العراق سفينة متهالكة وآيلة للغرق

ان المخاوف التقليدية التي تنتاب قوات الأحتلال الامريكية والحكومة العراقية من تردي ألاوضاع الراهنة تشير بوضوح الى أن مجرى الرياح في العراق بدأ يتخذ اتجاهات معاكسة لرغبة السفان الامريكي وطاقمه العراقي، كما قال المتنبي" تجري الرياح بما لا تشتهيه السَفَن". وبدأت رياح السموم تقلق هذه القوات وحلفائها بشكل جدي، رغم قيامها بتوسيع دائرة التآمر وهو تآمر مكشوف ومرهون بظروف متغيرة لا يمكن الأعتداد بها، كما انه يتجاوز طاقة الطاقم وربانه، و يثير ردود فعل متفاوتة على الصعيد الوطني والعربي والدولي، فقد اصبحت ادارة دفة السفينة عبء كبير لايطيق الربان الامريكي تحمله، وان نائب الربان الفارسي أخذ دور الربان الامريكي كاملا في قيادة السفينة وتحديد مسارها، مستعينا ببوصلة الولي الفقيه، كما أن ثقة الركاب باتت محدودة بكفاءة الربان ونائبه الفارسي والطاقم العراقي وقدرتهم على أيصال السفينة الى مرفأ الأمان، او على الأقل ضمان عدم تحطمها بالكامل، حاملة معها كل حمولتها الى القاع العميق.

العراق اليوم دولة آيلة الى السقوط الحتمي في ظل الجمود الأمريكي تجاه التغول الايراني في كل مقدرات العراق، سيما ان الميليشيات الولائية باتت هي التي تتحكم بالقرار السياسي، والرئيس الأمريكي يخشى من وضح حد لهذه الميليشيات الإرهابية على الرغم من مزاعمه بمحاربة الإرهاب، فهو يعتبر النظام الإيراني الراعي الأول للإرهاب الدولي، مع هذا فهو يتفاوض مع راعية الإرهاب. كما انه على علم بأن الميليشيات الولائية في العراق وسوريا ولبنان واليمن هي أذرع الأخطبوط الايراني، وهي اوراق ضغط لنظام الملالي في جميع مفاوضاته النووية وغير النووية، وان قطع هذه الإذرع ستجعل الخامنئي في حال عطل تام.

ويعلم الرئيس بايدن بأن نظيره السابق ترامب كان على حق في شدٌ قبضته على رقبة الولي الفقيه وخنقه اقتصاديا، فهو نظام ارهابي دموي لا يؤتمن جانبه مع شعبه، فكيف مع بقية الشعوب؟

على الرغم من تبجح الرئيس بايدن بملفات حقوق الإنسان كأولويه في سياسته الخارجية كما أعلن في حملته الإنتخابية، فأنه تناول الكثير من هذه الملفات التي تتعلق بالصين وروسيا والسعودية ومصر ولبنان وسوريا وغيرها من الدول، لكن الغريب في الأمر انه لم يتطرق مطلقا الى ملفي حقوق اللإنسان في ايران والعراق على الرغم من إنهما من أخطر ملفات حقوق الإنسان في العالم.

ويعلم الرئيس بايدن ان تجربة الرئيس السابق اوباما مع نظام الملالي، كانت أسوأ طريقة في التعامل الأمريكي، فالمليارات المجمدة التي أفرج عنها الرئيس الأسود في البيت الأبيض تحولت الى جيوب الإرهابيين، ولم يلمس الشعب الإيراني أية منفعة منها. ان كراهية الرئيس اوباما للعرب عموما والسعودية خصوصا، وحبه للفرس هو الذي فتح قفص الذئاب الفارسية لتفتك بشعوب المنطقة، فالولايات المتحدة تتحمل جميع المآسي والكوارث التي تعرضت وتتعرض لها شعوب المنطقة، وما هيمنه ايران على المنطقة إلا بتشجيع الولايات المتحدة، ولا يمكن تفسير السكوت الأمريكي تجاه التغول الايراني في المنطقة بالحياد أو عدم الرضا، المنطق العقلاني يرفض هذا التبرير ويستسخفه.

فشلت الولايات المتحدة فشلا مريعا في إحتلال العراق، وتسويق تبريرات الغزو، فهي في موقف حرج تجاه شعبها والعالم كله، على إعتبار انها من أتت بالتجربة الديمقراطية الجديدة الى العراق، وحاولت نقله من الدكتاتورية الى عالم الحرية والديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، كما تزعم، وكانت النتائج معاكسة تماما في جميع الصعد. ولم تستطع على أقل تقدير تسويق هذه التجربة للعالم، فلا يمكن لصانع الديمقراطية ان يصارح شعبه والعالم بأن تجربته الديمقراطية في العراق كانت فاشلة وفق كل المقاييس.

ولا يمكن ان تبرر الإدارة الأمريكية غزوها لممولي الحرب من كبار أصحاب رؤوس الأموال، ممن وعدتهم بإستثمارات هائلة في العراق بعد الغزو عبر إعادة إعمار ما دمرته الحرب. فقد خرجت من العراق فاضية اليدين فلا نفط ولا استثمارات امريكية، لقد تحولت هذا الموارد العراقية الى العدوين الايراني والصيني، وكما ابتلعت الصين ولاية الفقيه في ايران، فإنها ستبتلع ايضا ولاية السيستاني في العراق.

