قيود

إيمان قـاسم

بعض القيود تكون ظالمة وقاسية ، وليس لها وجهُ حق في أن يصبر الإنسان على شدتها وآلامها . ولا أن يستسلم لعنفوانها ، فالباطل مرفوض بأي شكل جاء . وصديقتي هذه أعرف سيرتها الحميدة ، واستقامة تعاملها مع محيطها الأسري والمجتمعي . ولأنها مكبلة بتلك القيود الموصوفة فيما ذكرتُ ... كانت تُرغم نفسها دائما على التخلّي عن حقوقها المشروعة ، ومع ازدياد وتيرة القسوة لم تتحمل فكرة  محاولة التغلب على تلك القيود لمرّاتٍ عديدةٍ ، فلربما  تجد التخلّص من تلك المرارت ، ولكن لامناص ولا مهرب  ، وحين اشتدّت حاجتها إلى تلك المحاولات غامرت  رغم أن الساعات الأولى بعد القرارات الحاسمة عادة ما تكون مؤلمة ، لكن وقع وجعها يخف مع مرور الوقت حين تدفن صوت أنينها بين ثنايا ضجيج صراعها اليومي مع نفسها  ، وربما تسللت خططها وأمانيها من خلال مسارت جديدة ولو خلسة  لتحدث بيئة جديدة في جهة أخرى .

القيود الثقيلة تجلب الهم ، وتشعل نار الكآبة ، وتفتح لليأس أبوابا تهجم من خلالها وساوس الشيطان ، وتضعف عوامل الثقة بالنفس ، فيكون التوتر الذي يُشعر بالإحباط ، بل وبفقدان الأمل .  وهنا تتبعثر مقومات الإنسان الذي يعتمد على مامنحه الله من ثقة به ، وبقوة تبدل حاله من حال إلى حال . فالصبر على مرارة القيود ، والثبات على مالدى الإنسان من مزايا عاليات  تأبى عليه الهزيمة ، وتدفعه بالعزيمة إلى آفاق المستقبل من بوابة أخرى لاتُغلق في وجه نفس آمنت بالله رب العالمين . وفي الحياة عبر ، ودوام الحال ــ أي حال ــ من المحال .

ولله نفحات تبشر بالفرج بعد الضيق ، وباليسر بعد العسر ، وبالإلهام الذي تستشعره النفس المطمئنة في ساعات ليلها ونهارها . ألا فَلْيُحَسِّن القلب ظنه بالله ، وَلْينطلق اللسان بذكره سبحانه ، وَلْيرفع العبد يديه في جوف الليل قائلا : يارب ، يارب ، يارب ... فلا يستبعد الإنسان أن يبدل الله عسره يسرا ، وتنكسر القيود . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ) قال الله عزَّ وجلَّ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرَّب إلي شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرَّب إلي ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي، أقبلت إليه أهرول .وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:   ( قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة) .

وسوم: العدد 933