهذه الحقيقة منذ أكثر من عقد. وقامت بوضع برامج وآليات خاصة لمعالجة هذا الخلل، ودفع كوادر شابة إلى المواقع المتقدمة، وقد تحققت إنجازات مهمة على هذا الصعيد، وما زلنا نترقّب المزيد، لا سيما وأن معظم مؤيدي الحركة وأنصارها هم من جيل الشباب.

ـ ما هو تأثير الاسلاموفوبيا على الاسلاميين في الخارج؟

ـ أوضحت في جواب سابق أسباب ظاهرة الخوف من الإسلام، وأشرت إلى أن هناك أسباباً تاريخية وثقافية وصهيونية وسياسية. أما أبعاد هذه الظاهرة وانعكاساتها فلا بد أن نلحظ أن الشارع الغربيّ عموماً مهيأ لاستقبال كل ما يمكن أن يُلصَق بالمسلمين. ظاهرة الرسوم المسيئة - مثلاً - هي إحدى هذه الانعكاسات، ففي شخصية الرجل الذي قام بهذه الرسوم يختلط المثقف بالسياسيّ. لا بد حيال هذه الظاهرة أن يتدارك العرب والمسلمون تقصيرهم، فالتنديد بما تصنعه آلة الدعاية الصهيونية، وبما يفعله بعض السفهاء من العرب والمسلمين لا يكفي، لا بدّ من جهدٍ إيجابيّ في هذا السبيل.

والأخطر من هذا الانعكاس هو وجود توجيهات عليا خارجية، على مستويات رسمية، بإقصاء الإسلاميين في العالم العربي عن دائرة القرار، والتعاون على ذلك مع المستبدّين والفاسدين. وقد أدى ذلك بالمقابل إلى عرقلة جميع مشروعات الإصلاح في العالم العربي.

ـ ما هي علاقتكم بالتنطيمات الاخرى في العالم العربي كالقاعدة وحزب الله؟ وما هو تنسيقكم مع الحركات الاسلامية الاخرى؟

ـ تعلمون أن جميع الحركات التي أطلق عليها - خطأ - مصطلح (الجهادية) والتي منها تنظيم القاعدة، وجميع التنظيمات التكفيرية والعنفية الأخرى، تقف موقفاً منابذاً لجماعتنا، سواء على صعيد الفقه النظريّ، أو على صعيد الوسائل والأساليب، فهي تعتبر نفسها تنظيمات (ثورية)، وجماعتنا - كما هو واضح من مشروعاتها - تتبنّى الإصلاح المتدرّج، عن طريق إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والدولة. ومن الطبيعي ألا تكون لنا علاقة بأيّ من هذه التنظيمات.

بل ان العلاقة بين التنظيمات القطرية لجماعة الإخوان المسلمين، لا تعدو كونها علاقة تشاورية، يطلع كل قطر على واقع الأقطار الأخرى، وقد يُبدي نصيحةً عارضةً هنا أو هناك، ولهذا يمكن أن تلحظ - في كثير من الأحيان - تباين المواقف والتصريحات الإخوانية من القضية الواحدة. فيما عدا ذلك فإن الأبواب مفتوحة مع الجميع، الإخوان في مصر يتحاورون مع العلمانيين والناصريين، ونحن في سورية نحاورهم وندخل في تحالفات معهم، وكذلك الإخوان في الأردن.

ـ كيف تقيمون التطورات السورية اللبنانية والتبادل الدبلوماسي؟

ـ نحن نعتقد أن العقود المنصرمة التي هيمن فيها النظام السوري على لبنان، كانت فرصة لبناء أنموذج عربي يقوم على التواصل وحسن الجوار والاحترام المتبادل، لكن مع الأسف فإن نتيجة تلك المرحلة كانت عكسية، وخرج اللبنانيون من التجربة مجمعين على طلب الخلاص. نحن نعلم أن سياسات (الهيمنة) و(الاستحواذ) تشكل هاجساً في عقل القائمين على الأمر في سورية، وأن المناورة السياسية ستبقى دأبهم، لذلك ننظر بقلق بالغ إلى مستقبل العلاقة السورية اللبنانية في ظلّ النظام الحالي.

ونؤكد أن المخرج من الأزمة لن يكون إلا باحترام سيادة لبنان وإرادة اللبنانيين. ولا بد لكي يبلغ الاطمئنان في نفوس اللبنانيين مداه، أن تتم عملية ترسيم الحدود، وتبادل السفراء، التي هي رمزيات بروتوكولية، لا نظنها ستحمل إلى العلاقة بين البلدين أي جديد، إذا لم يكفّ النظام السوري عن سياساته الاستحوازية.

ـ كيف ترون المستقبل السوري في ظل الادارة الامريكية الجديدة؟

ـ حين ننظر إلى سورية كدولة في كيانها العام، فإننا نتمنى أن يكون لسورية حضورها الوازن، ودورها الإقليمي الفاعل في المنطقة، بما يؤهّل هذه الدولة لتحقيق أبسط متطلبات الأمن القومي، لا سيما بعد أن أثبتت الاختراقات المتكررة، أن سورية تعيش - في ظلّ هذا النظام - حالةً من الترهّل تجعلها موضع طمع الطامعين.

نتمنى أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة قادرة على إدراك أبعاد المعادلة في المنطقة، باعتبار (القضية الفلسطينية) جوهر الصراع والتوتر والقلق في المنطقة.

ونتمنى ثالثاً أن تدرك الإدارة الأمريكية الجديدة الفرق بين (الاستمرار) و(الاستقرار)، وأن أيّ علاقة سليمة ومنتجة، يجب أن تتم مع شعوب حية، مالكة لقرارها ومؤثرة فيه، وأن ملف حقوق الإنسان ينبغي أن يكون حاضراً في التعامل مع الأفراد والشعوب والحكومات، وأن تكون الإدارة الجديدة أكثر وفاءً لمبادئها والتزاماتها الإنسانية والمواثيق الدولية.

من جهة أخرى نتوقع أن تستمر لعبة (عض الأصابع المتبادل) بين الولايات المتحدة والنظام السوري. ستستمر هذه اللعبة إلى أن يتم حلحلة المشكلات في العراق ولبنان وفلسطين وإيران. لذلك سنكون أمام جولة جديدة من مناورات (الإرادات والإدارات) وشعوبنا وحدها هي التي تدفع الثمن.