معوقات الثورة السورية

د. موفق السباعي

في سلسلة مقالات وهموم الثورة السورية، التي بدأنا بكتابتها منذ فترة، وكان آخرها (كيف يجب أن تستمر الثورة السورية حتى النصر؟!) والتي تعتبر الشاغل الأول لكل السوريين، والعرب، والمسلمين، بل حتى للماسونية والصهيونية العالمية!  

فإن قصدنا وهدفنا من وراء نشرها، استنهاض همم السوريين خاصة، والعرب والمسلمين أجمعين، وتحريضهم على الاستمرار فيها، وتوعيتهم بأهميتها العظمى، لأن هذه الثورة، فريدة من نوعها، ومتميزة عن غيرها، وليست كبقية الثورات التي مرت في تاريخ البشرية، كما أنها ليست لسورية وحدها، أو للشام وحده، وإنما هي ثورة للمسلمين أجمعين!  

 لأن الشام! هي الأرض المباركة، التي على ترابها الطاهر، ستجري الملاحم الكبرى، والتي بدأت إرهاصاتها من الآن، والتي إذا انتصرت، انتصر المسلمون جميعاً، وتحرروا جميعاً من طواغيتهم!  

وإذا – لا سمح الله – انهزمت انهزم المسلمون جميعاً، وبقي اليهود يتمددون في البلاد العربية كلها، من المحيط إلى الخليج قروناً عديدة، ولن تقوى أي قوة على وجه الأرض، أن تخرجهم منها، إلا إذا عادت الثورة واشتعلت من جديد في الشام حصراً!  

 

أسئلة لكل سوري حر  

ومن هذا المنطلق! فمن حق كل سوري حر، أن يتساءل: ما الذي يعيق حركة الثورة؟! وما الذي جعلها تكاد تنهار، أو تنطفئ شعلتها، أو تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة؟!  

 ولماذا هذا الركود والخمود والركون إلى الأرض؟! ولماذا صمتت المدافع على الجبهات؟!، بالرغم من استمرار الاعتداءات المتكررة، والمتوالية، وانتهاك ما يسمى، وقف إطلاق النار أو الهدنة المزيفة، من قبل ميليشيات الأسد والروس والرافضة وأعوانهم، على المدنيين العزل، وبالرغم من سقوط الضحايا تلو الضحايا!  

 ولماذا توقفت عمليات التحرير؟! هل اكتفت ببضعة كيلو مترات حررتها من إدلب وما حولها؟! أم هي استراحة محارب؟! أم هي أوامر خارجية بالقعود والوقوف، مكانك راوح؟! أم أنه السأم والملل والاحباط، قد تسرب إلى نفوس المقاتلين، وأصبحوا على قناعة تامة، بأنه لا جدوى، ولا فائدة من استمرار الثورة، واستمرار القتال؟! أم أنهم استمرأوا لذة الراحة والسكينة والهدوء، وتعبوا من مواصلة مقارعة الأعداء؟! أم ماذا؟  

ماذا يجب على كل سوري حر؟!  

 ومن واجب هذا السوري الأبي الحر، الذي تمرد على الطغيان والاستبداد، وأبى الخنوع والركوع للاستعباد والذل والقهر، أن يفكر، ويبحث، ويستقصي عن أسباب عوائق سيرها، وعن العوامل التي أدت إلى الانتكاسات، والتراجعات في جميع المناطق، بالرغم من التضحيات الهائلة التي قدمها، ولا يزال يقدمها، بعض المجاهدين الصادقين المخلصين بشكل عام، وبالرغم من البطولات النادرة، والشجاعة الفائقة، والبسالة الكبيرة التي كانوا يظهرونها أمام أعدائهم، بأسلحتهم البسيطة، مقابل أسلحة جبارة، فتاكة، مدمرة يمتلكها أعداؤهم!!!  

هذه الحقيقة الواقعية العملية التي استمرت لعشر سنوات، يجب على كل محلل، وكل دارس، وباحث أن يثبتها، وأن يكتبها بمداد الشهداء النفيس!  

حقيقة هذا الصمود الأسطوري، لشعب أعزل، إلا من قوة الإيمان بالله تعالى، وقوة الإرادة، والتصميم، والعزيمة التي لا تلين، لنيل الحرية!!!  

