نبذة عن حياة الشيخ العلامه محمد جميل العقاد

محمد رائد العقاد

حلبي الولادة والوفاة ازهري النشأة والتعليم

fgdths933.jpg

       (١٣١٠. -١٣٨٧ )هـ  ( ١٨٩٣ -١٩٦٨ )م.

ولد الشيخ في منزل دين وعلم وتقى. فقد كان والده الشيخ محمد ياسين العقاد إمام وخطيب جامع (أبي درجين ) في حي الجلوم بحلب بموجب براءة شاهانية ممنوحة من قبل السلطان الغازي (عبد الحميد بن عبد المجيد )لازلت أحتفظ بها كما هي بعد أن قمت بترميمها.

لقد حفظ والدي القران غيباً وعمره سبع سنين، ونهل من علوم والده الشيخ الكثير، وحفظ من الآداب والأشعار والمتون ما خوله ليكون مدرسا في المدرسة الفاروقية بحلب والتي كان طلابها هم النخبة فيما بعد من وجوه سوريا و قد زامل فيها الشيخ المؤرخ راغب الطباخ كمدرس فيها ثم تاقت نفسه للاستزادة من العلوم فتوجه إلى الازهر الشريف في مصر. فمكث فيه أربعة عشر عاما متواصلا لم يغادر فيها مصر مطلقا فصبغته بالصبغة المصرية حتى وفاته رحمه الله.

شيوخه

وقد تتلمذ على ايدي ثلة من مشايخ  وأساتذة الازهر الشريف منهم: 

الشيخ محمد بخيت المطيعي.  

 الشيخ احمد مصطفى المراغي.    

 الشيخ محمد الخضر الحسين.   

 الشيخ عبد الخالق عمر.      

 الشيخ محمد عبد المطلب.   

  الشيخ عيسى منون.   

 الشيخ عيسى سلامه.   

الشيخ عبد السلام شرف.   

  الشيخ محمود مصطفى

وحصل على الشهادات التاليه:

 

الاهليه للغرباء عام ١٩٢٧.         

  العالميه للغرباء عام ١٩٢٩    

    شهادة الاستماع عام  ١٩٣٠

وهي في اختصاصات :  الفقه وأصوله. التفسير.   الحديث ومصطلحه.   التوحيد.   النحو.   الصرف.   المعاني.   البديع   المنطق    البلاغه  كان رحمه الله يطبق الحديث القائل : (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ) فقد كان رحمه الله في النهار طالبا في الازهر وفي المساء واعظا ومرشدا متنقلا كما كان خلال فترة الصيف يتنقل بين ارياف مصر واعظا وداعياً الى الله بقلب مخلص مما كان سببا في هداية سبع وعشرين قبطي اعتنقوا الاسلام طواعية واختيارا كان اولهم شماساً في الكنيسة اسمه ( مجلي اسحاق جرجس) فأسماه والدي (محد جميل المهتدي)نظم قصيدة يشكرفيها والدي على هدايته فرد عليه والدي بقصيدة تهنئة.

وكان آخر القافلة  قسيساً. جاء الى مسجد والدي بكامل ثيابه الكهنوتية.  وأشهرإسلامه في المسجد مع والدي ونتيجة  لذلك. توجه وفد من الأقباط إلى وزير الداخلية  المصري انذاك مطالبين بابعاد ونفي محمد جميل عقاد إلى بلده حلب. فعارضهم الوزير مدافعا عن والدي بقوله: إنه استخدم  العقل والمنطق  والحجة ولم يستخدم الأساليب التي يتبعها مبشروكم علما بان الوزير لم يكن يعرف والدي شخصيا إنما كان يعرفه من خلال الدعوات والندوات التي يقيمها والدي في الجوامع والمساجد والجمعيات الخيربة وقد ترافق وجود والدي في مصر ظهور الأديب طه حسين الذي كان معاديا للإسلام فعارضه والدي ، ونظم قصيدة يهجوه فيها وذلك بعد محاكمة مجلس النواب المصري لطه حسين  واقراره بحرق كتبه ومصادرتها ولدي نسخة من محضر مجلس النواب المصري لمحاكمته ، ثم عاد والدي الى بلده حلب عام ١٩٣٦ م. و١٣٥٤ هـ. فعين مدرسا للغة العربية والديانة الإسلامية في ثانوية المأمون التي كانت تدعى التجهيز الأولى وقد تخرج من بين يديه فيها العديد العديد من وجهاء حلب وأعيانها وعلمائها ومفكريها

