الكاتب الإسلامي الكبير محب الدين الخطيب

المستشار عبد الله العقيل

(1304 - 1389ه / 1886 - 1969م)

معرفتي به

عرفتُ الكاتب الإسلامي الكبير محب الدين الخطيب من خلال اطلاعي على مجلة (الفتح) التي كان يصدرها بمصر، وكانت تصل إلى العم محمد سليمان العقيل، الذي تربطه صداقة بصاحبها، منذ التقاه بمدينة البصرة مع الأستاذ طه الفياض العاني، وحين سافرتُ إلى مصر للدراسة بالجامعة الأزهرية عام 1949م أخذت أتتبع ما كتبه محب الدين الخطيب في مجلات (الفتح)، و(الزهراء)، و(الشهاب)، و(الإخوان المسلمون) وأتابع مواقفه في دعم المجاهدين العرب والمسلمين، وتصديه للاستعمار وعملائه، وإهابته بالأمة الإسلامية بأن تتمسك بمنهج السلف الصالح من أئمة القرون الأولى، وبخاصة الجيل القرآني الفريد، جيل الصحابة رضوان الله عليهم، ثم التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وقد شرُفت باللقاء به مرات ومرات، سواء في المكتبة السلفية أو في إدارة مجلة الأزهر الشريف، التي رَأسَ تحريرها زمن شيخ الأزهر الإمام محمد الخضر حسين التونسي، أو في لقاءاته مع شباب الإخوان المسلمين الذين يحرصون على الاستفادة من توجيهاته.

مولده ونشأته

وُلِدَ مُحب الدين الخطيب بدمشق عام 1886م وكان والده عالمًا دينيًا، ويدرّس في أحد المساجد، كما كان يعمل أمينًا لدار الكتب الظاهرية، فنشأ في بيئة محافظة، وتعلَّم القراءة والكتابة، وحفظ كتاب الله، ثم التحق بمدرسة ابتدائية، ثم بعدها بمدرسة ثانوية تدرس العلوم باللغة التركية، ثم التحق بكلية الحقوق والآداب معًا، وقد مدّ له يد العون في تحصيله العلمي، شيخه الكبير العلاّمة طاهر الجزائري، الذي عهد إليه بنسخ كثير من المخطوطات، وكان للشيخ طاهر الجزائري حلقة علمية بدار الكتب بدمشق، يؤمها الشيوخ والشباب ومنهم محب الدين الخطيب، الذي كان حريصًا على قراءة الصحف والمجلات الصادرة بمصر وتركيا، وقد تأثّر بكتاب (طبائع الاستبداد) لمؤلفه عبدالرحمن الكواكبي، وبكتاب (الإسلام والنصرانية) لمؤلفه الشيخ محمد عبده.

رحلته إلى اليمن ومصر

ثم سافر إلى اليمن للعمل كمترجم في القنصلية التركية بمدينة «الحديدة»، وقد سعى فترة بقائه هناك إلى إنشاء مدرسة كانت هي المدرسة الوحيدة، وكان يتولى تدريس معظم العلوم فيها، بالإضافة لعمله كمترجم، ولكن المقام لم يطل به كثيرًا في اليمن، فعاد إلى دمشق، ثم سافر إلى مصر، حيث عمل في جريدة «المؤيد» فذاع صيته وانتشرت مقالاته وترجماته، وبخاصة ما يتعلق بالمبشرين البروتستانت، وخططهم الخبيثة لتنصير المسلمين، والتي كان ينشرها الكاتب الفرنسي المبشر (مسيو لوشاتليه) في الدوائر الكنسية، فكشفها محب الدين الخطيب وهتك أستارها، ونبّه المسلمين إلى خطورتها، ثم جمعها في كتاب وأصدره بعنوان (الغارة على العالم الإسلامي).

كما عمل مترجمًا ومحررًا بجريدة (الأهرام) المصرية فترة قصيرة لأنه لم يرتح لسياسة القائمين عليها، الذين يداهنون الاستعمار وأعوانه ولا يهتمون بقضايا المسلمين وما يحيط بهم من مؤامرات ومكائد.