ولو توافر مع هذا الصمود العنيد، الهائل، المبهر، بعض المقومات الأخرى الداعمة، والمساندة له، لتحقق الهدف.. منذ أمد طويل!  

ولكن! كأن الله جل جلاله يريد.. أن يقضي أمراً كان مفعولاً، ليهلك من هلك عن بينة؛ ويحيى من حيي عن بينة، وليميز الخبيث من الطيب، وليغربل الصف، ويفضح المحتالين والمخادعين والفاسدين، ﴿وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ﴾ العنكبوت 11!!!  

وهكذا ظهرت معوقات كثيرة وعديدة.. داخلية وخارجية.. في طريق الثورة، غير أن المعوقات الداخلية، هي الأشد خطورة وفتكاً من الخارجية!  

أسباب ظهور معوقات الثورة  

 وسبب ظهورها هو سوء تصرف الثوار المقاتلين أو السياسيين، وهذا ما يشابه إلى حد كبير، ما حدث في غزوة أحد – مع فارق الاختلاف الكبير، بين ذلك الجيل الرباني الراقي، وهذا الجيل المحشو من أوشاب الناس وأخلاطهم – وذلك حينما خالف الرماة المتمركزون على الجبل، أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، ونزلوا من الجبل في سبيل التقاط الغنائم، فجاءهم العتاب الرباني أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ) آل عمران 165!  

إضافة! إلى أن أي مصيبة، تصيب الإنسان بشكل عام، فإنها تحصل بسببه هو، كما يؤكدها العليم الخبير ﴿وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ﴾ الشورى 30.  

أولى المعوقات هي: تشرذم، وتفرق، وتعدد الكتائب المقاتلة، وغياب التنسيق بينها – إلا قليلاً منها - وتعارض الأوامر الصادرة من كل منها، مع الأوامر الصادرة من الأخرى!!!  

ونستطيع أن نقول بكل تأكيد.. أن كل المعوقات الأخرى، هي نتيجة طبيعية، وتلقائية، للعائق الأول الخطير جداً على مسيرة الثورة!  

العائق الثاني: سوء توزيع الأسلحة بين الكتائب، مما أدى مرات كثيرة إلى شح الذخيرة في بعض المواقع.. واضطرار المقاتلين إلى الانسحاب، للنجاة بأرواحهم من الهلاك المحتم، بعد صمود ومقاومة شديدة لأشهر عديدة في بعض الأماكن، وبالتالي خسارتها، بعد تقديم التضحيات الغالية، بينما الأسلحة الكثيرة الجديدة التي لا تزال في أغلفتها، مخبأة في مخازن الفصائل الأخرى، والتي قدمت إلى النظام الأسدي، حينما انسحبت الفصائل من الغوطة وحمص وحلب وغيرها!  

العائق الثالث: نقص المعرفة العسكرية، والخبرة القتالية لدى معظم المقاتلين، إلا من معلومات بسيطة اكتسبوها أثناء الخدمة العسكرية الإلزامية، وابتعاد معظم الضباط.. الذين انشقوا عن الجيش الأسدي، عن المشاركة في القتال، واعتكافهم في أماكن لجوئهم في الخيام، أو سواها بدون عمل لا عسكري، ولا حتى تخطيطي، أو استشاري!!!  

العائق الرابع: استفزاز الأعداء بإطلاق الأسماء الإسلامية الرنانة، على الكتائب والألوية المقاتلة، وإظهار الشعارات واللافتات الدينية الصارخة، التي يغضب لها الأعداء، ويشمئزون منها، كما ذكر الله تعالى عنهم ووصفهم وصفاً دقيقاً وواقعياً ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ) الزمر 45. وتنبيه الأعداء إلى خطورة الثورة عليهم، وحتى على ما يسمى أصدقاء الثورة، التي تكونت عقب انطلاقتها، وبلغت أكثر من مائة دولة!  

وهذا ما أدى إلى تبدل مواقف الدول جميعها، بشكل جذري، ودراماتيكي من الثورة، من اليمين إلى اليسار، وجعلها جميعها دون استثناء، تفضل بقاء نظام الأسد، على انتصار الثورة السورية المغلفة بشعارات دينية، ومجيئ حكومة إسلامية، يمكن أن تهدد عروش الأنظمة العالمية جميعاً، بالسقوط!  