كما عين خطيبا في الجامع الاموي الكبير بحلب كان في حلب يومها  ( ٣٦٠ ) بين جامع ومسجد ومصلى زارها جميعا وأدى واجب الدعوة في كل منها.

كان رحمه الله يزور الأرياف والقرى. واعظا ومعلما ومرشدا وله في كل منها موقف وذكرى خاصه كان ذا مدرسة وحيدة في الوعظ والإرشاد فقد كانت خطبته لا تتجاوز خمسة عشر دقيقة ذات موضوع واحد يبدأها بترديد الاية الموضوع ثلاث مرات ثم  يثني بالحديث النبوي المرافق ويكرره  ثلاثاً ثم يشرحهما ويستنتج  منهما ما يلزم  وينصح من يرغب في الاستزادة من الشرح وطرح الاسئلة البقاء بعد صلاة الجمعة لحضور جلسة حرة فيها .

كان رحمه الله اول داعية يدخل السجن بقصد الوعظ والهداية مجانا لوجه الله.

كان له ندوة مساء كل أربعاء في منزله يحضرها العديد من العلماء والمفكرين والأدباء  وعامة الشعب كانت طريقته في التعليم تعتمد على إملاء الأحاديث والايات والحكم على  الكتبة من طلابه ثم يعيدها ثلاثا  ثم يطلب من الكتبة اعادة ما كتبوه ليسمع الحضور ثم يطلب من الحضور ترديد ما أملاه معه عليهم، وذلك حتى يحفظ الجميع حتى ولو كان اميا كان اذا لاحظ بداية ملل عند الحضور توقف عن الدرس وتوجه الى النكات والاناشيد التي يقدمها من يحضر من المنشدين  وبشكل جماعي مع الحضورفيذهب السأم ويتنشط الجميع ثم يعود للدرس.

كان يحب الاطفال والصغار ويشجعهم بشتى الوسائل ويقربهم منه خلال درسه ويحاول أن يبث فيهم روحه قائلاً لهم : اذا مات جميل عقاد فان كلاً منكم سيغدو. جميل عقاد.

كان يقدر العلماء والمشايخ ويحترمهم ويقول : الشيوخ كالزهور وإذا ما زاره أحد العلماء في درسه طلب منه إلقاء موعظة  على طلابه  بحضوره.

في عام 1958  عام الوحدة بين سوريا ومصر زار حلب أستاذه الشيخ الخضر الحسين وحضر صلاة الجمعة في الجامع الاموي الكبير في حلب دون إعلام والدي الخطيب  ولما ارتقى والدي المنبر ولمح بين الحضور شيخه  توقف عن الخطبة، ونزل فقبل يد أستاذه ودعاه لإلقاء الخطبة فاعتذر لكبر سنه  وقبل بأن يؤم المصلين، وبعد ذلك قام والدي بواجبه تجاه شيخه ثم نظم قصيدة يرحب فيها بشيخه ويمدحه فيها وهذه القصيدة موجودة في ديوانه رحمه الله.

كان رحمه الله شاعرا مرهف الإحساس لا تمر مناسبة الا وينظم فيها قصيدة شعريه ومن غرر قصائده قصيدة القران تضم ستا و سبعين بيتا،  وقصيدة  ملحمة السيرة النبوية،  وعدد ابياتها مئتان وثلاث واربعون بيتا

وقد بلغ عدد ابيات الشعر التي نظمها في قصائد قرابة خمسة الاف بيت من الشعر.