وحين أصدر مجلة (الفتح) جعلها منبرًا للدفاع عن الإسلام والمسلمين، ومعالجة قضايا العروبة والإسلام، والحفاظ على الدين واللغة العربية ونشر الثقافة الإسلامية، واستقطب لها الكثير من الكتَّاب المسلمين من جميع أنحاء العالم الإسلامي.

مشاركته بإنشاء الشبان المسلمين

ولم يكتف بذلك، بل سعى مع ثلة من المفكرين والعلماء والدعاة والمصلحين والغيورين على الدين لإنشاء «جمعية الشبان المسلمين» بالقاهرة التي شارك في تأسيسها محمد الخضر حسين، وأحمد تيمور، وعبد العزيز جاويش، ومحمد أحمد الغمراوي، وعبد الوهاب النجار، وحسن البنا، وصالح حرب.. وغيرهم، وقد أسندت رئاستها للدكتور عبد الحميد سعيد، فكانت هذه الجمعية في أول تأسيسها منارة إصلاح ورسالة توجيه وإرشاد.

وقد قامت مجلة (الفتح) بنشر أكثر ما يقال في منتديات جمعية الشبان المسلمين من محاضرات ودروس وندوات واحتفالات، وامتدت المجلة بموضوعاتها إلى تحليل معضلات العالم الإسلامي الرازح تحت وطأة الاستعمار.

كما أصدر محب الدين الخطيب مجلة (الزهراء) التي تُعنى بالبحث العلمي والنقد الموضوعي للأفكار الوافدة والمقولات الباطلة التي يرددها الببغاوات من تلامذة الغرب وفروخ الاستعمار وأدعياء الثقافة والأدب ورموز التغريب السائرين في ركاب المستشرقين والمستعمرين الصليبيين.

قالوا عنه

يقول الدكتور محمد رجب البيومي في كتابه القيم (النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين):

«... إن محب الدين الخطيب كان أمة في واحد، لأن أكثر حركات التحرر الإسلامي في الأمة العربية، عرفت منه الظهير المؤيد، والمقترح المصمم، ولكن طبيعة الجندي في نفسه، جعلته لا يطمح إلى منزلة القائد الرسمية، أما في الواقع العملي فهو قائد حقًا، وأنت حين تعرض أسماء: شكري القوتلي، وصالح حرب، ولطفي الحفار، ورفيق العظم، ومحمد كرد علي، وحسن البنا، وعبد الرحمن عزام، وعزيز المصري، وغيرهم، تجد ارتباطًا قويًا بينهم وبين محب الدين الخطيب في كثير من المواقف الحاسمة على مدى نصف قرن متطاول، لأن محب الدين الخطيب انتقل في دنيا الكفاح الإسلامي ما بين دمشق، وبيروت، وتركيا، والقاهرة، واليمن، ومكة المكرمة انتقال المكافح الذي يقف في مقدمة الصفوف» انتهى.

نشاطه

حقًا لقد كان الأستاذ محبّ الدين الخطيب متعاونًا مع كل العاملين للإسلام من الدعاة والمصلحين والزعماء المخلصين أمثال: محمد رشيد رضا، وشكيب أرسلان، وحسن البنا، وتقي الدين الهلالي، وغيرهم، وكان كخلية النحل في نشاطه وتحركه وصولاته وجولاته، إذ كان واسع الاتصال بالشخصيات الإسلامية في أنحاء العالم.

وقد أصدر بالتعاون مع حسن البنا وطنطاوي جوهري مجلة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية سنة 1933م.

ولقد حرصتُ على قراءة مجلدات مجلة (الفتح)، ومجلة (الزهراء)، و(الحديقة)، وكذا مجلة (المنار)، وبخاصة أعدادها الخمسة الأخيرة التي تولى إصدارها حسن البنا بعد وفاة مؤسسها محمد رشيد رضا.

