المرحوم الأخ السيد الحسين مجاهدي شبل من أسد كان نبراسا في فضاء النبراس وفي كل فضاء يحل به

محمد شركي

إنه  حقا عام الحزن  هذا الذي ودعنا فيه إخوة أعزاء من أهل الفضل والصلاح والرباط لأجل إعلاء كلمة الله عز وجل كل من موقعه حيث شاء له المولى عز وجل أن يرابط صابرا محتسبا . وآخر من نعاه لنا الناعي الأخ العزيز الفاضل السيد الحسين مجاهدي الذي تلزمني أخوته الغالية بكلمة تأبينية لا أظنني أوفيه فيها ما يستحق من ثناء عليه لكبير فضله وجميل سعيه في سبيل الله وابتغاء مرضاته  نقول فيه هذا ولا نزكيه على الله تعالى .

لقد كانت معرفتي به عن طريق معرفتي بوالده الحافظ لكتاب الله تغمده الله بواسع رحمته الذي كان من المرابطين بمسجد مولاي يوسف بمدينة وجدة والمواظبين على تلاوة الحزبين الراتبين به . وكان السيد مجاهدي الأب رحمة الله عليه محبا للذكر الحكيم عاشقا له ، وقد ندب نفسه مع مجموعة المرحوم السيد محمد الرحماني رحم الله منهم من لقي ربه ،وأمد في عمر من لا زال حيا  ومتعه بصحته لضبط المصاحف التي كانت في حاجة إلى مراجعة مواضع الوقف، وتزويد مختلف المساجد بها، وهي إن شاء الله تعالى صدقات جارية لا ينقطع أجرها عند الله عز وجل  . ولقد كان والد المرحوم الأخ الحسين مولعا بالعلم والمعرفة مواظبا على دروس الوعظ التي تلقى بمسجد مولاي يوسف ،فضلا عن ملازمته لخطب الجمعة التي تلقى به . وكان إذا أنهى واعظ وعظه  أو خطيب خطبته بادر بالسلام عليه، وكان موقعه في المسجد الصف الأول  على الدوام ، وغالبا ما كان يسأل عن بعض ما يسمع ويستزيد منه  .

 وأذكر كيف كان يستقبلني بوجه طلق وابتسامة عريضة، وهي ميزة ورثها عنه الأخ الحسين رحمه الله كلما أنهيت درسا من الدروس الرمضانية أو خطبة جمعة كنت أنوب فيها عن الأستاذ بنعيسى قماد أثناء غيابه  يوم كان يلقي خطبه بمسجد مولاي يوسف ويسألني بل يناقشنا بعض ما سمع مني مداعبا ،وقد يفيدني ببعض ما لم يكن في علمي  ،ومن ذلك أذكر أنه نبهني إلى فعل خنز ـ بفتح فائه وكسر نونه ـ  في اللسان العربي الفصيح ، وكنت أظنه عاميا فإذا به يسرد  علي الحديث الشريف : " لولا بنو إسرائيل لم يخنزاللحم " ومعلوم أن هذا الحديث  فيه إشارة إلى أن الله عز وجل كان قد أنعم على بني إسرائيل بلحم السلوى ليصيبوا منه ما يكفيهم  كل يوم إلا أنهم أخذوا يدخرون منه، فكان يخنز أي ينتن . ومضى المرحوم  بعد يفصل في شرح الحديث متوسعا  في معاني هذا الفعل الوارد  أصله في الفصحى قبل أن ينتقل  إلى عاميتنا ،  فذكر أن الكبر ـ بكسر الكاف وتسكين الباء ـ يسمى  الخاء الخنزوان أو الخنزوانة ـ بضم الخاء ـ ، وإذا ما فتحت  يطلق على القرد أو الخنزير . وكانت له صولات وجولات في الأحاديث الطريفة والمشوقة رحمة الله عليه . ومن هذا الأسد جاء الشبل الأخ الحسين الذي ورث عن أبيه رحمة الله عليهما دماثة الخلق، وبشاشة المحيا ،وخفة الظل، وحسن السمت، وجميل الصحبة والألفة .