وقد أعطيتها للأستاذ  الفاضل عدنان كاتبي فنظَّمها ورتَّبها وشرح مفرداتها وعرف أعلامها، وصنفها في كتاب اسمه ( ديوان العلامة الشيخ محمد جميل العقاد)، وقدقام الدكتور المرحوم عصام قصبجي بدراسة عروضها،  وقامت بطبعه مكتبة فصلت العائدة للدكتور محمود عكام، وقد قام اخي المهندس محمد سداد عقاد جزاه الله الخير بدفع تكاليف الطباعة والنشر .

  وقد قمت انا بعد ذلك بتاليف ونشر كتاب عن والدي بعنوان: (الشيخ محمد جميل العقاد  سيره و مواقف ) سردت فيه سيرة حياته و بعضا من مواقف حياته ثم عرضت نماذج من شعره.

كان رحمه الله يرغب في ستينيات القرن الماضي في تجميع أفراد أسرة العقاد عن طريق دعوتهم لاجتماع في كل يوم جمعة في منزل فرد من أفراد الأسره يتخلله موعظة قصيرة ثم تداول في شؤون الاسرة وقد قام السيد محمد العقاد ( ابو جلال وهو خالي من الرضاعة كونه ابن خالة لامي ) قام بفتح سجل ضخم لجميع أفراد الأسره فسجل فيها الكثير الكثير من أفراد الأسره الا ان وفاة والدي عام 1968 ومخلفات حرب عام 1967  حالت دون إكمال المشروع وقد احتفظ السيد ايمن ابن المهندس منير عقاد رحمه الله بهذا السجل عنده.

كانت له نظرة ثاقبة بشأن النفط ففي عام ١٩٣٦نظم قصيدة قال فيها:

فالنفط في اوطانكم هو روحهم.         صونوه قسراً عن حماهم يصغروا

يأتوكم متواضعين.  اذلة.                يرجون عطفاً  منكم ان تنطروا

كما كانت عين ثاقبة اخرى بشأن فلسطين ففي عام. ١٩٣٧  قال في قصيدة له:

اني ارى خطراً يحيق بقدسنا.      حتم علينا في  الحياة. جهاد

غيثوا فلسطينا. تمادى خصمها      وطغى وجار كل ذاك عناد

لاتخذلوهم انهم  انصارنا.           صانوا البراق. بفعلهم واشادوا

وقال في قصيدة اخرى عن فلسطين:

  جزء  سوريا. الجنوبي.        غير هذا الاسم. كذب

ثم يدعو للجهاد في سبيل إنقاذها:

  واكرعوا  الموت. هنيئاً.   فهو للاحرار نخب 

الواعظ السيارة

كان رحمه الله يدعى بالمدرسة السياره فحيثما حل يعظ.

ففي الافراح يعظ ويوجه ، وفي الأحزان يعظ ويخفف المصاب، وفي السيارة العامة يوجه لتجنب الأخطاء ، وفي الأسواق يعظ ويجيب على تساؤلات المستفسرين.

ويوم وفاته خرجت حلب كلها في تشييعه إلى مثواه الاخير في مقبرة الصالحين بحلب فقد غصَّت ساحة الجامع الأموي الكبير بحلب وحرمه وأروقته والشوارع الموصلة له بالمشيعين  الذين امتد رتلهم من الجامع الكبير إلى مقبرة الصالحين سيراً على الاقدام.

سأذكر الان كرامة له رحمه الله تعالى:

عند وفاته ذهبت انا الى مكتب دفن الموتى لاعلمهم بوفاته وطلبت من الموظف  المسؤول أن يهتم بجنازته ويرسل أفضل الاشياء فقال لي : هل اسمع توصيتك انت ام توصيته هو؟ قلت: ومن هو؟!! قال : لقد جاءني والدك قبل أيام ، وقال لي: يا بني أنا متوفىً بعد أيام وأولادي لازالو صغارً ولايعرفون بامور الجنازة فاهتم بجنازتي وارسل لي الافضل

رحم الله والدي الشيخ محمد جميل العقاد، وأسكنه فسيح جناته، وحشرنا معه تحت لواء سيد المرسلين 

في الختام لنهدي رسول الله ووالدي تلاوة سورة الفاتحه.

وسوم: العدد 933