الشعوب والمجتمعات العربية مأزومة حتى الاختناق

زهير سالم*

الشعوب والمجتمعات العربية مأزومة حتى الاختناق،

ولكن هل الحكام العرب يتحركون في فراغ؟؟؟

هل الحكام العرب يفكرون في فراغ، ويقررون في فراغ، ويتحركون في فراغ..؟؟

وهذه محاولة للفهم وليست مرافعة للدفاع عن أحد، حتى لا يسبقني المستعجلون ..

وأكبر هوّة تفصل بين الحاكم العربي وشعبه، وأطرح الكلام بأفق عام ، هي اختلاف الأولويات ..

وأولوية الشعوب العربية إن جاز لي أن اختصرها ، هي أولا في العيش في ظل نسق مثالي قيمي ما يزال يتمسك به عموم في فضائهم الفردي والجماعي، ثم في مستوى مقبول من العيش الكريم ، وفي الأول والثاني تتفاوت مطالب الأفراد والجماعات، ولكن هاتين الأولويتين، ما تزالان تستغرقان في أوطاننا حياة الأكثرين.

وكل الهجمة المادية وعلى كل الصعد لم تستطع أن تقنع الإنسان العربي بشكل عام بحياة خارج إطار القيم والمثل. وعنوان " يصطفلو " لم يصبح في مجتمعاتنا العربية جميعا " منهج حياة "

تلك أولويات المجتمعات بينما الأولوية الأولى للحاكم العربي هي الحفاظ على " وجوده - بقائه - استدامة سلطته " مسميات كلها لمسمى واحد ، ونعبر عنها بأساليبنا المختلفة.

وتتقدم أهمية هذه الأولوية عند الحاكم العربي ، كلما كانت شرعية وجوده في الحكم أكثر هشاشة، وأكثر إثارة للقلق ؛ كما يحدث في دول قامت أنظمتها على الانقلابات العسكرية، كما في سورية البعث والأسد وغيرها ..

ويتعلم " الحاكم العربي " منذ اليوم الأول لوصوله للسلطة أن أولويته الأولى " البقاء في السلطة " مرهونة برضا آخرين، غير الناس الذين يحكمهم، وبالتالي يبدأ في الحصول على " دورات خاصة " في طرق إرضاء هؤلاء الآخرين ، مجاراتهم، تجنب غضبهم، الحلب في إنائهم، وكذا تملقهم ومداهنتهم ووتوسطهم والتوسط لديهم إلى آخر ما نعرفه في حياتنا الفردية من طرق الوصوليين والانتهازيين والمصلحجيين ...

وكل ذلك يتم على حساب أمرين :

الأول مصلحة الشعب الذي يحكمه هذا الحاكم، وهذا يؤدي لإحداث فجوة بين الحاكم والشعب أو المجتمع ، وكلما ازدادت هذه الفجوة اتساعا، ازداد إحكام القبضة الأخرى على عنق الحاكم ، حتى لتقول إنه يتنفس من منخر واحد ..

والثاني على حساب قناعات الحاكم نفسه ..

فالحاكم العربي مهما قلنا عنه يبقى " إنسانا" له فكر وقلب ومشاعر ورؤية وتقدير للأمور ، ولكن عقد الطاعة الذي يفرض عليه " في المنشط والمكره " يشكل على الحقيقة أزمته الحقيقية، التي عنها نتحدث في هذا المقام!!

نحن كثيرا ما نردد :

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ..عدوا له ما من صداقته بد

وأظن أن الحاكم العربي يردد هذا صبحا وعشيا وبين الصلاتين ..

دخل الأمريكان العراق فدمروه، والحكام العرب صامتون، هل تساءلنا كم حاكم عربي رأى نفسه مكان صدام حسين معلق على الحبل في صبيحة يوم العيد ؟؟؟ وكم منهم طافت فوق وسادته الأحلام !! وقال لنفسه: انج سعد فقد هلك سُعيد ..!!

دخل الروس سورية محتلين، لم نسمع من أي حاكم عربي إنكارا أو احتجاجا أو إعراضا ، هل نظن أن هؤلاء الحكام العرب خلقوا من غير لحم ودم ، وهم ينظرون إلى دور روسي ولا يستطيعون حتى أن ينكروه ..؟!!

هي أزمة حقيقية يعيشها الحاكم العربي أزمة ذات ثلاث شعب، شعبة بقائه في سلطته، وشعبة انتمائه إلى ذاته وقومه ، وشعبة المتحكمين في قراره ، ولا يستطيع أن يقول لهم "لا .."

ولعل من أهم معالم الأزمة التي يعيشها الحاكم العربي بعد ذلك، أزمة الواقع المثخن الذي تعيشه شعوب هذه الأمة في أكثر أقطارها ...ربما تتبدى لدى البعض في ثوبها الاقتصادي والتنموي ، ولدى الآخرين في ثوبها الاجتماعي والفكري ...

لسنا هنا لنشير على الحاكم العربي ، فهو مكتف عن المستشارين،  ولكننا هنا لنفهم خلفية المشهد بأبعادها، لعل ذلك يعيننا على الدفع في طريق صحيح ...

وشر الرؤساء من كان عليه في رئاسته رئيس...

فكيف من كان عليه رئيس ورئيس وسابع حتى السبعين ...؟؟؟

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية