الدكتور عيسى عبده إبراهيم رائد البنوك الإسلامية

المستشار عبد الله العقيل

(1318 - 1400ه / 1901 - 1980م)

فكرة إنشاء مكتبة إسلامية

في عام 1960م، تدارستُ مع الإخوة: عبد الرزاق الصالح، وعبد المنعم مشهور، وغلام معصوم، ومحمد عبد الحليم الشيخ، وعبد الله المطوع، وعبد العزيز السيسي، وعبد الواحد أمان، وعبد الله جاسم اللهو موضوع فتح مكتبة إسلامية بالكويت لتكون موطنًا للكتاب الإسلامي، وتقدمه للمسلمين عامة وأبناء الحركة الإسلامية خاصة، وقد تم تقدير ميزانية للمكتبة بالروبيّات (العملة المتداولة آنذاك)، ووزع العمل بين الإخوة المذكورين.

فتبرع الأول بدكان في عمارته - بمنطقة الشرق - كي يكون مقرًا للمكتبة دون مقابل، وتبرع الثاني (وكان صاحب مصنع حديد) بكل لوازم المكتبة من الحديد كالأبواب وغيرها، وتبرع الثالث وهو من الجماعة الإسلامية بباكستان (وكان صاحب مصنع نجارة) بكل الأرفف والأعمال الخشبية، وساهم الباقون بتبرعات مالية، وهكذا تقاسم الجميع إنشاء هذه المكتبة حتى تمت بفضل الله، ثم أمدنا الأخ زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي بدمشق، بالكتب، مع إعطائنا فترة سماح كافية للسداد - جزاه الله خيرًا.

وانطلقت المكتبة (مكتبة المنار الإسلامية) في تحقيق أهدافها التي أُنشئت من أجلها، وأقبل الشباب عليها، فكان حريًا بنا في مواكبة هذا النجاح، أن نشرع في إصدار سلاسل باسم المكتبة صغيرة الحجم كي تكون زادًا خفيفًا لطلبة العلم، ورواد الثقافة، وتغطي المجالات التي يبحث عنها الشباب في فروع المعرفة، وصدرت كل سلسلة تحمل عنوان المجال الأساسي مثل: (نحو قانون إسلامي عادل) و(نحو اقتصاد إسلامي سليم) و(نحو تربية إسلامية هادفة) و(نحو مجتمع إسلامي مستقر) و(نحو وعي إسلامي رشيد) و(أضواء على الحركات الهدامة)... إلخ.

وقد بدأنا في مراسلة من وجدنا فيه الأهلية للكتابة في هذه السلاسل، وكان من ضمن من راسلناهم للإسهام في سلسلة الاقتصاد الإسلامي د. عيسى عبده إبراهيم، الذي تجاوب معنا سريعًا وأعلن استعداده للحضور إلى الكويت للإسهام في الدراسات الاقتصادية الإسلامية وتقديم خبراته وتجاربه وإمكانية قيام بنوك لا ربوية، وتفرّغه لعمل ذلك إذا اقتضى الأمر.

تشكيل اللجنة التحضيرية

تمّ تشكيل لجنة تحضيرية عام 1968م تضم الإخوة: عبدالله المطوع، وجمال الدين عطية، وهمام الهاشمي، ونزار السراج، وإسماعيل رأفت، ومحب المحجري، ومحيي الدين عطية، وعبدالله العقيل، وعبد الواحد أمان ودعونا لها د. عيسى عبده لدراسة مشروع بنك إسلامي، حيث عمل مقررًا لهذه اللجنة، كما تمت دعوة الشيخ إرشاد صاحب أول تجربة لمصرف تعاوني لا ربوي - بباكستان - لزيارة الكويت، فاستجاب للدعوة، وحضر، واجتمع باللجنة وشرح لها تجربته والعوائق التي واجهته.

