عاشت سوريا الأسد وليسقط الشعب السوري!

د. فيصل القاسم

كم كان الباحث والإعلامي السوري الدكتور أحمد الهواس على حقّ عندما كتب في عام ألفين وأربعة عشر، أي بعد ثلاثة أعوام فقط على الثورة أن «سوريا ليست نظاماً يسقط وآخر يأتي مكانه، سوريا حجر الزاوية في نظام أوسع حرص الغرب أن تكون تحت السيطرة، وأن الغاية تتحقق في نظام أقلوي». بعبارة أخرى، فإن ضباع العالم كانت مستعدة أن تضحي بالقسم الأكبر من السوريين بين لاجئ ومشرّد ومقتول ومعتقل، ولا يمكن أن تضحي بالنظام الذي يخدمها منذ عام ألف وتسعمائة وسبعين.

لا شك أن مثل هذا الكلام كان أشبه بالمبالغات الفانتازية قبل عقد من الزمان، لكن الأيام أثبتت أن سوريا الموقع الجغرافي ومعها النظام الوظيفي في دمشق أهم بكثير لسادة العالم من الشعب السوري.

 

لا شك أنكم سمعتم بما يسمى بـ«أصدقاء سوريا» في بداية الثورة حيث تنادى الشرق والغرب لتشكيل تحالف دولي بحجة دعم الشعب السوري، لكن الهدف كان مغايراً تماماً لمزاعم وشعارات أصدقاء سوريا المزعومين. صحيح أن القاصي والداني أبدى اهتماماً منقطع النظير بالقضية السورية في بداياتها، وقد ظن السوريون أن العالم يعمل جاهداً لمساعدتهم في التخلص من النظام الفاشي وتحقيق أحلام السوريين في الحرية والكرامة وإنضاج ثورتهم، لكن كل المناورات والتحالفات والمسرحيات الدولية والإقليمية كانت للضحك على الذقون وذرّ الرماد في العيون. لم يكن الهدف مطلقاً دعم الشعب السوري، بل كان الاهتمام منصباً بالدرجة الأولى على تجريد سوريا من القسم الأكبر من شعبها، والتنكيل بالقسم الآخر وتحضير الأرض السورية لترتيبات جيوسياسية وديمغرافية جديدة تخدم الأجندة الدولية، بحيث تصبح السيطرة على الجغرافيا السورية أسهل من ذي قبل بعد عملية التغيير والتعديل الديمغرافي غير المسبوق في العصر الحديث. ولو نظرنا الآن لوجدنا أن هنالك فعلاً سوريا جديدة تخدم المشاريع الكبرى أكثر بكثير حتى من سوريا الأسدية القديمة المصممة أصلاً لخدمة مشغلي النظام وداعميه.

تعالوا الآن لنلقي نظرة سريعة على شريط الأحداث السورية منذ عام ألفين وأحد عشر، سنجد أن كل ما فعله النظام بالسوريين منذ اللحظة الأولى لم يكن من بنات أفكار النظام مطلقاً، بل كان أجندة خارجية صارخة بدأ ينفذها النظام بثقة كبيرة. وقد ظنها البعض قوة وجسارة من النظام، بينما كانت في الواقع خطّة أكبر من النظام. لاحظوا مثلاً، أن سادة العالم لم يسمحوا في التاريخ الحديث لأي نظام في العالم ـ وليس في المنطقة ـ باستخدام سلاح الطيران لقصف مناطق داخلية، ولم نشهد مطلقاً على مدى القرن الماضي والحالي بأنّ نظاماً ما استطاع أن يستخدم طيرانه بكل سهولة لقصف شعبه وتدمير المدن فوق رؤوس سكانها، هاتوا لي بلداً واحداً استخدم القوة البرية والجوية بالشكل الذي استخدمه نظام الأسد ضد شعب أعزل، لا يوجد! وحتى أنظمة أمريكا اللاتينية العميلة للعم سام لم تتجرأ على قمع الانتفاضات الشعبية بالطريقة التي فعلها النظام السوري، فقد كان طغاة أمريكا الجنوبية يترددون في استخدام الطائرات لملاحقة قوى المعارضة عندما تحتمي في المناطق المدنية.

وقد لاحظنا كيف تأهب العالم أجمع عندما راجت أخبار تقول إنّ معمر القذافي على وشك استخدام طائراته لقصف بعض المناطق الليبية الثائرة، ونتذكر وقتها كيف ثارت ثائرة الشرق والغرب واستنفر الإعلام العالمي قبل أن ترمي الطائرات الليبية قنبلة واحدة على المناطق المدنية، وتبين لاحقاً أن القذافي لم يكن يفكر أصلاً باستخدام سلاح الطيران ضد شعبه، لكن وسائل الإعلام العالمية روّجت للخبر لشيطنة القذافي على اعتبار أن مثل هذا العمل محظور دولياً وخط أحمر لا يمكن أن يحدث أو أن يسمح به العالم مطلقاً، لكنه سمح به في سوريا الأسد، وتغاضى عنه وأصبح القصف اليومي للمناطق المدنية بالبراميل المتفجرة خبراً مألوفاً لا يأبه به الإعلام العالمي وكأنه أقل من عادي! بينما تاريخياً لم يقم أي نظام باستخدام الطيران إلا في المعارك والحروب الخارجية.

وقد لاحظنا لاحقاً كيف كان العالم يستقبل أخبار نزوح ملايين السوريين من ديارهم لم يكن هناك أي ضجة تذكر، لتعيد لنا صور النازحين وغرقى البحر تركيب المشهد من جديد بسؤال بات يلح على كل ذي لب:

هل كانت فكرة التغيير الديمغرافي فكرة النظام؟ ويبدو أن الجواب لا أبداً، بل كان النظام مجرد منفذ لمخطط أكبر منه منذ وصوله إلى السلطة، أمّا بعض الدول التي بدأت تفتح حدودها أمام السوريين فليس من باب العطف والمساعدة، بل تنفيذاً لمخطط يهدف إلى تجريد سوريا من قسم هائل من شعبها، لأن عملية تغيير الشعب وتشريده وقتله واعتقاله وتعذيبه على ما يبدو كانت أسهل بالنسبة لضباع العالم وكلابه من التضحية بسوريا ونظامها. وحتى لو شهدنا قريباً تغييراً في وجوه النظام بدأ ببشار نفسه، فهذا لا يعني مطلقاً أن الوجوه الجديدة ستكون في خدمة السوريين، بل ستبقى في خدمة مشغليها فقط. عاشت سوريا الأسد وسقط الشعب السوري.