في حفل تأبين عاصم البيطار

فادية مصارع

في حفل تأبين عاصم البيطار

د. شاكر الفحام : أنفق حياته في سبيل لغتنا

فادية مصارع

عشق اللغة العربية في نحوها وصرفها, ونذر نفسه لخدمتها , فحببها لطلابه الذين احبوه وتحلقوا حوله, يعبون منه الكثير من قواعدها التي كان ييسرها لهم بأسلوبه البسيط ما جعلهم يتمسكون بلغتهم, عنوان هويتهم, والمقّوم الأول من مقومات قوميتهم.

مات الجسد وبقي الفكر معطاء ثراً‏

اقيم حفل تأبين للمرحوم الاستاذ عاصم البيطار في مجمع اللغة العربية, الذي اعتاد تكريم الراحلين من اعضائه.‏

وعن المرحوم تحدث بداية مدير الحفل د. محمود الربداوي رئيس تحرير مجلة التراث العربي قائلاًَ:‏

اذا كان لكل انسان وجهة هو موّليها, فان وجهة عاصم البيطار هي ا للغة بنحوها وصرفها,اذ كان يقول: خلقت معلماً, ومعلماً للغة العربية الشريفة, رحل عاصم عن دنيانا وترك اللغة للأحياء يتحدون الأحياء , ورقد مع الاموات ولا يعزّيه الا ان للغة رباً يحميها, واستشهد د. محمود بقول لأحد الحكماء والفلاسفة : بأن اهل العلم كالشهداء يخلدهم علمهم حتى بعد الموت فلئن مات البيطار جسداً سيبقى فكره وثاباً معطاء ثراً, وكان خير شاهد له فيما ذكر ابيات المرحوم البيطار التي قالها في سلفه د. عادل العوا رحمه الله :‏

اخو العلم حيٌّ خالد بعد موته‏

واوصاله بعد التراب رميم‏

وذو الجهل ميت,وهو يمشي على الثرى‏

يعدُّ من الاحياء وهو عديم‏

د. شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية احب عاصماً, وعرف قدره, فأنزله المنزلة التي يستحقها حين كان رئيسا لجامعة دمشق,حيث رأى حينها ان قدراته اللغوية والفكرية لا يتسع لها التعليم الثانوي فانتدب الى الجامعة ليستفيد من معرفته الطلاب والاساتذة الجامعيون وزاول التعليم سبع عشرة سنة في جامعة دمشق.‏

وعنه قال د. الفحام: ان مجمع اللغة العربية يقيم حفل التأبين هذا عرفاناًًً بفضل عاصم البيطار, الذي انتخب ليكون عضواً فيه في حزيران 2003 كان من اكثر اعضائه حيوية ونشاطاًًً.‏

نشأة البيطار‏

تحدث د. شاكر ان عاصم البيطار نشأ في كنف ابيه الشيخ الكبير محمد بهجت البيطار ,وكان من الاعلام الذين بلغوا منزلة ورفعة وترك آثاراً طيبة في كل ما اسند اليه من اعمال الى جانب ما اغنى به المكتبة العربية من مؤلفات وتحقيقات.‏

وذكر ان لأسرته اصولاً جزائرية, لكنه لم يعرف وطناً سوى دمشق, حصل عاصم على الشهادة الثانوية 1947 ثم عين مدرساً للغة العربية في ثانويات دمشق, احب اللغة العربية وانكب على دراستها, ولمجالس ابيه التي كانت تعقد كل جمعة من صلاة الجمعة الى ما بعد العصر اثرها الكبير في صقل معارفه, فقد كانت رافداً لما جناه في دراساته ومطالعاته, ذكر د.شاكر ان المرحوم عندما كان مقدماً على التدريس سأله والده: هل اعددت العدة لذلك? وعندما سأله عاصم ما هي? اجابه: (ان تحرص على كسب ود طلابك وحسن التأتي لهم, فتقدم لهم المادة العلمية سهلة ميسرة, وتعاملهم معاملة الاب فتحملهم على التعلق بك واحترامك, فاذا احبوك احبوا مادتك) وقد عمل بنصيحته فوفق في عمله وكان طلابه يحرصون كل الحرص على حضور محاضرته, ويرون فيه الاستاذ المفضل, ولما توفي كتبوا في رثائه عبارات تحمل ما كانوا يكنون له من مودة واحترام وتقدير اذ كان معلماً فذاًَ فريداً.‏

