ولا تموتُنّ إلّا وأنتم مسلمون

م. محمد عادل فارس

أولاً: حُسن الخاتمة

حُسن الخاتمة هو أن يُوفَّق العبد قبل موته للابتعاد عما يُغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته على هذه الحال الحسنة. ومما يدل على هذا المعنى ما صحَّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله". قالوا: كيف استعمله؟. قال صلّى الله عليه وسلّم: "يوفّقه لعمل صالح قبل موته". رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه الحاكم في المستدرك.

ولحُسن الخاتمة علامات، منها ما يعرفه العبد المحتَضَرُ عند احتضاره، ومنها ما يظهر للناس.

أما العلامة التي يظهر بها للعبد حُسن خاتمته فهي ما يُبشَّر به عند موته من رضى الله تعالى واستحقاق كرامته تفضّلاً منه تعالى، كما قال جلّ وعلا: (إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكةُ ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم تُوعدون). {سورة فصّلت: 30}. وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم، وفي قبورهم، وعند بعثهم من قبورهم.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ اللهُ لقاءه، ومَن كرِهَ لقاءَ الله كرهَ اللهُ لقاءه". فقلت: يا نبيّ الله! أكراهية الموت؟ فكلّنا نكره الموت؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: "ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله ورضوانه وجنّته أحبّ لقاء الله، وإنّ الكافر إذا بُشّر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه".

وفي معنى هذا الحديث قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلّام: ليس وجهَهُ عندي كراهةُ الموت وشدّته، لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكنّ المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة. وقال: ومما يبيّن ذلك أن الله تعالى عاب قوماً بِحبّ الدنيا فقال: (إنّ الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنّوا بها). {سورة يونس: 7}.

وأما عن علامات حُسن الخاتمة التي تظهر للناس فهي كثيرة، وقد تتبَّعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك، ومنها:

- النطق بالشهادة عند الموت: ودليله ما رواه الحاكم وغيره أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخلَ الجنّة".

- ومنها الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله، أو موته غازياً في سبيل الله، أو موته بمرض الطاعون أو بداء البطن كالاستسقاء ونحوه، أو موته غرقاً، ودليل ما تقدم، ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "ما تَعُدّون الشهيد فيكم؟". قالوا: يا رسول الله، من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: "إن شهداء أمتي إذاً لقليل". قالوا: فمن هم يا رسول الله؟. قال صلّى الله عليه وسلّم: "مَن قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومَن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومَن مات في الطاعون فهو شهيد، ومَن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد".

- ومنها: الموت بسبب الهدم، لما رواه البخاري ومسلم عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله".

- ومنها أيضاً ما دلّ عليه ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: "مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد".

- ومنها: الموت رباطاً في سبيل الله، لما رواه مسلم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأُمِنَ الفتّان".

- ومن علامات حُسن الخاتمة الموت على عمل صالح، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله خُتم له بها دخل الجنة، ومَن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة، ومن تصدّق بصدقةٍ ختم له بها دخل الجنة". رواه الإمام أحمد وغيره.

- واعلم أخي الكريم أن ظهور شيء من هذه العلامات أو وقوعها للميت، لا يلزم منه الجزمُ بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يُستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه الحكم بأنه غير صالح أو نحو ذلك. فهذا كله من الغيب.

أسباب حُسن الخاتمة:

- من أعظمها: أن يلزم الإنسان طاعة الله وتقواه، ورأس ذلك وأساسه تحقيق التوحيد، والحذر من ارتكاب المحرّمات، والمبادرة إلى التوبة مما تلطّخ به المرء منها، وأعظم ذلك الشرك كبيرُهُ وصغيرُه.

- ومنها: أن يلحّ المرء في دعاء الله تعالى أن يتوفّاه على الإيمان والتقوى.

- ومنها: أن يعمل الإنسان جهده وطاقته في إصلاح ظاهره وباطنه، وأن تكون نيّته وقصده متوجهة لتحقيق ذلك، فقد جرت سنة الكريم سبحانه أن يوفِّق طالب الحق إليه، وأن يثبته عليه، وأن يختم له به.

ثانياً: سوء الخاتمة

- الخاتمة السيئة هي: أن تكون وفاة الإنسان وهو مُعرِض عن ربه جل وعلا، مقيم على مساخطه سبحانه، مضيّع لما أوجب الله عليه، ولا ريب أن تلك نهاية بئيسة، طالما خافها المتّقون، وتضرّعوا إلى ربهم سبحانه أن يجنّبهم إياها.

- وقد تظهر على بعض المحتضرين علامات أو أحوال تدل على سوء الخاتمة، مثل الإعراض عن نطق الشهادة - شهادة لا إله إلا الله - ورفض ذلك، والتحدّث في سياق الموت بالسيئات والمحرّمات وإظهار التعلّق بها، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تدل على الإعراض عن دين الله تعالى والتبرّم بنزول قضائه.

- وسوء الخاتمة على رتبتين، نعوذ باللّه من ذلك:

- الأولى وهي العظيمة والشنيعة: فهي أن يغلب على القلب، عند سكرات الموت وظهور أهواله، إما الشك وإما الجحود، فتُقبض الروح على تلك الحال.

- والثانية وهي دونها: أن يغلب على قلبه عند الموت حُبّ أمرٍ من أمور الدنيا، أو شهوة من شهواتها المحرّمة، فيتمثّل له ذلك في قلبه، والمرء يموت على ما عاش عليه، فإن كان ممن يتعاطون المحرّمات فقد يختم له بذلك.

أسباب سوء الخاتمة:

- وبهذا يُعلم أن سوء الخاتمة يرجع لأسباب سابقة، يجب الحذر منها.

- ومن أعظمها: فساد الاعتقاد، فإن من فسدت عقيدته ظهر عليه أثر ذلك أحوج ما يكون إلى العون والتثبيت من الله تعالى.

- ومنها: الإقبال على الدنيا والتعلّق بها.

- ومنها: العدول عن الاستقامة والإعراض عن الخير والهدى.

- ومنها: الإصرار على المعاصي وإلفُها، فإن الإنسان إذا ألف شيئاً مدة حياته وأحبّه وتعلّق به، يعود ذكره إليه عند الموت، ويردده حال الاحتضار في كثير من الأحيان.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة. قال تعالى: (وكان الشيطان للإنسان خذولاً). {سورة الفرقان: 29}.

- وسوء الخاتمة، أعاذنا الله منها، لا يقع فيها مَن صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يُسمع به، وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقداً، وظاهره عملاً، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة.

لأجل ذلك كان جديراً بالعاقل أن يحذر مِن تعلُّق قلبه بشيء من المحرمات، وجديراً به أن يُلزِم قلبه ولسانه وجوارحه ذكر الله تعالى، وأن يحافظ على طاعة الله حيثما كان.

اللهم اجعل خير أيامنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه، اللهم وفّقنا جميعاً لفعل الخيرات واجتناب المنكرات. وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه.

وسوم: العدد 914