تكريم الدكتور مأمون فريز جرار

صالح أحمد البوريني

مكتب رابطة الأدب الإسلامي في الأردن

يكرم الدكتور مأمون فريز جرار

من صالح أحمد البوريني/عمان

[email protected]

احتفل المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي في الأردن مساء يوم السبت الماضي بتكريم رئيسه السابق الدكتور مأمون فريز جرار الذي تولى رئاسة المكتب لثلاث دورات سابقة . وقد رحب الرئيس الحالي للمكتب الدكتور عودة أبو عودة بالحضور وبصاحب المناسبة وامتدح سنة تكريم الرواد والمبدعين في الرابطة ، وقال إن تكريم العلماء والمفكرين وقادة العمل الثقافي والفكري والأدبي واجب علينا ، وإنهم جديرون بالاحتفاء بهم والإعلان عن إنجازاتهم وأعمالهم وإبراز دورهـم في خدمة رسالة الفكر والأدب والكلمة الطيبة . ثم قدم الدكتور عودة تعريفا موجزا بشخص الدكتور مأمون جرار وعرضا مفصلا لمؤلفاته وأعماله في المجال الأكاديمي والفكري والإبداعي ، كما أشار إلى حضوره في المجال الصحافي ، إذ مارس الدكتور مأمون جرار العمل الصحفي والكتابة في الصحافة منذ فترة مبكرة في شبابه وما يزال يمارس كتابة المقال الصحفي في صحف ومجلات عديدة .

وقدم الأستاذ حسني جرار دراسة عن ( الدكتور مأمون جرار شاعرا ) تحدث فيها عن محورين أولهما شعره في نكبة فلسطين والقضية الفلسطينية، والثاني شعره الإسلامي والاجتماعي . وقال إن الدكتور مأمون جرار هو أحد الوجوه الفكرية والأدبية في الساحة الأردنية والساحة العربية ، امتاز شعره بالرقة والصفاء وصدق الإحساس ، نسج أكثره على منوال النظم العمودي الأصيل ولكنه تأثر بالشعر الحديث ونسج على منواله ملتزما بالتفعيلة . وقال إن شعره انبثق من واقع الحياة التي يعيشها ومن مأساة الأمة في فلسطين ، فدافع عن قضايا أمته ، وساهم بشعره في كثير من المناسبات ، وحمل آلام أمته وآمالها ، وتطلع إلى تحرير أوطانها ورفعة شأنها ؛ فجاء شعره تعبيرا عن خلجات نفسه وتصويرا لومضات مشاعره .

وقد طرق معظم أغراض الشعر ونظم في مجالات متعددة في الدعوة وفي نكبة بيت المقدس وفلسطين وفي الجهاد والاستشهاد والرثاء وذكر الموت والوصف ، وهو في جميع أشعاره ينبض بروح إسلامية وحس وطني صادق .

وذكر الأستاذ حسني جرار أن للدكتور مأمون رأيا في الشعر ينطلق من منظور إسلامي ، فالشعر عنده رسالة وليس زخرف قول أو زينة كلام ، بل هو رسالة يريد إيصالها للمتلقين ، وهو يرى أن الشعر العربي الأصيل هو الشعر العمودي المنظوم ، أما الشعر الحر فهو لون مستحدث من ألوان الشعر العربي يناسب إيقاع العصر الحديث وطبيعته ، وإن كان يعتقد أن البقاء للشعر العمودي الموزون الذي عرفه العرب قديما .

وقد استشهد بعدة مختارات من شعره الوطني والإسلامي الملتزم وشعره في الجهاد والاستشهاد أعادت إلى ذاكرة الحاضرين كثيرا من الأمسيات الشعرية التي تغنى فيها الدكتور جرار بقيم الحب والتعلق والوفاء والانتماء لدينه وأمته ووطنه.

ثم قدم الدكتور مصطفـى عليان أستاذ النقـد الأدبي في الجامعة الهاشمية دراسة أدبية نقدية عن الدكتور مأمون جرار ( أديبا ومؤرخا وكاتب تراجم إسلامية وأدبية ) . وذكر أن المتأمل في أعمال الدكتور مأمون جرار الأدبية في مجال كتابة السير والتراجم يلمح صفتين أصيلتين أولاهما صفة التأصيل للحاضر بالماضي ، والثانية صفة الاجتهاد في حماية هذا التأصيل ومقاومة التغريب .

وقرر الدكتور مصطفى عليان في مقارنة أجراها بين كتابة الدكتور جرار وكتابة أستاذه الدكتور عبد الرحمن رأفـت الباشا في مجال سير السلف الصالحين ؛ قرر أن هناك تميزا في كتابة الدكتور جرار يظهر في الجدة والمغايرة في العنوان ومنهج الاختيار وطريقة التناول . وقال إن المغايرة في العنوان تظهر في نقطتين أولاهما اتباع المواقف للصور ، والثانية إبدال الصالحين بالصحابة والتابعين ، إذ عنون الدكتور ( جرار ) لسلسلته ب (صور ومواقف من حياة الصالحين ) أما عنوان سلسلة الدكتور الباشا فكان ( مواقف وصور من حياة الصحابة والتابعين ) .

وعلل التميز في هذه المغايرة بأن في إرداف الصور بالمواقف إشعارا بحقلين مختلفين دلاليا وفنيا ؛ إذ الصورة بناء خارجي يظل جاريا في إطار الصورة المشهدية الفوتوغرافية التي تنقل أبعاد البنية السطحية أكثر من نقل البنية المعمقة ، والموقف يتداخل مع الصورة في ذلك غير أن له ارتباطا بالقص والسرد ؛ فهو أكثر عمقا ، فالقصـة القصيـرة في أبسط تعريف لها هي موقف من الآخر . وأما فـي إبدال الصالحيـن بالصحابة والتابعين فهنـاك انفتاح دلالي يتجاوز الزمن المقيـد في خيرية القرون الثلاثة ليشمل أزمانا عديدة وقرونا مديدة .

ويرى الدكتور مصطفى عليان أن منهج الدكتور مأمون بدا مميزا في الظاهر أحيانا حين جمع في بعض الأجزاء أعدادا من الصالحين في قران ، فالخلفاء الراشدون معا ، والعشرة المبشرون بالجنة معا ، وأصحاب المذاهب الأربعة معا .

ويؤكد الدكتور عليان أن منهج التناول وتقديم الصور والمواقف في النقل والعرض والسرد يظل متباينا بين ( التلميذ وشيخه ) ، واستشهد بتناول كل منهما لقصة أبي عبيدة حين قتل أباه في غزوة بدر ، وقال : " إن الفرق في تشكيل الموقف والصورة في خبر أبي عبيدة واضح بين جرار والباشا . فكان سرديا خارجيا عند الأول وسرديا استبطانيا عند الثاني . واعتمد تحريك الحدث عند الباشا على الفعل الماضي بينما اعتمد عند الدكتور جرار على المحاورة .

وقد شكل الدكتور جرار الموقف تشكيلا مكانيا بالتنظيم والتنسيق في فقرات وجمل استخدمت استخداما جماليا افتقده نص الدكتور الباشا الذي كانت لغته انتقائية موجزة مركزة .

أما تشكيل الصور وبناء المواقف عند ( جرار ) فيجري في نسق يتداخل فيه فنان اثنان فن التراجم والسير وفن السرد والقص . وقد تجاوز الدكتور جرار في التراجم والسير الإخبارية إلى الأدبية حين عمد إلى لافتات محورية مفصلية جعلها عتبات يدخل منها إلى التشكيل والبناء . وجاءت هذه الصور والمواقف محررة عند الدكتور ( جرار ) من الزمان غالبا ، كما ظهرت صفة الشعرية في لغة السرد .

ويرى الدكتور عليان أن مطالب النقل التاريخي في السير والتراجم من الأمانة العلمية والتوثيق متحققة عند الدكتور ( جرار ) ، وأن منهجه في عرض التراجم والسير يتصف بالاستيعاب . وأن فن القص في هذه الصور والمواقف قد جسد سردا وبلور إبداعا ورسم لوحات مشهدية وبنى مواقف حركية تقوم الصور في بنائها على إيقاع سريع ، إذ حادت عن التطويل والتصقت بالإيجاز والتكثيف قصدا إلى أن تظل مركوزة في وعي المتلقي بفاعلية وحيوية ، وتوفر فيها الإمتاع والإدهاش والمفاجأة التي هي من أدوات القص الفاعلة .

وبعد ذلك توالت شهادات عدد من الأعضاء والضيوف من زملاء الدكتور مأمون جرار وأصدقائه ومحبـيه ، وقام الدكتور عودة أبو عودة رئيس مكتب الرابطة بتقديم درع الرابطة هدية للدكتور مأمون جرار الذي ختم الأمسية بكلمة شكر فيها الجميع على حفاوتهم وتكريمهم