أحمد وهناء

فؤاد ملحم

أبو أحمد رجل فاضل يعمل دركياً ثم فتح دكاناً كان متوسط الرزق يعيش في بيئة يحمدون الله أنهم لم يجوعوا ولم يجع أولادهم إلا ما مضى في سفر برلك حيث جمعت الحكومة العثمانية القمح والشعير والذرة للجيش وقام أعداء الدولة بتفجير المستودعات وإحراقها فجاع الجنود وجاع الناس حتى صاروا يحملون الموتى من الطرقات في الطنابر يصيح الرجل أو المرأة أنا جوعان حتى يموت..

انقضت تلك الأيام إلى غير رجعة إن شاء الله.

رزق أبو أحمد بنتين ثم رزق بأحمد ثم رزق بأولاد ذكور وبنات سمى الأولى هند والثانية هناء (هند الآن في الــ 72 سنة وهناء في السبعين وأحمد في الثامنة والستين) (شمسي) كانت هنا تلعب مع أختها الكبرى ومع أخيها الأصغر تقول لها أمها يا هناء لا تلعبي مع أخيك أحمد أنت بنت وهو صبي فتقول لها يا أمي هذا أخي ويضحك الأبوان.

كبرت البنتان وصار الطالبون يطلبون البنتين للزواج فرفض الأب ورأى هذا الأمر (التزويج) يخل بمروءته!! إلى أن كبر أحمد وحضر دروس العلماء وتفقه في الدين فناقش أباه وأكد له أن هذا الأمر لا يخل بالمروءة وقد فعله الأنبياء وسيد الأنبياء فرضخ الأب بعد أن عضل البنتين.. ولكن البنات الأخريات تزوجن ونجون من الظلم..

وكن يسمعن الناس يتحدثن عن ظلمهن فكن يرفضن أن ينتقد الأب رحمه الله ويقلن كان لنا جيران يقطعن فينا أي ........ الناس عن خطيتنا بالوقوع في ذمنا..

عاش أحمد عمراً وأصابه الضغط ثم أصابه السرطان ثم توفي قبل المغرب في المستشفى..

كانت الأختان صائمتين فأفطرتا وانتظرتا أن يأتي ابن أخيهما وكان مدعواً فلم يأت ثم أتى أخوهما الآخر وبلغهما نبأ وفاة أحمد قبل ساعة..

شهقت هناء شهقة طويلة ثم قامت إلى عملها فغسلت الصحون واضطجعت على السرير وإذا الزبد يخرج من فهما فتقبل عليها أختها تسألها عما بها فإذا هي تسلم الروح وهي تبتسم.. إنها لحقت بأحمد بأسرع مما يتصور وخرجت الجنازتان معاً في اليوم التالي..

وتذكر الناس تلك المرأة (الأخرى) التي كانت تدعو قائلة لزوجها الله يجعل يومي قبل يومك فماتا وخرجت الجنازتان معاً..