" أطمة " و الهروب إلى الموت
" أطمة " و الهروب إلى الموت
معاذ عبد الرحمن الدرويش
منذ بدايات الثورة و نحن نحاول تحريك ضمائر العالم لتقف إلى جانبنا ضد الظلم الذي ألم بنا و الذي لم يشهد التاريخ الإنساني مثيله ، و لإيقاف نزيف دم أطفالنا و نسائنا ، و حماية رقابهم من سكاكين الموت التي لم توفر رقبة أي أحد وقع تحت سطوتها.
إلا أن صراخنا كان صدى في وادٍ سحيق.
و إذا كانت المصالح السياسية العالمية أكبر من عواطف الشعوب المغلوبة على أمرها ، و أن قرار إيقاف الحرب الظالمة التي شنها النظام المجرم بحق شعب سوريا لم تكن بصالح أي نظام من الأنظمة العالمية ، لكن ما هو مبرر أن يعاقب الشعب السوري كله ، أينما حل و أينما كان ؟ .
لم يكن يخطر ببال أي مواطن سوري ، في يوم من الأيام أن خروجه من بيته يمكن أن يشكل أي مأساة أو مشكلة و في ذاكرته تجارب قريبة عايشها بنفسه أو قديمة تناقلها عبر الأباء و الأجداد .
لأن الذي يهجر من موطنه ،يلقى عناية و رعاية كما لو أنه في بيته و وطنه و أكثر ، هذا ما فعله كل السوريين مع إخوانهم عندما جاؤوا إليهم من فلسطين و عندما جاؤوا إليهم من العراق و عندما جاؤوا إليهم من لبنان و لو عدنا في التاريخ إلى الوراء قليلاً كما حصل مع الأرمن و غيرهم ، حيث فتح السوريون قلوبهم و بيوتهم لهم ، اجلسوهم في صدور البيوت و اكتفوا هم بعتباتها.
أما في أطمة اليوم على الحدود التركية ، وجد السوريون أنفسهم وحيدين ،إلا من أرض يفترشونها ، و من سماء تغطيهم ، و موت يلحق بهم من وطنهم ، و ذل و إهانة أصعب من الموت - الذي يفرون منه - تحيط بهم .
وضع الهاربين من الموت - في أطمة - أكبر من أن يوصف حيث ترزح عدة ألوف من العائلات و لا مأوى إلا ظل شجرة زيتون أو بقايا خيمة و لا دورات مياه و لا ماء و لا يوجد أي أساس من أساسيات الحياة باستثناء أنهم أصبحوا خارج دئرة شظايا البراميل المتفجرة و الصواريخ .
و لإعطاء صورة عن حجم المأساة سنورد هذه اللقطة القصيرة،طفللان ممدان داخل بقايا خيمة تغطي وجهيهما صفرة و شحوب،و اضحين .
ما بال الطفلان هل هما مريضين ؟
نعم ،مريضين بسكر الأطفال ،
ألا يوجد معكم دواء ؟
اجاب الوالد:
عن أي دواء تتحدث ؟ أنا أريد رغيف خبز لأطعمهم.
المأساة رغم عظمها الآن لم تنته عند هذا الحد، و إذا استمرت الأمور على وضعها الحالي ،فالأيام القريبة تنذر بتفاقم المأساة أكثر و أكثر إذا ابتدأ فصل الشتاء و حوصر الناس هناك بالبرد و المطر و الطين ، حيث أن المنطقة التي يقبعون فوقها هي عبارة عن أرض زراعية و لا يصل إليها أي طريق إسفلتي معبد، هذا يعني أنها ستصبح معزولة عزلاً تاماً عن العالم البعيد بالأساس عن إنسانيته ، و التي ماتت بدورها تحت قصف الصواريخ و المدفعية و عجزت عن الهرب و اللجوء إلى ظل شجرة زيتون في " أطمة " ...
و من هنا نعاود و نستصرخ من جديد ،لعل هناك من مجيب ، أنقذوا ما تبقى من الشعب السوري في "اطمة " و في الزعتري و في كل مكان ، لعل الله ينقذ ما تبقى من بقايا إنسانية ما زالت تصارع الموت في صدوركم....