شرعت اللجنة في اجتماعاتها المنظمة تضع اللوائح والنظم، فوضعت لائحة (بيت التمويل الكويتي) مع مذكرة التعريف به، كشركة مساهمة كويتية تحت التأسيس.. ومع جهد أستاذنا الدؤوب في عمل اللجنة، تابع نشاطه المبارك في تكوين رأي عام إسلامي في مجال الاقتصاد عن طريق كتابته للمقالات في الصحف والمجلات السيارة، ومشاركته في الندوات والمحاضرات وأحاديثه في الإذاعة الكويتية والتلفاز، وكان محور هذا كله الدعوة إلى إنشاء البنوك الإسلامية وبيان دور الاقتصاد في الدعوة إلى الإسلام، والتأمين بين الحل والتحريم وغيرها.

ومن جهة أخرى، ومن أجل مشروع إنشاء (بيت التمويل الكويتي) تابع أستاذنا الفاضل لقاءاته بكل الفعاليات الاقتصادية والفكرية والدينية مثل: عبد العزيز الصقر، ويوسف الرفاعي، وعبد العزيز المطوع، وعبد الله المطوع، وعبد العزيز العتيبي، وعبدالله العقيل، وأحمد بزيع الياسين، ويعقوب الغنيم، ود. وحيد رأفت، ود. محمود الشافعي، ود. عثمان خليل، وعبد الرحمن عبد الخالق، ومحمد الأشقر، وعبد الستار أبو غدة، وعمر الأشقر وغيرهم.

غير أن المشروع تعثّر بسبب رفض الفنيين في أعمال البنوك، لعدم اقتناعهم بإمكانية قيام مصرف على غير أساس ربوي، ثم شاء الله تعالى أن يقوم وزير المالية - وقتئذ - عبد الرحمن سالم العتيقي بالاتصال بأستاذنا الدكتور عيسى عبده - بمصر - مطمئِنًا إياه في حرصه على قيام المشروع، وأرسل إليه مندوبًا من وزارة المالية لاستلام الملفات المتعلقة بالدراسات، وهكذا وبعد أعوام طويلة قام بيت التمويل الكويتي عام 1977م ولكن بعد قيام بنك دبي الإسلامي.

مشاركته في إنشاء بنك دبي الإسلامي عام 1974م

عندما كان أستاذنا يقوم بالتدريس بجامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية انتدب من الجامعة كمستشار لبنك دبي الإسلامي، حيث استغرق الإعداد والتحضير طوال عام 1974م، حتى قام بنك دبي الإسلامي عام 1975م بمؤازرة الحاج سعيد لوتاه، فكان أول بنك في الساحة الإسلامية بمنطقة الخليج.

إن الدكتور عيسى عبده هو رائد البنوك الإسلامية بحق، وله الفضل - بعد الله - في قيامها وانتشارها في العالم العربي والإسلامي، وإن المحاضرات التي كان يلقيها، والأحاديث الإذاعية والتلفازية التي كان يقدمها في الكويت ودول الخليج، والمملكة العربية السعودية، كان لها الدور الكبير والأثر العظيم في تغيير بعض المفاهيم في الاقتصاد الإسلامي، فقد كان البعض من رجال الأعمال، يظن أن التجارة والاقتصاد لا يقومان إلا بالبنوك، وأن البنوك لا يمكن أن تقوم دون الربا، وأن هذا نظام عالمي لا بد من التعامل معه، بحكم الضرورة، غير أن الله تعالى أبطل هذه المقولة، ودحض هذه الفرية بتوفيقه في قيام البنوك الإسلامية «اللاربوية»، كما صدرت دراسات كثيرة من تلامذة د. عيسى عبده، كلها في الاقتصاد الإسلامي وأعمال البنوك الإسلامية، وأُسسّت معاهد وكليات ومراكز تدريب للاقتصاد الإسلامي والعاملين فيه في مختلف أنحاء العالم.

ندوة الجمعة الأسبوعية

استفاد المسلمون من محاضرات ودروس وأحاديث وندوات د. عيسى عبده، وهي مناشط قام بها أستاذنا غطت الساحة الكويتية كلها، وكانت (ندوة الجمعة الأسبوعية)، التي تقام في دارنا بمنطقة المنصورية بالكويت أحد المواطن التي شرفت بزيارته بل إنه كان يرتادها دائمًا ولا يتخلف عنها إلا لعذر قاهر، وكان في منهجه العلمي الذي ألزم به نفسه، يطرح القضايا الاقتصادية باقتدار، مستوعبًا المعاني والدلالات لكل الآيات والأحاديث، ذات العلاقة بالاقتصاد، كما كان مدركًا تمامًا لمثالب النظام الاقتصادي الربوي، ومطلعًا على ثغراته، وأنه من غرس يهود باعتبارهم أساطين الربا في العالم قديمه وحديثه، والممسكين بالاقتصاد العالمي ونظامه النقدي حتى اليوم.

صفاته ومواهبه وجهوده

وهب الله (عز وجل) أستاذنا ذكاءً وقادًا وبديهة حاضرة، وفكرًا ناضجًا، وأسلوبًا حكيمًا، في عرض وجهة نظره. ورغم أن القضايا الاقتصادية، وبخاصة عمل البنوك تحتاج إلى الاختصاصيين لاستيعابها والإحاطة بجوانبها، ومتابعة تطوراتها العالمية، إلا أن الدكتور عيسى عبده له قدرة على تبسيط الموضوع في عرضه السهل بحيث يستوعبه حتى العامة من الناس، الذين يحضرون ندواته ويغشَوْن محاضراته، ويخرجون ولديهم الرغبة في الإسهام والمشاركة في تأسيس البنك الإسلامي، كي يتخلصوا من أوزار البنوك الربوية التي عمّت البلوى بها أرجاء العالم بما فيها العالم العربي والإسلامي، وصار التاجر المسلم يعيش في حرج كبير نتيجة تشابك المعاملات المالية المعاصرة مع النظم الربوية التي تسير عليها البنوك في شتى أنحاء المعمورة، لأن الأساس الذي قامت عليه هو أساس ربوي، صنعته يهود.. الذين كانوا يتاجرون بالعملة ويحترفون الصرافة، قبل قيام البنوك، والتي بدأت أعمالها بالإقراض الربوي للأفراد ثم المؤسسات ثم الدول، فكانت الأزمات تلو الأزمات، مما كان سببًا مباشرًا في قيام الحروب المدمرة وانهيار الدول وإفلاسها.

إن الدكتور عيسى إبراهيم من الصفوة التي نافحت عن مفهوم الإسلام الأصيل في الاقتصاد خلال خمسين عامًا متصلة، لم يتوقّف خلالها عن العمل بالكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية، وبالرحلة في آفاق الأرض، بحثًا عن التجربة الاقتصادية الغربية، ومقاتلها وأخطائها وبالرحلة في آفاق العالم الإسلامي، داعيًا إلى إنشاء المصارف الإسلامية، وحيثما وجَدَ تقبّلًا لدعوته، يمكث ويتريث ويقيم، حتى يحقّق خطوة على ذلك الطريق الشاق. فكانت له رحلات إلى السعودية والكويت ولبنان والعراق ودبي وكانت له مشاركة في إنشاء أقسام الاقتصاد الإسلامي بالجامعات العربية والكليات المختلفة، من اقتصاد وقانون وإدارة، واشتراكه في مختلف مؤتمرات الاقتصاد التي عقدت بأبحاث ناضجة تكشف عن خبرة وافرة.. وقد انطلق من نقطة واحدة عاش حياته كلها لها، وهي الكشف عن فساد النظام الربوي، وآثاره الخطيرة على الاقتصاد الإسلامي، منذ تمكن النفوذ الأجنبي من التسلط على بلاد الإسلام.