لقد عرفت الأخ الحسين محبا لدين الله عز وجل، متفانيا في ذلك ،وعاشقا لأرض الإسراء والمعراج ولمسجدها الأقصى ولأهلها الأخيار كلما نظمت جمعية النبراس الثقافية نشاطا أو مهرجانا داعما للقضية الفلسطينية ، وكان الأخ الحسين مثار إعجاب الحاضرين بحسن تنشيطه للمهرجانات ، وكان مشهورا بجهورية  عقيرته يرفعها بالتكبير أثناء اللحظات الحماسية، فيحذو حذوه الحاضرون ، وكان خبيرا  باختيار الشعارات المناسبة في اللحظات والمواقف المناسبة  ، وعنه كان الحاضرون يتعلمونها  بترديدها بعده .

ولقد كان رحمة الله عليه صاحب ذوق رفيع في تذوق الشعر حيث كان يبادر بتنبيه الحاضرين في الأمسيات الشعرية إلى أجمل وأهم ما في القصائد التي تلقى إما بالتكبير بصوته الجهوي أو بتصفيقه الحار، فيضج الفضاء خلفه بالتكبير والتصفيق، وكان قائد الحضور في تذوق الشعر رحمة الله عليه ، وكان بذلك  نبراسا في فضاء النبراس .

وفضلا عن تميزه في التنشيط والتثقيف مع الحضور الدائم والعطاء غير المنقطع، كان رحمة الله عليه رحيم القلب يرق  لكل ذي حاجة أو غبن ، وكان لا يتردد طرفة عين في التدخل إذا ما استرعى انتباهه من هو في حاجة إلى عون أو مساعدة  بمبادرة منه قبل أن يعبر ذو الحاجة عن حاجته . ولقد كان  مخلصا في أداء وظيفته متفانيا في ذلك، وله إلى جانب أداء الواجب نوافل يحمده الناس عليها حمدا، ويذكرونه بها ذكرا حسانا .

وعهدي به آخر مرة في مقر عمله عند البوابة، وقد كان يضع كمامته بسبب ظرف الجائحة رفعها الله عنا ، فلم أتعرف عليه حتى بادرني بالسلام والعناق ، وسألته عن صحته ،وبعد حمد الله تعالى أخبرني أنه قد عانى من وعكة صحية كانت آثارها بادية عليه ثم بادرني بالسؤال عن حاجتي ليقضيها كعادته في التطوع لتقديم العون والنصح  ثم وقف خلف من كانوا مصطفين في طابور يستفسرون عن سبب زيارتهم قبل السماح لهم بدخول الإدارة وكأنه مجرد زائر ، ولم يطلب منهم أن يفسحوا له الطريق إلى عمله  بتواضعه المعهود  فيه . وما كاد يدخل حتى بارد زملاءه بالتحية وبالرد عليها ، وشرع في سؤال من لقيهم عن حاجاتهم دالا وناصحا ، وكان آخر عهدي به تحية حياني بها من خلف نافذة إدارته على أمل لقاء شاء الله تعالى ألا يكون ، وأن ينعاه لي الناعي على صفحة موقع وجدة سيتي . هذا ما حضرني الساعة وللأخ المرحوم خلال  ومناقب يعرفها غيري عنه ممن كان لهم به صلة وقد ذكر بعض  منها في تأبين منشور على موقع وجدة سيتي الرقمي ، جزى الله كل خير من أبّنه  أو شارك في تأبينه.  

فرحمة المولى جل وعلا الواسعة عليه وعلى المرحوم والده ، و أسأله سبحانه وتعالى لهما عفوه الجمل ، و فردوسا في جنته التي عرضها السماوات والأرض  ، وجوار نبيه الكريم و قد كانا من عشاقه ، وشربة هنيئة مريئة من حوضه بيده الشريفة ، وروحا وريحانا  في مقام محمود . وأسأله تعالى أن يعظم أجر أهله وذويه في مصابهم الجلل ، وكل معارفه ، ويفرغ عليهم صبرا ، ورحم الله تعالى كل من شهد له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .