الشاعر الإنجليزي الفريد لورد تنيسون ( 1809 _ 1892 )

حماد صبح

كان من السهل في مطلع القرن العشرين أن تثير ضحك جمع من الأذكياء بأن تنشد بصوت عالٍ إحدى قصائد تنيسون مثل قصيدة " زهرة في الجدار الصديع " ؛ فقد يضيف صوت جهوري عال تأثيرا ما إلى القصيدة إلا أنه يظل تأثيرا غير أساسي ؛ لأن الجمع سيضحك لا لأن القصيدة كانت رديئة وإنما ببساطة  لأنها كانت لتنيسون . ولصامويل بتلر الذي توقع نوعية أذواق الناس في مطلع القرن العشرين مداخلة متميزة في كتابه " كراسات " يقول فيها : " أجمعنا بعد أن ناقشنا الأمر باستفاضة أن بليك لم يكن جيدا لتعلمه الإيطالية في الستين من عمره ليقرأ شعر دانتي ، وعرفنا أن دانتي لم يكن جيدا ؛ لأنه كان مغرما بفرجيل ، وأن فيرجيل لم يكن جيدا ؛ لأن تنيسون تفوق عليه ، أما تنيسون ؟! حسنا ! دعنا منه ! " . وكان من المهم أن يتوجه استنكار الشعراء الإدوارديين والجورجيين شبه الهائج لسابقيهم من الشعراء الفيكتوريين في أكثر ضرره إلى تنيسون المسمى الناطق باسم العصر الفيكتوري ؛ الشاعر الذي كانت دواوينه تقريبا على أرفف كتب كل أسرة في إنجلترا والولايات المتحدة من 1850 فطالعا . ومثلما قال توماس هاردي حزينا في قصيدته  " قديم إلى قديم " : " أيها السادة ! تحطم سقف الكوخ الذي شيدناه لتنيسون ، وقطرات المطر تتساقط على مقاعده المرتخية ،وصدئت مساميره ، ولا تقيم فيه إلا العنكبوت " . وكانت منعاة هاردي متقدمة على أوانها ؛ لأن كوخ تنيسون أعيد بناؤه ليدوم زمنا طويلا ، وصغر حجمه الكبير بحكمة إلا أن أجود قصائده تستقر الآن على أسس من التقييم النقدي الأكثر متانة . وحين نسمع بتلك القصائد مثل " عوليس " ، و " دموع ، دموع كسلى " قد نتعجب من فساد الذوق الذي دعا النقاد السابقين لرفض المتعة الموجودة في شعر " سيد اللغة " مثلما يسمي تنيسون نفسُه سلفه الأثير لديه فيرجيل .وربما يرد الإدوارديون بأنهم قرؤوا لتنيسون قصائد أخرى سوى " عوليس " ، وتربوا على الإعجاب بقصائد عاطفية له مثل " ملكة الربيع " ، وعلى أناشيده الشعبية الريفية ، وقصائده الصحفية ، ولهم الحق في ردهم هذا ؛ لأن تنيسون كان بالتأكيد أهلا للانتقاد في تلك القصائد ، وحبته قصيدته " إينوتش أردن " اللقب الذي تاق إليه الشاعر الأميركي والت ويتمان ، لقب " شاعر الشعب " إلا أن شهرته الأبقى ، مثلما تنبأ تشرتون كولينز في 1891 أن يكون " شاعر المثقفين " ، وبعد ذلك التنبؤ بسنة تنبأ تنيسون نفسه تنبؤا محكما بمنزلته المستقبلية في قصيدته " شعراء ونقاد " التي يقول فيها : " ما هو حق سيثبت في النهاية . 

ستنظر إليك  في البداية قلةٌ نظرة حسنة ، 

وبعض من صغار القيمة سيرونك لامعا ، 

وبعض كبار القيمة ،ودون عيب فيك ، 

سيرونك مثلما ترى نفسك ، ويفعلون ما تريد " . 

 وأعيد في القرن العشرين تقييم حياة تنيسون وشخصيته مثلما أعيد تقييم شعره ؛ إذ بدا في نظر كثيرين من مجايليه ساحرا لا يشق له غبار ، وآمنا في ثياب شاعر القصر الملكي ، ورجلا نالت حياته حظها من الحماية والأمان ، ولم يفسدها سوى فقده أعز أصدقائه في شبابه . وربما كان تنيسون على مدى أكثر حياته المهنية شخصا منعزلا إلا أن حياته لم تكن محمية مأمونة بالمعنى الحق للكلمة ، وهو وإن كان تنشأ في بيت قس إلا أن تنشئته لم تكن من صنف التنشئة التي نلقاها في روايات جين أوستن ، وكان في وسع عائلته أن توفر مواد حدثية لإحدى روايات  وليم فوكنر عن الجنوب الأميركي . كانت عائلة تهيمن عليها المشاحنات وتباين الولاءات والنزاعات على ميراث الأجداد التي أفضت إلى ظهور أعراض الاضطراب وغرابة السلوك على أبنائها . 

                                      *** 

كان ألفريد الابن الرابع في أسرة لها من الأبناء اثنا عشر ، وأودع أحد إخوانه مدى حياته في مصحة للمخابيل ، وكان أخ آخر ضحية مزمنة لتعاطي الأفيون ، وثالث كان يشاجر والده شجارات عنيفة ، وصار سكيرا مدمنا في ما بعد . وكان الأب الدكتور الموقر جورج تنيسون الابن الأكبر لمالك أرض ثري ، وأجبر على الصيرورة رجل دين ، وهي مهنة مقتها ؛ لأنها حرمته من الميراث لمصلحة أخيه الأصغر ؛ لذا استقر في بيت قس صغير في قرية سومرسباي في منطقة لينكولن شاير حيث علم أبناءه اللغات القديمة والحديثة تمهيدا لالتحاقهم بالجامعة . وكان ألفريد قبل أن يفارق هذه الأسرة الغريبة إلى جامعة كامبريدج  قد أظهر ميلا مبكرا لكتابة الشعر ، وقام بمرانات مبكرة على مثال أساليب ميلتون أو بايرون أو مسرحيي العصر الفيكتوري ، بل نشر ديوانا في 1827 مع أخيه تشارلز باسم " قصائد أخوين " ، وجذب إليه الديوان اهتمام عصبة من طلاب جامعة كامبريدج الموهوبين الذين كانوا يسمون " الرسل " ، والذين شجعوه على إخلاص حياته للشعر . ولم يكن حتى ذلك الحين تعرف على أحد خارج دائرة أسرته . وكان شديد الخجل رغم ضخامة جسده وقوته البدنية .وأعانته الصداقات التي وجدها في كامبريدج ، والمناقشات الثقافية والسياسية التي شارك فيها على الشعور بالثقة في نفسه ،وتوسيع أفقه الشعري . وكان أهم هذه الصداقات مع آرثر هالام زعيم عصبة " الرسل " الذي صار بعدئذ خطيبا لأخت تنيسون ، وكان موته المباغت في 1833 مأساة هائلة لتنيسون . وكثير من قصائده ، وليس مرثاته المطولة " في الذكرى " ، هي ثناء على هذه الصداقة المبكرة . وكانت دراسة ألفريد في الجامعة متقطعة حتى انقطعت في النهاية في 1831 لخلافات أسرته من ناحية ولحاجته للمال من ناحية ثانية ،وعاد إلى البيت لدراسة الشعر ومراس صنعته . وهاجم بعض الناقدين ديوانيه اللذين صدرا في 1830 ، و 1832 لما فيهما من " إبهام " أو " تكلف " ، وقاسى مقاساة شديدة من النقد العدائي إلا أنه انتفع منه أيضا . وأبان ديوانه الذي صدر في 1842 تقدما واضحا في الذوق الشعري والروعة الفنية ، وكسب أخيرا في 1850 الشهرة ، والإقرار النقدي التام بشاعريته التي تجلت في ديوانه " في الذكرى " ، وأضحى في ذات العام شاعر  القصر الملكي خلفا للشاعر وردزورث . وزاد من ألم الكفاح في السنين العشرين الماضية من حياته التأجيلُ الطويل لزواجه من إميلي سِلوود التي هويها في 1836 ، ولم يتزوجها لفقره إلا في 1850، فأضحت حياته عقب ذلك مريحة ، ونال شعبية بايرون ، ودامت شهرته أطول من شهرة بايرون . ومكنته عوائد شعره المالية التي تجاوزت أحيانا 10 آلاف جنية إسترليني في السنة من شراء منزل في الريف والاستمتاع بالعزلة التي عشقها . وعزز مظهره المبهرج من قبح سمعته على مثال المسرحي جورج برنارد شو والشاعر والت ويتمان ، وأثر في الجميع بضخامته وشعره الأشعث في عباءته وقبعته العريضة الحافة وصوته الأجش الفظ مثل صوت  فلاح  ، فنظروا إليه بحسبانه " شخصية " . وكان مجهور الصوت حين يقرأ شعره ، فيكون تأثيره في السامعين كهربيا مثل صوت توماس ديلان الذي كان يكهرب الجماهير في القرن العشرين . وما كان لشيء أن يفوق  ضخامة حرفي الألف والواو عنده أو يفوق صوته العميق المنبعث من صدره . وفوق ذلك هو لم يكن في رأي قراء فيكتوريين كثيرين صائغا شعريا عظيما وشخصا أخاذا وكفى ، بل حكيما عبرت آراؤه في السياسة أو الشئون العالمية التي كان يبديها بين وقت وآخر ؛ عن صوت الأمة ذاته . وقبل في 1884 رتبة نبيل ، وتوفي في 1892 ، ودفن في مضرحة كنيسة ويستمنستر . وكثيرا ما قيل إن ذلك النجاح كان شرا على تنيسون ، وإن طاقته الشعرية تدهورت تدهورا خطيرا بعد ديوانه " في الذكرى " . أما أن شيئا من التكلف برز في شعره في سنيه الاثنتين والأربعين الأخيرة فهذه حقيقة . ومن المصاعب التي اعترضت شعره المرسل الفخم ، مثلما قال هو نفسه ، صعوبة وصف الأشياء العادية المبتذلة و " المحافظة في ذات الوقت على السمو الشعري " . وأفضى به أحيانا التنميق في أسلوبه بأخرة من حياته إلى أخطاء فاضحة .          

وفي قصائده المتأخرة التي تتناول القضايا الوطنية يوجد أيضا ارتفاع في النغمة الشعرية ، وهو تكلف أوجده عنده إدراكه بأنه مثل الروائي ديكنز له جمهور عريض  يؤيد ذلك الارتفاع . على أنه من السفه أن نهمل كل إنتاج تنيسون الشعري المتأخر ، فقد نشر في 1855 حواره الذاتي التجريبي " مود " الذي قد يكون أروع قصيدة مطولة له . ونشر في 1859 أربعة دواوين من " أغاني الملك " ،وهي ملحمة ضخمة استغرقت أغلب طاقته الشعرية في نصف حياته الثاني . وثمة اتفاق قليل في الرأي حول هذه القصيدة المتأخرة التي استوعبت اثني عشر كتابا في 1888 . وبعض القراء يراها عملا شعريا لطيفا ، محض " قطعة كراميل في طرف عود " إلا أن " أغاني الملك " ليست محض ترنيمة للتقدم . إنها تصف بدلا من ذلك دورة الانتقال من مجتمع انبثق من الخراب إلى الحضارة إلا أنه قد يعود ثانية إلى الخراب . وعلى أي حال ، وحتى لو كانت هذه الملحمة لا تبين تنيسون في أحسن أحواله فما من علامة فيها على تدهوره في أغانيه المتأخرة ، فالشاعر الذي بلغ الثمانين يومئذ ، والذي كتب " عبور الحاجز " لم يفقد بالتأكيد لمسته السحرية . والحقيقة أن مشكلة تطور تنيسون الشعري أكثر أهمية في الفترة السالفة على 1850 مما هي بعدها . قال و . ه . أودن أنه ربما كان لتنيسون : " أحسن أذن موسيقية من أي شاعر إنجليزي آخر " ، والمثير أن تنيسون لم تكن له هذه الأذن خِلقةً ، بل نماها تنمية . وتبين دراسات النصوص الأصلية لقصائده في ديواني 1830 و 1832 أنه لم يكن ذوقه الشعري هو وحده غير الموثوق فيه في مستهل حياته الشعرية ، بل حسه بالوزن الشعري أيضا ، وأن علم الأصوات الموسيقية الذي كان يتوجب عليه أن يلم به منذ 1844 فطالعا كان لا بد له من الإلمام به مثل عازف عود ضعيف اليد اليسرى ، ويتوجب عليه أن يقهر ضعفه بالمران الموصول على العزف . ودرس تنيسون ، مثلما درس قبله الشعراء تشوسر أو كيتس أو بوب ، دراسة مجتهد الشعراءَ الذين سبقوه لتصويب أسلوبه الفني . وكل من يرغب في أن يتعلم الصنعة التقليدية للشعر الإنجليزي في وسعه أن يفيد من دراسة المراحل المختلفة لتنقيح بعض قصائد تنيسون مثل تنقيح قصيدة " آكلو اللوتس " الذي قام به ذلك الشاعر المجتهد الصَناع . وإذا كان تنيسون في بدايته لا يحسن الوزن الشعري فإنه كان صاحب براعات أخرى سرعان ما برزت ، إحداها القدرة على الربط بين المشاهد الطبيعة وحالات الذهن . وشخص ج . س . ميل في بداية 1835 وجود ضرب خاص من رسم المشهد في قصائد مبكرة لتنيسون مثل قصيدة " ماريانا " قال عنه إنه " ليس القدرة على إنتاج تلك الضروب التافهة المبتذلة من الكتابة التي تميز عادةً شعر الوصف ، وإنما هي القدرة على ابتداع المشاهد الطبيعية بحالة من الشعور الإنساني الملائم لها كثيرا حتى ليصبح تجسيدا رمزيا لها ،ومستدعيا ذلك الشعور نفسه استدعاء قويا لا يفوقه سوى الواقع " . وناحية ثانية في تطور تنيسون المبكر هي انشغاله المتضاعف بمشكلات عصره . وإذا كان ج . س . ميل أطرى قدرته على تصوير مشاهد الطبيعة فإنه حفزه أيضا في مجلته على " العناية بالفلسفة عناية لا هوادة فيها إلى جانب الشعر " ، وكان تنيسون مهيأ من قبل للأخذ بهذه النصيحة . فموت صديقه هالام ، والشكوك الدينية التي عاشها شخصيا إضافة لدراسته الواسعة لكتابات علماء الأرض وعلماء الفلك وعلماء الأحياء قادته إلى مجابهة كثير من القضايا الدينية التي حيرت جيله والأجيال اللاحقة له ، وكانت النتيجة " في الذكرى " في 1850 ، وهي مرثية مطولة كتبها في ما يزيد على سبعة عشر عاما ، وجسد فيها تأملات شاعر في علاقة الإنسان بالله _ تعالى _ والطبيعة . والسؤال : هل كان تنيسون مهيأ عقليا لمعالجة تلك المشكلات التي أثارها في " في الذكرى " ؟! لعل الجواب يعتمد على فرضيات القارىء الدينية والفلسفية المسبقة . بعضهم ، مثل ت . ه . هكسلي ، عد تنيسون مثقفا عظيما ، ومفكرا امتلك ناصية الفكر العلمي في عصره ، وجابه المشكلات المثارة فيه مجابهة كاملة . ووصف آخرون تنيسون في زمنه بخفيف الوزن ، وذهب أودن إلى حد نعته ب " أغبى " الشعراء  الإنجليز . ونقول نحن في دقة أكبر إن عقله كان وئيدا ، متفكرا ، ومتأملا ، وينبغي أن نضيف أن تلك الخصائص في ما يتصل بتأليف " في الذكرى " كانت رصيدا لا عوائق . وبهذه المصطلحات نستطيع أن نفهم إخفاق شعر تنيسون إخفاقا حقيقيا في أن يكون أحيانا مناسبا . ويحدث هذا الإخفاق حين يكتب عن أحداث اللحظة التي لم يتح وقت كاف لأفكاره ومشاعره لتأملها مليا .فكثير من قصائده مقطوعات صحفية في جوهرها . هي رسائل إلى المحرر خاصة في حرارتها السريعة الزوال وبساطتها التي ننتظرها من هذا الضرب من الإنتاج الشعري . وقصيدة " هجوم اللواء السريع " التي استلهمها من تقرير في صحيفة " التايمز " عن هجوم سلاح الفرسان في بالاكلافا في حرب القرم ؛ واحدة من أحسن كتاباته في هذا الضرب من الشعر ، وإهداؤه " أغاني الملك " إلى الأمير ألبرت ينتمي لهذا الضرب من شعر المناسبات العابرة .  وكان محتما أن تنال قصائد تنيسون التي تعالج أحداث عصره شعبية بين الناس ،ومثلها أيضا القصائد التي تحدث فيها عن المستقبل مثل قصيدة " قاعة لوكزلي " ، فقد خلبت لبه التغيرات التكنولوجية التي أحدثها مخترعو العصر الفيكتوري ومهندسوه ، وأحيانا  طمأنوه على التقدم البشري مثلما فعل ماكولي ذو الخيلاء والشعور بالمجد ، وأحيانا دمرت أهوال التصنيع الجانبية في أحياء الفقراء ، وسفك الدماء في الحرب ، وجشع الأثرياء المحدثين ؛ آماله في أن الإنسان يمضي صعدا نحو عالم أحسن ، ومن ثم تجسد قصيدة له متأخرة هي " الفجر" موقفا وجده في شعر فرجيل صفوته : " ماجد أنت في أساك على مصير البشر المشكوك فيه " ؛ ذلك أن تنيسون رغم افتتانه بالتطورات التكنولوجية كان في لُبابه شاعرا ريفيا ، إنسانا صاغت إيقاعات الحياة الريفية المتكررة كل شخصيته أكثر مما صاغتها الحياة الحضرية . كان له وعي الريفي بالجذور الموروثة ، ووعي الريفي بالماضي . ومن اللائق أن نرى أن جمهرة قصائده الجيدة عن الماضي ، وليس الحاضر أو المستقبل . فالماضي هو موضوعه الكبير ، ماضيه الخاص مثلما تعبر عنه قصيدة " كل شيء على جانب الوادي " ، وماضي وطنه مثلما تعبر عنه قصيدة " الانتقام " ، وماضي البشر ، وماضي العالم ذاته .  