كذلك لا يمكن تبرير غزو العراق تحت ذريعة محاولة إمتلاكه أسلحة الدمار الشامل، فقد تبين بطلان هذه الحجة بإعتراف كبار المسؤواين في الإدارة الامريكية، وكشفت الولايات المتحدة عن إزدواجية المعايير في تعاملها مع دول العالم، فقد كان العراق متعاونا مع فرق التفتيش الدولية، على العكس من نظام الملالي المتغطرس، فهو لا يحترم الإرادة الدولية عبر نبرة التحدي برفع مستويات تخصيب اليورانيوم، والولايات المتحدة بدلا من أن تتخذ موقفا صارما تجاه هذا التحدي، تطالب إسرائيل بتخفيف مواقفها والحد من ضرباتها سواء داخل ايران او معسكرات الميليشيات الولائية في سوريا، وهذه المواقف الامريكية والأوربية المتخاذلة تحت مسمى الدبلوماسية الناعمة، تشجع النظام الايراني على التمادي في تحديه للمجتمع الدولي، وفرض شروطه.

كما ان مسألة تبرير الغزو بإعتبار العراق من دول محور الشر، وانه يرعى تنظيم القاعدة الإرهابي، تبين كذب التبرير، فلم تثبت وجود اية علاقة للعراق بتنظيم القاعدة، والأمر من هذا ان كبار قادة تنظيم القاعدة مقيمون في ايران، وترفض ايران تسليم القادة الإرهابيين الى الولايات المتحدة. بل إن الزرقاوي بعد مقتله تبين أنه كان مقيما في إيران، وتوجد عدة تأشيرات في جواز سفرة تبين دخوله لإيران عدة مرات، ومنها الى العراق حيث فطس.

دمرت الولايات المتحدة افغانستان والعراق، وسلمتهما الى ايران، وانسحاب القوات الامريكية من افغانستان تعني إعادة اللعبة، فطلبان ستعيد سيطرتها لاحقا على افغانستان، والحكومة الأفغانية لا تختلف في ضعفها عن الحكومة العراقية، فلماذا غزا الأمريكان إفغانستان ولماذا انسحبوا منها طالما ان البلد لم يستقر أمنيا بعد؟ اية مسرحية هذه؟

العراق اليوم مهدد بالزوال ككيان ودولة وشعب وأرض وحضارة وتأريخ وهوية وتحاول الحكومة العراقية العميلة البحث عن مخرج لهما من هذه الورطة مع توفير الظروف الملائمة للحفاظ على مكاسبها حاضراً ومستقبلاً، وقد باتت ازمتها حقيقة رغم عدم وضوح بعض ملامحها للرأي العام ويرجع ذلك لعدة عوامل منها ماكنة الأعلام الأمريكي والعراقي حيث تحاول أن تموه حقيقية ما يحصل في العراق معتبرة أن العنف الدموي الذي يشهده البلد سببه الأرهاب الداعشي، دون أن تُحمل قوات الأحتلال نفسها مسؤولية جلب الإرهاب الى العراق الذي كان خالي الساحة من هذا السرطان الذي تفشى مع قدوم قوات الأحتلال، وأنتشر في كافة أنحاء البدن العراقي والمنطقة.

كما ان الحكومة العراقية بدورها لا تزال تتبجح بالمكاسب التافهة التي حققتها ومنها حكومة منتخبة والتصويت على الدستور، دون ان تنظر بعين الأعتبار ان هذه الأنجازات فقدت بريقها الزائف بفعل التزوير الذي صاحب هذه العمليات والنتائج الكارثية التي نجمت عنها.

كما ان الحكومة العراقية تحاول أن تظهر بمظاهر الدولة ذات السيادة وانها العامل المحرك للحياة السياسية، في الوقت الذي ليس لها أي وزن على الصعيد الوطني فهي حبيسة المنطقة الخضراء ولا يجرأ مسؤول عن مبارحتها إلا بعد توفير طاقم كبير من الحمايات والحراسات؟

اما على الصعيد العربي فأن الحكومة العراقية لا تحظى باحترام الدول العربية والجامعة العربية، وان مظاهر الأحترام الظاهرة ليست سوى جزءاً من متطلبات البروتوكول لا أكثر، وها أمر بديهي، لا يمكن إحترام دولة تقودها ميليشيات ذات ولاء خارجي، وهي أقوى من السلطة التنفيذية، بل انها لا تحترم رئيس الوزراء الذي جاءت به الى الحكم بعد ان كان صحفيا مغمورا فاشلا، لا أحد يعرفه عنه شيئا، وسرعان ما تبرأت منه، واعتبرته عميلا للولايات المتحدة، متناسية ان جميع زعماء العراق هم صناعة امريكية انكليزية بإمتياز.

ولا يمكن إحترام دولة تستعمر إيران جنوبها ووسطها، وتستعمر تركيا شمالها، ويعبث حزب العمال التركي بعدة مدن عراقية.

لا يمكن إحترام دولة تضم جيشين، اولهما الجيش العراقي هو الحلقة الأضعف، والثاني هو الحشد السيستاني وهو الأقوى. والثاني لا يحترم الأول، بل يحتقره، ويطعن به دائما، وهذا الجيش في الحقيقة لا يستحق الإحترام، بسبب ضعفة، وضمه ضباط الدمج، وطائفيته المقيتة.

ولا يمكن إحترام دولة يُسيرها مرجع فارسي ولائه لبلاده الأم ايران، حتى موقعه الالكتروني في ايران، ومعظم مشاريعه العمرانية في ايران، والإستثمارية في لندن.

نقول لهذا المرجع أما آن الأوان لتتخلص مما في رقبتك من ذنوب ارتكبها حشدك، بإصدار فتوى تحله؟

الا يستحق الإستعمار التركي في شمال العراق اصدار فتوى كفائية لمقاومته من قبل ما يسمى بمحور المقاولة او المقاومة؟ شلت يمينكم ان انصفتم الشعب العراقي يوما!

وسوم: العدد 931