أظلكم رجب الفرد .. شهر الله الحرام

زهير سالم*

هلال خير ورشد ، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام ، واجعله شهرا مباركا علينا بطاعتك، ولا تجعله شؤما علينا بمعصيتك. فرج كروبنا، واغفر ذنوبنا، وردنا إلى أوطاننا غير خزايا ولا نادمين . وزوّل العاجزين والظالمين والمستبدين والفاسدين عنا ..

وأظلكم شهر رجب ..شهر الله الحرام

وتسميه العرب رجب مضر ورجب الفرد، لانفراده بالحرمة عن سائر الأشهر الحرم المتتابعة ذو القعدة وذو الحجة ومحرم .. وفي الأثر " ثلاثة سرد وواحد فرد"

واشتقت العرب اسم رجب من الترجيب وهو التعظيم . وكانوا إذا حملت الشجرة أو النخلة فأثقلها حملُها رجّبوها ، أي أسندوها بدعائم من يمينها وشمالها. والترجيب أيضا صخور عظيمة كان العرب يذبحون عليها ذبائحهم يقول سلامة بن جندل :

والخيل أسابي الدماء بها ...كأن أعناقها أنصاب ترجيب

يقصد أن خطوط الدماء تطرز أعناق خيولهم كما تُطرز بالدم الأنصاب التي يذبحون عليها. ومن أجمل ما في هذه القصيدة بيتها الذائع الرائع ، الذي يختصر فيها حياة العربي المجد الجاد ، وليس الهازل المائع :

يومان، يوم مقامة وأندية .. ويوم سير إلى الأعداء تأويب

أي أن حياتهم يومان ، يوم للندوة، ويوم للحرب، والسير إلى الأعداء مرة بعد مرة. وقد هان وذل وضاع وأضاع ، من جعل كل حياته للندوة ، ومضغ الكلم ، ومخض الماء ..تقول العرب :

وبعض القول ليس له عناج ... كمخض الماء ليس له إتاء

يعنون أن الذي يقتصر عمله على زخرفة الكلام كالحمقاء التي تضع في شكوتها ماء مكان اللبن، فتمخض وتنظر.. لله عقول الحمقى ماذا ينتظرون؟؟؟؟

وقد كان أهل الجاهلية يعظمون رجبا، ويخصونه بعمرة ، ولذا حرّموا القتال فيه. وأقر الإسلام حرمة رجب، وتعظيمه ، ولا يجوز القتال في الشهر الحرام إلا دفعا. قال تعالى ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ )

وخُص شهر رجب بأنواع من الوظائف. ولابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى، كتاب مفيد عنوانه " اللطائف بما في الأيام والشهور من الوظائف" تحدث عما في شهور السنة من القربات ، وخص فيه شهر رجب ببعض ما شُرع فيه . فلا تتكاسل أن تضع العنوان على الشبكة فتتعرف على ما في شهرك هذه من شعائر ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )

وأصح الروايات أن شهر رجب احتوى واقعة الإسراء والمعراج ، وأنها كانت في الليلة السابعة والعشرين منه. والإسراء هو رحلة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المسجد الأقصى ، بصحبة سيدنا جبريل. والمعراج هو عروجه صلى الله عليه وسلم مع سيدنا جبريل إلى سدرة المنتهى حيث كان قاب قوسين أو أدنى.

بارك الله لنا في رجبنا ، وجعله مرقاة إلى الفرج الذي ننتظر ، وبلغنا جميعا رمضان، وأعاننا على صيامه وقيامه ، وتسلمه منا كاملا غير منقوص ..

هبت نسائم الخير فيا باغي الخير ..

اللهم إنك تعلم أنا ما أردنا من هذا الأمر الذي نحن منذ نصف قرن فيه علوا في الأرض ولا فسادا ، وقد ضاق الحبل على الودج ، يا خالقنا يا رازقنا عجل بالنصر وبالفرج.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 916