كما كنت أقرأ مقالات محب الدين الخطيب التي يكتبها في مجلة (الشهاب) الشهرية التي يصدرها الإمام حسن البنا، وكذا مقالاته الأسبوعية في جريدة (الإخوان المسلمون) اليومية منذ صدورها عام 1946م إلى حين توقفها عن الصدور في 8/12/1948م بعد أن صدر الأمر من السفراء الثلاثة: الأمريكي، والبريطاني، والفرنسي، المجتمعين في معسكرات فايد البريطانية بالقاهرة إلى الملك فاروق والنقراشي بضرورة حل جماعة الإخوان المسلمين وبأسرع وقت لأنهم يشكّلون العقبة الكؤود أمام النفوذ الغربي والمشروع الصهيوني لإقامة دولة إسرائيل بفلسطين، ويحولون دون خضوع المنطقة العربية للغرب الصليبي، ولم يكتفوا بحل جماعة الإخوان ومصادرة ممتلكاتها ومؤسساتها، بل اعتقلوا جميع دعاتها بمصر ومجاهديها في فلسطين، ثم أغروا حكام مصر الطغاة باغتيال المرشد العام للإخوان المسلمين الإمام حسن البنَّا باعتباره العقل المدبر لمقاومة الاستعمار والصهيونية.

توليه مجلة الأزهر

ولم يتوقف الأستاذ محب الدين الخطيب عن الكتابة والنشر، بل استمر من خلال المكتبة السلفية، والمطبعة السلفية يُصدر الكتب والنشرات، ويحقق كتب التراث الإسلامي، ثم سعدنا به رئيسًا لتحرير مجلة «الأزهر» بناء على ترشيح شيخ الأزهر العلاّمة الإمام محمد الخضر حسين، ولقد كانت افتتاحيات محب الدين الخطيب زادًا لنا نحن الطلبة الأزهريين، تشحذ هممنا، وتُقوّي عزائمنا، وتستثير نخوتنا الإسلامية للذود عن الإسلام وحرماته، والتصدي لأعدائه في الداخل والخارج ممن ينالون من الإسلام، أو نبي الإسلام، أو صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

ولقد أسهم محب الدين الخطيب بعلمه الغزير وقلمه السيّال، في فضح دسائس الباطنية، وغلاة الرافضة، ومكائد الصهيونية، وسموم الاستعمار، وحقد المجوسية، ولن أنسى له توجيهاته لنا نحن الطلبة، وتحذيراته لنا من مؤامرات أعداء الإسلام، حيث كان يكرر في أحاديثه لنا بأن كل أنواع الهدم والتخريب والفساد والتدمير والكذب والتزوير الذي أصاب المسلمين في القديم والحديث سواء على مستوى اغتيال الخلفاء أو الإسرائيليات في التفسير والحديث، أو الطعن في الصحابة والتابعين، أو الدّس في السيرة والتاريخ، إنما هو من صنع اليهود والمجوس، لأنهم هم وراء كل ذلك، وهم الذين أنشؤوا الحركات الهدامة والجمعيات السرّية والفرق الباطنية، وما زال هذا شأنهم وديدنهم إلى اليوم، وهم يتوارون وراء أسماء براقة، ورايات متعددة، ومسميات مختلفة، وكلها تصُبّ في مجرى واحد يستهدف تقويض الإسلام، وإفساد أبنائه، وحرب دعاته، وسلب خيراته، وتحطيم مجتمعاته، وتدمير أسره وأفراده، فهم يملكون وسائل الإعلام والمال، وعصابات الربا والدعارة والمخدرات، ودور الفن والملاهي والقمار والخمر، وغيرها من وسائل الإفساد والهدم والتضليل والغواية التي تدمر الشباب، وتهدم مقومات المجتمع، وتُذيب هوية الأفراد، وتربط الأمة بذيل الغرب الاستعماري، مستعينين بتلامذتهم الذين رضعوا حضارة الغرب بخيرها وشرّها، وحلوها ومرّها، ما يُحمد منها وما يُعاب، فكانوا كالببغاوات التي تردد ما يُملى عليها دون وعي أو إدراك.

