لن تموت أيها الأمل، لن تموت!!
أوراق لم تسقط عمدا (21)
فراس حج محمد /فلسطين
تمر السنوات وما زال الأمل في محطته جريحا يعاني من آلامه وجراحه التي مُنِيَ بها في معاركه المستمرة، لم يكن مثخنا ومحموما كما كان في تلك السنة التي انفرطت أيامها وتبعثرت أشلاؤها في دمائنا، لقد كانت سنة صفراء ذابلة كأوراق الخريف تُخَرْخِشُ كلما حركتها الريح لتصدر صوت أنينها وقد شعرت بالخسران المبين.
عام هجري مضى ولم ننتبه أنه نسل من أرواحنا أجمل اللحظات، عام هجري تصرّم راحلا وقد حملنا فيه من الأوزار والآثام والآلام ما يكفي لتفتيت جمرة الجحيم في نفوسنا، عام هجري تلاشت أيامه مخلفا وراءه أشباحا من الذكرى والخوف والعقم والردى، عام هجري مليء بما أشقى وأسقم حتى النجوم في أفلاكها، والبدر في مداره أصبح رماديا رصاصيّ اللون متكاسلا، لا يروم طلوعا مكسوفا خجلا من شدة ما عانى أصدقاؤه ومحبوه من ألم في ذلك العام الذي مات، وما مات الأسى، فيا ليته رحل ورحلت معه أوجاعنا، ولكنها تأبى أن تفارقنا، تبدأ معنا رحلتها في عام هجري جديد فهل سنستطيع لها شفاءً!!
عام هجري انتهى بدماء مصبوبة أنهارا هنا وهناك في كل بقعة من هذا العالم، في سوريا، حيث البطش يأخذ مداه بأوسع ما استطاع، ويعرش الموت المجاني فوق الرؤوس، فتهدم البيوت، وتدك المساجد، ويموت الناس ويشردون، وما ذاك إلا ثمنا لبقاء حاكم مهوس لبعض وقت على كرسي الوهم رئيسا فرعونيا نيرونيّ النزعة ساديّ النفس مغرور.
عام هجري بدأ في فلسطين حيث المستضعفون نساء ورجالا وأطفالا لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، محاصرون في علبة من سردين القطاع المحاصر المنكوب، تتسلى بهم آلات البطش والموت، ويسهر على بريق دمائهم وعزف أناتهم المترفون من نبلاء العالم الحر، عالم الديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان، عالم الحرية والكرامة وحق الحياة بأمان وبعيدا عن بطش المستهترين والطغاة.
لقد أثبت هؤلاء جميعا عقيم الفكرة والسلوك، فالضحية لا تُرى والمأساة هي مأساة الجاني المجرم في حقه في الدفاع عن نفسه، عام هجري رسخ في وعينا أن أدعياء الأفكار الجديدة ما هم إلا ضغث على إبالة، وما لهم أي صلة أو اتصال بما تعاني منه البشرية من آلام وأوجاع، أو ما تتطلع إليه من حرية وانعتاق، لقد ماتت كل الأفكار عندما وصلت إلينا، وجاء دورها لترى النور وإذا بها في ظلام دامس، لتدخل بهذا الظلام عاما هجريا جديدا!!
عام هجري متواصل في العزف على أوتار المحنة في بلادنا، فهل سنظل مكتوفي الأيدي نتحسر ونبكي ونرثي شهداءنا، ونزفهم إلى جنات الخلد بزغاريد القهر، متى سنعلن أننا قد تقدمنا خطوة إلى الأمام نزف فيها شهداءنا وهم في معارك الخلاص الأخير من المحتلين والمستغلين والفاسدين والعتاة والطغاة والمتجبرين، لتعلن الحياة ألقها من جديد، ويتفتح دم الشهداء ليسري نورا وبهجة في غناء الساهرين وأضواء الشموس الزاهية، ويسري روحا وعبقا يعانق الفل والنسرين والدحنون؟؟
متى سنقول بحق كل عام ونحن بخير، وننعم بالخير والحياة الهادئة المطمئنة لا نخاف على نفس من أن يتخطفها موت هنا ويد غول هناك؟ متى سنقول كل عام وأمنياتنا في ازدهار وأغنياتنا في بهجة العيد نشدوها من قلب سعيد فعلا، ليكون لحياة القلوب مع أحبابها طعم خاص؟ فلا فرح لقلب ولمعنى لحب إذا كانت الدماء شلالات والموت معروض بالمجان.
ومع ذلك وعلى أمل أن نعيش ذلك، أقول لكم أحبابي جميعا كل عام وأنتم إلى الله أقرب، علينا جميعا أن نضمد جراح الأمل عسى العام الجديد يحمل لنا خير القلوب وحب النفوس والأمل بحياة أفضل.