وراح يهاجم ما يسمى بالاقتصاد السياسي الذي يخضع له المسلمون ويدرسونه على أنه علم، ويقول: إن هذا العلم الذي يقال له الاقتصاد السياسي لا يزيد على مرّ الأيام إلا غموضًا وبعدًا عن الحقيقة الاقتصادية.

وقد عاش وهو يدعو إلى أن يكون الاقتصاد الإسلامي هو المهيمن على كل ما عداه من الدراسات الاقتصادية الوضعية، والعناية بدراسة فقه الأموال، والحاجة إلى التركيز على دراسة الاقتصاد من القرآن والسُّنَّة.

ودعا إلى تأسيس بيوتات مالية تنتهج النهج الإسلامي في معاملاتها، وبدأ منفذًا لذلك في مصر حيث أسس أول بيت إسلامي في (ميت غمر) ثم باشر في تنفيذ بنك دبي الإسلامي مستشارًا ومؤسسًا. وهو يدعو إلى الكشف عن مخاطر الربا من غير تكلّف التأويل لإرضاء الحاكم أو فزعًا من أن يقال إن الإسلام قد توقف عن مسيرة الحضارة المادية.. ويقول الدكتور عيسى عبده: إن الربا كان مصدر تمزق أرض الإسلام ونهب مواردها، وسببًا لما هي فيه من ذلة وهوان، حتى أصبح المال الذي هو مالنا غريبًا عنا وهو في أرضنا، وحربًا علينا والأصل أن يكون عدة لنا.

درس د. عيسى عبده في مدرسة التجارة العليا ومضى إلى إنكلترا ليدرس في جامعة مانشستر ولما كانت أسئلة الاقتصاد تدور حول الفائدة، فقد كتب بحثًا عن تحريم الفائدة لأنها ربا، وأيّد أقواله بأحكام الدين، ورُفضت ورقة الإجابة بجملتها، واستدعته إدارة الكلية لتُبين له أن الجامعة ليست مكانًا لإظهار التعصب لدين دون آخر، وأن المطلوب منه أن يضع على الورق ما عرف من النظرية العلمية دون التأثر بنزعة أو عاطفة.!!

ومضى الدكتور عيسى عبده يعمل على إنشاء كلية للاقتصاد الإسلامي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض تكون نموذجًا للعالم الإسلامي كله، وقد وفقه الله لذلك، والحمد لله رب العالمين.

 

ثمار الجهود المخلصة

إن علم الاقتصاد الإسلامي المعاصر، الذي أرسى قواعده د. عيسى عبده، ود. محمود أبو السعود، ود. محمد عبدالله العربي، ود. يوسف القرضاوي، ود. أحمد النجار، ود. نجاة الله الصديقي، ود. محمد عزيز، ود. محمد حميد الله، ود. محمد شابرا وغيرهم ممن ساروا على نهجهم وأسهموا بجهودهم.. كان من ثمرة هذا أن أصبح الاقتصاد الإسلامي مادة تدرّس في كثير من الجامعات، داخل الوطن العربي والإسلامي، وخارجه أيضًا، بل إن الكثير من الباحثين قدّموا رسائل في الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي وفروعه المختلفة ومنها أعمال البنوك الإسلامية المعاصرة.

وإن الظاهرة المبشّرة بالخير، هي انتشار البنوك الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، بل وفي بعض البلاد الأوروبية، بعد أن أثبتت نجاحًا باهرًا، وحققت أرباحًا من المال الحلال المستثمر بالطرق الشرعية البعيدة عن الربا المحرم، كما أن هناك العديد من المجلات والدوريات العلمية المتخصصة الصادرة عن البنوك الإسلامية المعاصرة، التي يسهم في تحريرها أساطين علم الاقتصاد الإسلامي، فضلًا عن قيام الهيئات واللجان الشرعية للبنوك الإسلامية بتصحيح مسار البنوك، ومراقبة سير العمل فيها، وفق القواعد الشرعية وضبط معاملاتها وترشيدها كي تكون في الإطار الإسلامي المنشود، وهذا كله أدعى لبث الطمأنينة في نفوس الشعوب المسلمة بأن الإسلام هو الحل لكافة مشكلاتها ومعضلاتها الاقتصادية، وهو الذي يوفر لها الأمن والاستقرار لتزدهر الحياة على هدى من كتاب الله وسُنَّة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وفي ضوء ذلك أخذت الشعوب الإسلامية تتسابق في إنشاء هذه البنوك رغم بعض العقبات والعراقيل التي يضعها أعداء الإسلام من المرابين وخاصة يهود.

نظام الاقتصاد الإسلامي

يقول الإمام الشهيد حسن البنا في كتابه (مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي):

«يتلخص نظام الإسلام الاقتصادي في اعتبار المال الصالح قوام الحياة، ووجوب الحرص عليه وحسن تدبيره وتثميره، وإيجاب العمل والكسب على كل قادر، والكشف عن منابع الثروات الطبيعية، ووجوب الاستفادة من كل ما في الوجود، من قوى ومعادن وتحريم موارد الكسب الخبيث، وتقريب الشقة بين مختلف الطبقات تقريبًا بحيث يقضى على الثراء الفاحش، والفقر المدقع، والضمان الاجتماعي لكل مواطن، وتأمين حياته، والعمل على راحته وإسعاده، والحث على الإنفاق في وجوه الخير، وافتراض التكافل بين المواطنين، ووجوب التعاون على البر والتقوى، وتقرير حرمة المال، واحترام وتنظيم المعاملات المالية بتشريع عادل رحيم، والتدقيق في شؤون النقد، وتقرير مسؤولية الدولة في حماية هذا النظام، وهذه القواعد كلها مبينة في القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة، وكتب الفقه الإسلامي بأوسع بيان» انتهى.

مؤلفات د. عيسى عبده

لأستاذنا د. عيسى عبده، بحوث ومقالات وكتب ودراسات ومحاضرات وندوات يضيق المجال عن حصرها، ولكن نكتفي بذكر بعض نماذج من كتبه على سبيل المثال:

- بنوك بلا فوائد.

- لماذا حرم الله الربا؟

- وضع الربا في البناء الاقتصادي.

- الفائدة على رأس المال: صورة من صور الربا.

- الربا ودوره في استغلال موارد الشعوب.

- مشروع قيام بنك إسلامي.

- العقود الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية المعاصرة.

- الاقتصاد الإسلامي مدخل ومناهج.

- بترول المسلمين ومخططات الغاصبين.

- دراسات في الاقتصاد السياسي.

- التأمين بين الحلّ والتحريم.

- حديث الفجر.

- أثر تطبيق النظام الاقتصدي الإسلامي في المجتمع (بالاشتراك).

بالإضافة إلى سلسلة من المقالات في العديد من المجلات والدوريات الإسلامية والمتخصصة، خاصة مجلة (المسلمون) الشهرية، التي كان يصدرها الدكتور سعيد رمضان في مصر وسوريا وسويسرا، وتمثل هذه المقالات ثروة عظيمة في هذا المجال من حيث الموضوع والسبق فيه.

صلته بالإخوان المسلمين

عاش أستاذنا شبابه في حركة الإخوان المسلمين، وشارك في أنشطتها، وأسهم مع إخوانه في دفع مسيرتها، وكان من زملائه الداعية الكبير محمود عبد الحليم مؤلف كتاب: (الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ) فقد ذكره المؤلف في الجزء الثاني فقال:

«عيسى عبده كان مدرّسًا بمدرسة التجارة المتوسطة في القاهرة في ذلك الوقت، وكان بالطبع أكبر منا سنًا، وقد أخبرنا الأستاذ المرشد أن عيسى عبده كان من أسرة مسيحية، أسلمت جميعها عن اقتناع، وكان الأستاذ المرشد يحب عيسى عبده، ويقربه ويؤثره، ويقدمه دائمًا للحديث إلى الإخوان، لأنه كان محاضرًا لبقًا، ومحدثًا طويل النفس، وكان عيسى مندمجًا في منظمات الإخوان المسلمين، فكان أحد أعضاء الكتائب، إلا أنه لم ينتظم في سلك الجوالة، وكنا نحبه ونقبل عليه، وكان يبادلنا هذا الحب والإقبال» انتهى.

