إياك والكلب ذو الصاحبين!!

د. أيمن الهاشمي

قصة  حصلت في مدينة البصرة، يتداولها العراقيون اليوم، على سبيل النكتة والنكتة ما كانت الا للتنفيث عن الكرب بل الكروب التي يعاني منها الغلابة كما يسميهم المصريون أو المغلوبون على أمرهم كما نسميهم   .للتخفيف من آلامهم ومعاناتهم من حالة الضيق وشظف العيش وللتعبير عن اليأس من السياسيين الذين خذلوهم بكل شيء ولهم قدم في الشرق وأخرى في الغرب  .وولاؤهم محسوم لكل طرف... إلا للوطن!

تقول القصة التي يقال أنها تعود لعام 2006، أن مواطناً بصرياً بسيطاً يمتلك سيارة أجرة عتيقة مصابة بمرض "الاهتزاز" أو الرجفان الشيخي  هذا الرجل البصري الطيب إشتكى لصديق له من الأرق وقلة النوم نتيجة الخوف من العصابات الليلية المنتشرة دون خوف ولا رادع من سلطة ولا قانون، فكان كل من يمشي على قدمين هو هدف محتمل ،،،من يمتلك مالاً يختطف ويقتل ومن كان لديه رأي يخالف يقتل أيضاً، ومن كانت لديه زوجة جميلة فهو مقتول مقتول مقتول!!! يقول المواطن البصري أنه قد شملته "حمى الخوف" على الرغم من إنه لم يكن يمتلك مالاً يغري اللصوص والعصابات المتجولة، فكل ملكيته هي سيارة عتيقة يعمل بها كسيارة للأجرة 

يقول البصري: كنت لا أنام في الليل خوفاً من غدر عصابات قذرة تسلحت بكل آلات القتل، ، حتى أصبح سهر الليالي عندي ضرورة وعادة، 

أما عن كونه ضرورة فلإني لا أريد الموت بطريقة خروف العيد  . وعن كونه أصبح عاده فقد كنت أسهر ليلاً وأنام نهاراً لأني والحمد لله لم يكن لدي عمل ثابت يرغمني على النهوض صباحاً.

وحين قص المواطن البصري همومه لأحد أصدقائه المخلصين نصحه بأن يقتني كلبا يعينه على الحراسة ليلاً وينبهه في حالة الغفلة!!،

يقول المواطن البصري: "وجدت إنَّ نصيحة صديقي رائعه فعلاً تنم عن عبقرية وفهم مدروس للأوضاع الحالية نادراً مايتفوه بها أحد هذه الأيام، وأعلنت عن رغبتي بإقتناء كلب، فبادر أحدهم وأرسل لي كلباً كبيراً جميل المنظر فنظرت اليه بإحترام لأنه سيكون منقذي من سهر اليالي.. أطعمت الكلب وربّت على رأسه وعنقة ((هذا مأخوذ من كتالوج الإستعمال))، بدأ الكلب يتعود علي فإذا خرجت ركض إليَّ وهو يهز ذيله قافزاً حولي فرحاً"..

ولكن مشكلة أخرى برزت مع زوجتي تتمثل في نجاسة الكلب فكانت ترغمني على الإستحمام كلما هز الكلب ذيلة قربي، ومع هذا فقد رضيت بالوضع لإنعدام الخيارات الأخرى، كما إنَّ المثل يقول ((يرضى بالحمى من ذاق الموت))، 

يقول البصريّ: "كان الإستحمام المتكرر أهون من السهر الدائم رغم تحفظي على مسألة نجاسة الكلب، فأنا أعتبر إنًّ الكلب رغم نجاسته هو أطهر من بعض الذين أعرفهم"، ويقول: "في خضم هذه الأحداث فاتني وأنا في أزمتي مع ضعف قدرتي على التركيز التي ورثَّها لي السهر المتواصل أن أسأل عن الكلب، عن أصله ونوعه وفصيلته، ولماذا تخلى عنه أهله، لايهم كل هذا!!، فالمهم أصبح عندي الآن كلباً.. فإلى النوم خذوني معكم.

يضيف البصريّ: "ذهب عني الخوف قليلاً لوجود الكلب المحترم، وشعرت ببعض الأمان... ولِمَ لا؟، والكلب أخذ على نفسه السهر على سلامتي وسلامة بيتي فكان نعم الحارس الامين، فما أن تقفز قطة الجيران في باحة بيتي حتى تنشب معركة شرسة فيها من النباح والصياح والصراخ وبعثرة محتويات صندوق القمامة،  أصوات تجعل الأطفال يهبّون من نومهم مذعورين، فكنت أسرع لفض الإشتباك لكن بدون جدوى فشراسة الكلب تجعلني أتراجع خوفاً منه، 

في بعض الأحيان كنت أفكر بالإستعانه بقوات التحالف لفض الإشتباك الدائر لكني أتراجع في اللحظة الأخيرة خوفاً أن يتهمني البعض بالعماله للمحتل، وتنهزم القطة وأبتسم أنا من كل قلبي فرحاً بإنتصار كلبي الوفي وأقول في نفسي ((والله إنه كلب إبن كلب!!!))، إذا كان الكلب مع القطة يجعلها معركة فما الذي سيفعله مع اللصوص؟؟؟ أكيد سيجعلها ((أُم المعارك)) وأشفق في سري على اللصوص وأنا أتخيل مؤخراتهم الممزقة. وأعود للفراش وأنام قرير العين".

مر إسبوع على صاحبنا البصري شعر فيه براحة النوم التي افتقدها طويلاً، وعاد بدنه لسابق عهده وفارقه المزاج العكر، وعاد لعمله مع سيارته الرعاشة، وعادت علاقته مع زوجته إلى أحسن ما يكون فالنوم له سحر في حياة الإنسان.

يقول المواطن البصري انه "كان في ليلة أن إستسلمت لنوم عميق وفي الصباح إستيقظت على صوت زوجتي تناديني للإفطار، جلسنا نفطر سوية....على المائدة خيرات كثيرة لكنها للأسف كلها مستوردة من دول الجوار!! 

وسألت نفسي هل الدجاج العراقي عاقر أم إن الأبقار العراقية صارت تتعاطى حبوب منع الحمل؟ ودعوت الله تعالى أن ييسر حمل دجاجنا بالبيض وأبقارنا بالعجول، وأرضنا بالزراعة الوفيرة لكي نتخلص من الذل الاقتصادي...

 إتكلت على الله وخرجت للعمل بسيارتي الرعاشية ، لكني صدمت بعدم وجودها أمام باب بيتي".!. 

 وبعد الأخذ والرد والسؤال أدرك أخونا البصريّ أنَّ سيارته قد سرقت! فسجل شكوى في مركز الشرطة، وحضر أفراد الشرطة لمعاينة مكان السرقة، فجأه سأله ضابط الشرطة وهو يقف أمام منزله 

((يبدو إنَّ لديك كلباً)) فأجابه فوراً بالإيجاب وعاد يسأله ((ألم ينبح كلبك أثناء الليل؟)). أجاب بالنفي.

أثارت ملاحظة الضابط إنتباه صاحبنا لعدم نباح الكلب على اللصوص وإستغرب من تصرف الكلب، وهنا سأله الضابط ((هل تربي هذا الكلب منذ صغره؟)) فأخبره بالقصة كلها وكيفية حصوله على هذا الكلب، 

أكمل رجال الشرطة إجراءاتهم ورحلوا تاركين صاحبنا وحيداً مع قهره وحزنه بقلب يملؤه الغضب.

وبعد يومين اتصلت به الشرطة واخبروه بأنهم عثروا على السيارة وعلى سارقها أيضاً، أتعرفون من هو؟ لقد كان شقيق الرجل الطيب الذي أهداه الكلب.

وهنا يتذكر صاحبنا البصري مقولة رجل حكيم له: "إياك والكلب ذو الصاحبين، أتعرف لماذا؟ لأنك لو ربيت كلباً وهو صغير فسيكون إنتمائه وولاؤه لك، أما إذا أخذت كلباً وهو كبير فسيكون إنتمائه لك ولكن ولاؤه لغيرك!!! 

فهو يدرك غريزياً أنه إذا إحترق بيتك أو سرق سيكون دوماً هنالك دار أخرى له، لهذا فإن كلبك ياعزيزي لم ينبح على اللص لأنه من أهله!!!"