تفسير من سورة المجادلة -1

الشهيد سيد قطب

[ ملخّص من تفسير الآيتين 9 و 10 من سورة المجادلة – في ظلال القرآن ]

(يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وتناجوا بالبر والتقوى، واتقوا الله الذي إليه تحشرون. إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله، وعلى الله فليتوكل المؤمنون)..

ويبدو أن بعض المسلمين ممن لم تنطبع نفوسهم بعدُ بحاسة التنظيم الإسلامي، كانوا يتجمعون عندما تحزب الأمور، ليتناجوا فيما بينهم ويتشاوروا بعيداً عن قيادتهم. الأمر الذي لا تُقِرّه طبيعة الجماعة الإسلامية، وروح التنظيم الإسلامي، التي تقتضي عرض كل رأي وكل فكرة وكل اقتراح على القيادة ابتداء، وعدم التجمعات الجانبية في الجماعة. كما يبدو أن بعض هذه التجمعات كان يدور فيها ما قد يؤدي إلى البلبلة، وما يؤذي الجماعة المسلمة ولو لم يكن قصد الإيذاء قائماً في نفوس المتناجين ولكن مجرد إثارتهم للمسائل الجارية وإبداء الآراء فيها على غير علم، قد يؤدي إلى الإيذاء، وإلى عدم الطاعة.

وهنا يناديهم الله بصفتهم التي تربطهم به، وتجعل للنداء وقعه وتأثيره: (يا أيها الذين آمنوا) لينهاهم عن التناجي، إذا تناجوا، بالإثم والعدوان ومعصية الرسول. ويبين لهم ما يليق بهم من الموضوعات التي يتناجى بها المؤمنون: (وتناجوا بالبر والتقوى).. لتدبير وسائلهما وتحقيق مدلولهما. والبر: الخير عامة. والتقوى: اليقظة والرقابة لله سبحانه، وهي لا توحي إلا بالخير. ويذكرهم بمخافة الله الذي يُحشرون إليه، فيحاسبهم بما كسبوا. وهو شاهده ومحصيه. مهما ستروه وأخفوه.

وهو أدب رفيع، كما أنه تحفُّظ حكيم لإبعاد كل الريب والشكوك. فأما حيث تكون هناك مصلحة في كتمان سر، أو ستر عورة، في شأن عام أو خاص، فلا مانع من التشاور في سر وتكتم. وهذا يكون عادة بين القادة المسؤولين عن الجماعة. ولا يجوز أن يكون تجمعاً جانبياً بعيداً عن علم الجماعة. فهذا هو الذي نهى عنه القرآن ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الذي يفتت الجماعة أو يوقع في صفوفها الشك وفقدان الثقة.