سيرة من حياته وحياة أسرته

نقل الأستاذ عرفات العشي في كتابه القيّم: (رجال ونساء أسلموا: الجزء الأول) ما رواه د. عيسى عبده إبراهيم على لسان أبيه بشأن تسميته (عيسى) قال: «.. إن بيني وبين ربي عهدًا لا يعلمه إلا هو، وإني أسير على الدرب لا أحيد، إنني حين تمسكت بالاسم الذي اختاره أبي وهو «عبده» تعلق رجائي بأن يمتد بي الأجل حتى أتزوج وأن أرزق مولودًا أدعوه «عيسى»، وعاهدت ربي على تنشئته تنشئة صالحة، ولأدعون له بطول العمر والتوفيق إلى ما فيه رضا الله وبأن يكون له في حياته ومن بعد حياته أحسن الذكر على ألسنة العباد، ولذا جعلت من وجود هذا الولد شهادة تنبض بالحياة بأن (عيسى) (عبده) وما هو بولده، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.. فكلما ذكره الذاكرون غائبًا أو حاضرًا.. حيًا أو ميتًا.. كان ذكرهم هذا شهادة مني بين يدي الله (جل وعلا) بأن عيسى عبده..» انتهى.

ويقول الأستاذ محيي الدين عطية في مجلة «المسلم المعاصر» بعددها لشهر ربيع الآخر 1404ه:

«.. لقد نشأ عيسى عبده في بيت أسس على اعتناق الإسلام عن قناعة وإيمان، وقد لاقى والده في سبيل ذلك من مقاطعة الأهل والأصحاب ما لاقى، وندب نفسه وأبناءه للدعوة الإسلامية، فكان عيسى - أول الأبناء - مندفعًا بحكم بيئته في هذا الاتجاه، وقد التقى الإمام الشهيد حسن البنا ورافقه في جولاته بالقرى، وعاصر افتتاح عدد من شعب الإخوان المسلمين في أول عهدهم في الثلاثينيات، وظل على علاقته الوثيقة الحميمة بمؤسس جماعة «الإخوان المسلمون» طيلة حياته، وما زال أبناء عيسى عبده حتى يومنا هذا يحتفظون بوثيقة عزيزة عليهم؛ لأنها تربطهم بهذا الماضي المشرف، وهي عقد زواج الابنة الكبرى «ليلى عيسى عبده»، ذلك العقد الذي مهره حسن البنا بتوقيعه كشاهد على الزواج» انتهى.

لقد حقّق الله على يدي د. عيسى عبده إبراهيم إنشاء البنوك الإسلامية التي كانت أملًا يراود نفوس الكثير من المسلمين، وتلك هي الثمرة اليانعة لجهوده وجهود إخوانه وتلامذته ومحبيه في العالم الإسلامي كله، وهي في محصلتها مظهر من مظاهر الصحوة الإسلامية المباركة.

إن من الوفاء لهذا الرجل أن يعرف هذا الجيل بعض هذه الجهود التي بذلها الدكتور عيسى عبده، وإخوانه؛ كي ينطلق شباب الصحوة الإسلامية لإكمال المسيرة في كل الميادين، فكلٌ ميسّر لما خُلق له.

وفاته

كانت وفاة أستاذنا في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية يوم 9/1/1980م، وقد تم نقل جثمانه إلى مدينة الرسول (عليه الصلاة والسلام) (المدينة المنورة) حيث دفن بالبقيع حسب أمنيته. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وسوم: العدد 889