يقول : " تدوي الأصوات العميقة حيث 

كانت الشجرة يوما . 

أيتها الأرض ! أي تغيرات أصابتك ؟! 

حيث كان سكون البحر الأوسط 

يرتفع الصخب في الشارع الطويل " . 

وتنيسون أول كاتب كبير يعبر عن الوعي بالمدى الرحب للزمن الجيولوجي الذي خايل وعي الإنسان منذ أن كشف علماء العصر الفيكتوري تاريخ قشرة الأرض إلا أن ما يلهمه عادة هو ماضي البشرية المدون خاصة الماضي الكلاسيكي ، فالموضوعات الكلاسيكية ، مثلما لاحظ دوجلاس بوش : " إجمالا أقصت من ذهنه ما كان جبانا ومحدودا وعاطفيا ، وحركت مواهبه الذاتية  ، وأكثر مشاعره أصالة ، وإحساسه الحزين بالماضي ، وحبه للطبيعة ، وقوة أسلوبه " . 

ونعود ختاما إلى قضية اللغة . اشتكى ناقد عند موت تنيسون من أنه كان محض " مكتشف للألفاظ لا للأفكار " ، وهو نفس ما اشتكاه جورج برنارد شو وآخرون لا من تنيسون ، بل من شكسبير .  

                               *** 

*من قصيدة " سيدة شالوت " : 

" تترامى على ضفتي النهر حقول الشعير والجودار  

التي تكسو السهول ، 

وتلامس الأفق . 

وينساب فيها الطريق  

مجتازا مدينة كاميلوت ( مدينة أسطورية بني فيها قصر الملك آرثر )  

الكثيرة البروج . 

ويمضي الناس في الطريق غادين رائحين  

يحدقون في السوسن المزهر " . 

*عن " مقتطفات نورتون المختارة من الأدب الإنجليزي " .