مؤلفاته وآثاره

لقد أسهم الأستاذ محب الدين الخطيب وأثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات وتحقيقات وتعليقات قيِّمة، مثل تحقيقاته وتعليقاته على:

- كتاب (العواصم من القواصم) لأبي بكر بن العربي

- وكتاب (مختصر التحفة الاثني عشرية) لولي الله الدهلوي

- وكتاب (المنتقى) للحافظ الذهبي

- وكتاب (الخطوط العريضة)

- وكتاب (الرعيل الأول)

- وكتاب (تقويمنا الشمسي)

- وكتاب (قصر الزهراء بالأندلس)

- وكتاب (الميسر والقداح) لابن قتيبة

- وكتاب (الخراج) لأبي يوسف

- وكتاب (تاريخ الدولة الناصرية) للسان الدين بن الخطيب

- وكتاب (ذكرى موقعة حطين)

- وكتاب (الأزهر ماضيه وحاضره والحاجة إلى إصلاحه)

- وكتاب (اتجاهات الموجات البشرية في جزيرة العرب)

فضلاً عن ترجماته ل:

- كتاب (مذكرات غليوم الثاني)

- وكتاب (قميص من نار) للكاتبة التركية خالدة أديب

- وكتاب (الدولة والجماعة) للمفكر التركي أحمد شعيب

- وكتاب (الغارة على العالم الإسلامي) للكاتب الفرنسي لوشاتليه

وغيرها من الكتب المؤلفة أو المحققة أو المترجمة، وكلها تدل على مدى الفهم العميق، والفقه الدقيق، والبصر الثاقب.

من أقواله

قال الأستاذ الخطيب في افتتاحية مجلة «الأزهر» عدد شهر جمادى الأولى (1374ه - 1954م):

«الحقائق التي توصَّل إليها العقل البشري في مراحل تفكيره وتجاربه وملاحظاته المتسلسلة بتسلسل الزمن «العلم عالمي لا تختص به أمة دون أمة.. ولا تحتكره قارّة من قارات الأرض فيكون غيرها عالة عليها فيه، إنه مشاع كالهواء الذي نتنفسه، وكالبحار التي تحيط باليابسة، لأنه مجموعة. فجدول الضرب من المعارف الإنسانية العريقة في القِدَم وسيبقى حاجة من الحاجات الأولية لطلاب علم الحساب في كل وطن، ولولا ما كان معروفًا قبل المسلمين من علم الحساب ما توصلوا إلى اتحاف الإنسانية بالحقائق الأوّلية من قواعد علم الجبر والمقابلة، ولولا علم الجبر والمقابلة الذي توصل علماؤنا إليه من مئات السنين لما تقدمت في العصور الأخيرة علوم الرياضيات التي وصلت بها الأعمال الهندسية إلى غايتها، ولا غضاضة على أمة تطلب العلم بها من حيث تجده.

وكذلك الطب وعلوم الطبيعة، لأن العلم واحد في كل أمة، وهو سبيل القوة في الحرب والسلام ولا بد من توصيله».

ومن أقواله أيضًا:

«علينا أن نأخذ من كل مكان ما نحن في حاجة إليه من أسباب العزة والقوة، وأن نحتفظ بكل ما في كياننا الوطني والديني مما لا يُعدّ من عوامل الذل وبواعث الوهن. وكل ما كان نستعيره من الأمم الأخرى محدودًا لا يتجاوز منفعته المؤكدة فإن ذلك أحرى ألا نذوب في غيرنا ونخرج من أنفسنا، فنحن نطلب من التجديد ما ننظم به حياتنا، وما نستغني به عن مصنوعات الأمم الأخرى بما ننتجه بأيدينا نحن».

وفاته

وقد انتقل إلى رحمة الله عام (1389ه/ - 1969م)، ودُفِنَ بمصر.

رحم الله أستاذنا العلاّمة محب الدين الخطيب، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين، خير ما يجزي عباده الصالحين، ونفع الله بذريته قصي محب الدين الخطيب وإخوانه.

وسوم: العدد 895