عن ليلة النصف من شعبان أتحدث.. كنت أظن هذا من حكايات الجدات عندنا في حلب
وقال غير قليل من المفسرين، عن ليلة النصف من شعبان: إنها هي المقصودة بقوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)
وجمعوا بينها وبين ليلة القدر، لقوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) فقالوا في ليلة النصف من شعبان تنسخ الآجال والأرزاق وما سيكون في ذلك العام، وفي ليلة القدر يتحول أمر التنفيذ إلى الملائكة.
ووجدت أعمدة من أهل التفسير يتناوبون على هذه الأقوال. ومنهم من يصحح ومنهم من يحسن ومنهم من يضعف. أي منهم من يجزم ان المقصود بالليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هو ليلة القدر، ومنهم من يقول بل المقصود ليلة النصف من شعبان، ويجمع ويوفق بين الأقوال.
وحكاية جداتنا في حلب أن شهر شعبان شهر نسخ أو تقرير الآجال، والأرزاق. والأحداث الكبرى في ذلك العام. ويقلن "جاء شعبان فهيئوا الأكفان" فكم من غاد ورائح نسجت أكفانه وهو لا يدري..
ومن حكاياتهن : على شجرة الحياة تصفر ورقة من قُدّر عليه الموت في ليلة النصف من شعبان من عامه الذي يموت فيه ، حتى إذا حكمت اللحظة عند النفس المعدود "أنفاس معدودة في أماكن محدودة" و"أنفاس العبد خطاه إلى قبره" فإذا بلغ الخطوة الأخيرة أو النفس الأخير، ذرت بتلك الورقة المصفرة على غصنها، الذاريات، والذاريات ذروا، هي الملائكة أو هي الرياح، ومما قال بعضهم: ومن عوالم الملائك هذه النواميس والأسباب المسببة بأمر الله. لا تتخلف عن طاعة مسببها (لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
وكنت أظن، و(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) أن ما تحكيه جداتنا هو من الميثولوجيا، التي تنتشر على ألسنة الناس!! فإذا هو بعد التحقيق بعضُ العلم الذي غفل عن تذكيرنا به المذكرون. ومن عادتي أن أشير إلى بعض العلوم مع سرعة الانتشار أنها علوم وأفكار وفقه وتفاسير وأنماط تفكير وسلوك معطرة برائحة النفط التي تغلبت- مع الأسف/ على رائحة الغار. لم يعودوا يذكرون في ليلة النصف من شعبان: بقوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يخافون من غضبً "عبيطان" ولا أحصي عدد مرات الذي سمعته على ألسنة أئمة مساجدنا الفقراء في حلب.. تأمل قولي الفقراء!! إذ ما أجملهم وما أكملهم وما أصدقهم عندما كانوا كذلك..
يتحدث الإمام الطبري في تفسيره عن قوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) عن قولين، في أحدهما، أنها ليلة النصف من شعبان. والقول في ذلك كما ينقل غيره مروي على ابن عباس. وحسبك بابن عباس ، رضي الله عنه وعن أبيه، قال تنسخ الآجال في ليلة النصف من اللوح المحفوظ، وتبلغ للملائكة في ليلة القدر. وقال السيوطي إسناد هذه الرواية صحيح لا غبار عليه.
وكنت في صغري أسمع مثل هذه التقريرات من مشايخنا في حلب، ولما أكثر علينا وعليهم القائلون بتضعيف القول، ظنناه من ميثولوجيا الجدات والعمات والخالات..
عودوا إلى كتب التفسير..
وانتقلوا بين حياضها وورودها، واسألوا عن قوله تعالى:
( حمۤ ١ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ ٢ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ٣ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)
تجدون ما يشفي الغليل ويبل الصدى. واعلموا ان خير ذخركم ما كان في كتب أولكم. لم يكن لهم في العلم مأرب من قبيل "خالف لتشهر أو لتعرف"
ولا تنسوا أن العلم علمان: علم رواية وله قواعد وأصول، وعلم دراية له مثلهما.
وتأكدوا أن في تفسير قوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قولين، أولهما ليلة القدر وهو الأشهر والأرجح، وثانيهما هو ليلة النصف من شعبان وبه قول لفيف لا يستهان به من أهل العلم…
وإنما أردت أن أنشد لنفسي لعلها هذا العام كان وقت اصفرار ورقتي
تزود مــــــن التقــــــوى فإنــــــك لا تدري…إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكاً…وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكــــــم من عروس زينــــــوها لزوجهــــــا…وقد قبضت أرواحهم ليلــــــة القــــــدر
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم…وقد أدخلت أجســـادهم ظلمة القبر
وكم من صحيح مات من غير علة…وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
ورضي الله عن سيدنا الإمام محمد بن إدريس الشافعي. واكتشفت لكم أمرا محدثا شدة حملة اللائيكيين العرب عليه، وعلى كتابه الرسالة. قطع نياط قلوبهم.
وسوم: العدد 1071