لماذا لم ترفع بعد الوزارة الوصية على الشأن الديني الحظر عن تلاوة الحزب الراتب بكرة وعشيا ؟

محمد شركي

لا زال الحظر مضروبا على تلاوة الحزب الراتب بكرة وعشيا في المساجد من طرف الوزارة الوصية على الشأن الديني في بلادنا  منذ حلول الجائحة، وذلك بالرغم من رفع الحظر عن أداء الصلوات الخمس فيها وفق الشروط المقررة والمتمثلة في الاحتياط عن طريق تباعد المصلين فيما بينهم مسافة معينة ، ووضعهم الكمامات ، وإحضارهم السجّاد .

ومع أن عدد من يحضرون تلاوة الحزبين الراتبين في المساجد لا يتجاوز عدد أصابع اليدين عادة  مقارنة مع عدد من يحضرون الصلوات الخمس ،فإن الحظر لا زال يشملهما ، الشيء الذي جعل الكثير من الناس يتساءلون عن سبب استمرار هذا الحظر علما بأن بعض المحسوبين على تيار ديني  متشدد استحسنوا هذا الحظر لأنهم أصلا يعتبرون تلاوة الحزبين الراتبين بدعة خلافا لما قرره الفقهاء المغاربة منذ عصور خلت على اعتبار أن تلاوتهما سنة حسنة لا يمكن وصفها بالبدعة لأنها لا تخالف قرآنا ولا حديثا ذلك أن الله عز وجل قد تعبد المؤمنين بتلاوة القرآن الكريم في قوله عز من قائل : (( فاقرءوا ما تيسر من القرآن )) بصيغة الأمر في الجمع " اقرءوا " وهو ما لا يمكن معه استبعاد تضمن الأمر الإلهي معنى طريقة القراءة الجماعية التي يؤكدها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده " ، والحديث أيضا فيه إخبار بالتلاوة في صيغة الجمع " يتلون " .

ولا اعتبار لقول قائل إن القراءة الجماعية لكتاب الله عز وجل لم تكن زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن حال تلقي الصحابة الكرام رضوان الله عليهم  القرآن الكريم  مشافهة عنه عليه الصلاة والسلام  اقتضت أن يتلوه عليهم وهم ينصتون . ومع انتهاء نزول الوحى وحفظهم عنه كما أنزل ، وانتقاله بالرواية من جيل إلى آخر اقتضى حفظه في الصدور  بعد ذلك  كما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صحابته ، وكما تلاه بعض الصحابة عليه كما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أن يشتغل المسلمون بتلاوته تحقيقا لإتقان حفظه . ومما يحقق هذا الإتقان ما اهتدى إليه العلماء المغاربة منذ قرون من قراءة جماعية تجمعهم عليه ويتوارثها جيل عن جيل ، وهي أفضل طريقة لاستظهاره  واسترجاعه عملا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : " تعاهدوا هذا القرآن ، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها "، وتعاهده إنما يكون بحفظه في الصدور ، وهو حفظ يكون بالاسترجاع والاستظهار بشكل متواصل يوميا ، وهو ما سنه العلماء المغاربة منذ قرون حيث اختاروا استظهاره جماعة بكرة وعشيا بعد استظهارهم له فرادى ، علما بأن انفلاته لدى جماعة تتلوه جماعيا منعدم، بينما لا يسلم الفرد الواحد من أن ينفلت منه ، وهو ما يعاين عادة حيث يقع من القارىء الواحد النسيان والسهو كما يحصل ذلك  في الصلوات الجهرية ، وفي صلاة التراويح بينما لا يمكن بتاتا أن يسجل مثل ذلك إذا ما تلته الجماعة، لأنه إذا نسي بعض من فيها أو سها تفطن البعض الآخر للسهو والنسيان . ولا يوجد في تدارس كتاب الله عز وجل كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من الاستظهار أو الاسترجاع  أولا عن طريق القراءة الجماعية التي تلزم القراء احترام قواعد قراءته كما ضبطها الحفاظ الثقاة ، وكما هي مرسومة في المصاحف المعتمدة .

وإذا ما أصر  البعض تعصبا وتشددا على اللجاج في كون القراءة الجماعية بدعة لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نقول لهم ما قولكم في جمع الفاروق رضي الله عنه المصلين في صلاة التراويح على قارىء واحد ، وهو ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما فعله ثلاث ليال كما جاء في كتب الصحاح  ؟ وقولكم ببدعية التلاوة الجماعية لكتاب الله عز وجل يلزمكم القول ببدعية ما فعل الفاروق وما ينبغي لكم  ذلك وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين باتباع سنة  الخلفاء الراشدين  من بعده . والذي فعله عمر رضي الله عنه هو منع لاختلاف الناس في تلاوة كتاب الله عز وجل وهم يقرءونه فرادى ، ولنفس السبب سن العلماء المغاربة تلاوة القرآن الكريم في غير صلاة  جماعة كي يتعلم تلاوته غير الحافظ  له من الحافظ .

ومعلوم أن الفرد حين يتلو كتاب الله عز وجل إن كان من حفاظه يقوم بتقويم ذاتي لحفظه وهو يتلوه مع جماعة ، وإن كان يتلوه من مصحف مع جماعة  ، فهو يتعلم التلاوة من حفاظه .

ولا شك أن استمرار الحظر على تلاوة الحزبين الراتبين مع رفعه عن الصلوات لا مبرر له  بل يخشى أن يكون ذلك سببا في وقوع ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم من انفلات كتاب الله عز وجل  من الصدور كما تنفلت  الإبل من عقلها . وإذا  كان حفاظ كتاب الله عز وجل لا يخشون انفلاته من صدورهم ، فإن طول عهدهم به ربما  جصل معه الانفلات . أما من كانوا يحضرون تلاوته الجماعية مع الحفاظ ، وهم يقرءون من المصاحب فإنهم لا يأمنون انفلات بعض ما حصلته صدورهم منه .

 وإذا ما بررت  الوزارة الوصية حظر تلاوة الحزبين  بالاحتراز من انتقال عدوى الجائحة  عبر استعمال المصاحف الموجودة في المساجد ، قلنا لها إن القلة القليلة التي دأبت على حضور تلك التلاوة يمكنها أن تحضر مصاحفها الخاصة بها تماما كما تحضر سجادها الخاص في الصلوات ، وتلتزم في قراءتها الجماعية  نفس مسافة التباعد المعمول بها في الصلوات . وإذا ما بررت الوزارة الوصية استمرار حظر تلاوة الحزبين بذريعة منع التجمع، قلنا لها إن وقت حضور خطبة الجمعة  مدته  أطول من مدة  وقت حضور قراءة الحزبين ، كما أن عدد الحضور في الجمع أكثر من عدد قراء الحزبين جماعة ، فهلا عدلت أيتها الوزارة الموقرة عن قرار حظر تلاوة الحزبين لأن في تلاوتهما تقرب من الله عز وجل ،كما أن فيهما ذكر له سبحانه وتعالى، فضلا عما  يرجى فيهما من أجر وبركة ، وعسى أن تحصل ببركتهما وقاية من الجائحة ورفعا لها بإذن الله تعالى.