 ثم تبين أخيراً أن هذه التشكيلات المسماة بالإسلامية – إلا قليلاً منها - ما هي إلا واجهة، ودريئة للنظام الأسدي، وكانت تتعاون معه سراً، مثل ما يسمى جيش الإسلام، الذي كان يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة، قادرة على تدمير وتحطيم القصر الجمهوري، فوق ساكنيه بسويعات قليلة!  

العائق الخامس: تقاتل الكتائب الإسلامية مع بعضها البعض، وتوجيه السلاح إلى صدور إخوتهم المسلمين في العقيدة، والهدف، بدلاً من توجيهه إلى صدور الكفرة المجرمين!!!  

وكانت هذه هي الحالقة للثورة.. والمهلكة الكبرى لمسيرتها، والمعطلة لتقدمها، بل والمسببة لتراجعها في أماكن عديدة، وتقدم نظام الأسد عليها، لأنها استنفدت طاقتها، وذخيرتها في مقاتلة بعضها البعض!  

العائق السادس: صراع القوى السياسية على مناصب وهمية هزيلة، وضعف الأداء السياسي، لغياب الحنكة، والصدق والإخلاص، والمهارة القيادية، وفقدان الخبرة في العمل السياسي، وفساد الأخلاق والدين والضمير، وسرقة الأموال التي كانت بعض الدول، تقدمها للمستضعفين، وانشغالهم بمفاوضات عبثية، لا طائل منها، وخاصة موضوع اللجنة الدستورية، الهزلية المسخرة!!!  

العائق السابع: خضوع بعض السياسيين، وبعض الكتائب المقاتلة، لقوى دولية وإقليمية معينة، بسبب التمويل المادي، وسياسيين آخرين، وكتائب أخرى لقوى دولية مغايرة، وبالتالي تشتت العمل السياسي، بين إرضاء هذه الجهة، أو تلك، وظهوره أمام القوى العالمية بشكل هزيل، ضعيف، ومهين! ثم الطامة الكبرى مشاركة معظمهم فيما يسمى مؤتمرات الخيانة والعربدة، أستانة وسوتشي، التي جردت الثورة من كل قوتها، ومن كل زخمها الثوري!  

العائق الثامن: المسارعة إلى اتهام أي شخص لا يتماشى مع مزاج، وهوى، وفكر الشخص الآخر بالخيانة، وإصدار أحكام مسبقة متسرعة على الناس، بشكل أهوج، وعشوائي بدون أي بينة، ولا أدلة حقيقية!!!  

العائق التاسع: غياب اللحمة التكاتفية، والتعاونية، وفقدان المحبة، والتعاطف، والتراحم، بين أفراد المجتمع السوري، إلا عند القليل منهم، ولا يزال التنابذ بالألقاب، والتعليقات السمجة، والسخرية والاستهزاء من الآخرين مستفحلاً، ومنتشراً بشكله القديم تقريباً، كما كان قبل الثورة!!!  

العائق العاشر: استغلال أشخاص من ذوي القلوب المريضة، والنفوس الدنيئة، ذوي المشاعر المتحجرة، والأحاسيس المتكلسة، والضمائر الميتة، لظروف الناس المأساوية، والإثراء على حساب حاجاتهم الضرورية الملحة، والمتاجرة بأرواحهم، وأقواتهم، وحياتهم، عن طريق النصب، والاحتيال، والخداع، والتضليل!!!  

العائق الحادي عشر: وجود عناصر مندسة من النظام الأسدي، بين المقاتلين والمدنيين، كانت ولا تزال تدله على عورات المقاتلين، وتسعر نار الفتنة بينهم، وترسل له مواقعهم الجغرافية، ليتم قصفها بالطائرات بدقة فائقة!  

والحل:  

في عالم الطب، توجد قاعدة ذهبية وأساسية في علاج الأمراض وهي: إزالة الأسباب. ويمكن إسقاط هذه القاعدة على الثورة لإنجاحها وهي: إزالة هذه المعوقات جميعها، وتوحيد القوى المقاتلة كلها تحت قيادة واحدة، أو على أضعف الإيمان التنسيق بينها، ووضع خطط مشتركة بينها!!!  

وإلا! فالعاقبة ستكون وخيمة، وسيئة جداً، جداً، والطريق سيطول، ويطول أكثر!  ولن يؤتي الله نصره لأقوام مختلفين، متعادين، متحاربين في سبيل الشيطان! (إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ) محمد 7.