مضى طاهر الأثواب‏

تاريخ اي امة يعرف بتاريخ رجالها بهذه الكلمات ابتدأ د. ابو زيد وكيل جامعة دمشق للشؤون الإدارية كلمته وتابع : نلتقي اليوم لتأبين واحد من ابرز اساتذة دمشق, واحد اعلام جامعتها وواحد من مفاخر كلياتها , في تدريس علوم العربية في غير ما كلية, يشهد على ذلك تاريخ له في العطاء في كليات الشريعة والآداب والطب , ويقر الناس بما قدمه من خدمات للغة العربية, فكان في ارتحاله الى الجامعات العربية خير سفير لجامعته ووطنه.‏

فيه سمت العلماء وتواضع اهل العلم,والقيم النبيلة والمبادئ السامية أنسنا اليه معلماً واباً وصديقاً فوجدناه فوق ما قدرناه يبهرنا بتهذيبه وطيب معشره, واذا كان الموت غيّبه فانه باق في ضمائرنا وضمير الوطن لقد مضى طاهر الاثواب.‏

اللغة العربية في الجامعة واقع أليم.‏

كانا يدرسان معاً في بيت المرحوم الذي تتوسطه بركة صغيرة كان د. عبد الكريم الاشتر -الصديق الحميم للبيطار- يغفو على خرير مائها الرتيب امتلأت خزانة البيت العربي الجميل بالكتب واضاف د.الاشتر صديق عمره لقد خلّف عاصم في كل مكان حلًَ به طلاباًً كثيرين يدينون له بفضل تعلميهم واعانته على تكوين فكرهم اللغوي .

وان كتابه في ( النحو والصرف) ظل عمدة لهم على مدى سنوات طويلة ولا يزال الى الآن يعاد طبعه, كان لا يتوانى في تأليف الكتاب المدرسي ادراكاً منه لمكانته في تكوين الاجيال, وفي آخر ايامه كان يعيد النظر في تحقيق الكتب التي صنفها جده عبد الرزاق البيطار ويزيد في تحقيق وشرح وتفسير ما كان والده الشيخ محمد البيطار تولى تحقيقه.‏

وبحسرة تحدث د. عبد الكريم ان صديقه المرحوم, كان لا يصدق ما انتهت اليه حال اللغة العربية, وقد رفع تقريراً عن هذا الوضع المتردي لها في السنة الاولى كتب فيه :‏

ان الذين يستحقون النجاح 20 طالباً من اصل .631‏عدد الناجحين 43 طالباً اي نسبة النجاح ست درجات وثمانية اعشار الدرجة في المئة, ولو اجتمعت اسباب المساعدة واضيفت عليها حلقات البحث لما زادت على 14% .‏عدد الاوراق التي نالت درجة الصفر 218 اي ثلثها.‏

وفي اخر تقرير رفعه المرحوم, دعا فيه بحرقة الى الاهتمام برفع مستوى الطلاب في اللغة بدلا من الاهتمام برفع نسب النجاح.‏

وختم د. الاشتر لو كان لهذه اللغة المهيضة الجناح ان تفعل شيئاً لبكت نفسها وأبكتنا .‏

د. الربداوي عقب على ما قاله د. الاشتر فقال:‏

توقف د. الاشتر ثلاث مرات في اثناء كلمته:‏

الاولى عندما سمع الأذان والثانية, عندما عصفت به ذكريات مع صديقه البيطار .

والثالثة, عندما ذكر ما آلت إليه حال أمتنا من ذل وهوان وترقرقت الدمعة في عينه حين ذكر أن أبناء هذه الأمة تلجج ألسنتهم وتعرج وتتعثر, وتغزوها لغات الثقافات الأخرى ويبشر بانقراضها أكثر من فريق وأبناؤها يقفون غرباء عن معارف عصرهم, يحارون كيف يخرجون من زيف أنفسهم.‏

من ترك خلفاً صالحاً لم يمت‏

إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به,و الأستاذ عاصم البيطار ترك علماً جماًً إضافة الى الذرية الصالحة من بنين وبنات على قدر من العلم والثقافة وقد ألقت ابنته ندى البيطار كلمة ابناء الفقيد, هذه الاسرة التي درجت على التربية الفاضلة, ونشأت على قيم توارثها اهل بيته مطبقين دستور والدهم في الحياة ( الدين المعاملة).‏