الصفوية والصوفية 6

علي الكاش

الصفوية والصوفية

خصائص وأهداف مشتركة 6

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

" إن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة. فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلفة في صاحبهم، وحملهم على وضعها عداوة خصومهم". إبن أبي الحديد( شرح نهج البلاغة 11/49).

في هذا المبحث سنناقش بعض المحاور الأساسية في العقيدتين وأوجه التشابه بينهما، لنصل إلى حقيقة مهمة وهي: إن التصوف والصفوية رافدان ينبعان من نهر واحد يسمى الشعوبية، ويتلاقيان في مصب واحد هو تدمير الإسلام.

الإمامة في العقيدتين الصفويه والصوفيه

يذكر د. أحمد أمين بأن" إن الصوفية اتصلت بالتشيع اتصالاً وثيقاً، وأخذت فيما أخذت عنه فكرة المهدي، وصاغتها صياغة جديدة وسمته (قطبا)، وكونت مملكة من الأرواح على نمط مملكة الأشباح، وعلى رأس هذه المملكة الروحية القطب، وهو نظير الإمام في التشيع. والقطب هو الذي يدبر الأمر في كل عصر، وهو عماد السماء، ولولاه لوقعت على الأرض. ويلي القطب النجباء، قال ابن عربي في الفتوحات المكية: هم اثنا عشر نقيباً في كل زمان، لا يزيدون ولا ينقصون، على عدد بروج الفلك الاثني عشر، كل نقيب عالم بخاصية كل برج وبما أودع الله تعالى  في مقامه من الأسرار والتأثيرات". (كتاب ضحى الإسلام/245). لاحظ إن عدد النقباء(12) يساوي عدد اللأئمة!

تعتبر الولاية من أركان الإسلام في العقيدة الصفوية وهي أفضل من الفرائض الإسلامية جميعا ويحذرون المسلمين من إنكارها بالإدعاء "من أنكر الولاية لا تقبل منه صلاة، ولا زكاة، ولا حج، ولا صوم" (أمالي الصدوق/154). والأنكى منه قولهم" لو سجد الساجد حتى ينقطع عنقه، ما قبل الله منه ذلك إلا بولاية أهل البيت". (الخصال1/41 والمحاسن/ 224). وإن الأخبار "متضافرة في تأويل الشرك بالله والشرك بعبادته بالشرك في الولاية والإمامة أي أن يشرك مع الإمام من ليس من أهل الإمامة" (مرآة الأنوار/202). وتشير مصادرهم بأن العالم لا يخلو من الأئمة لأنهم حجج الله على عباده، ولولاهم ساعة لساخت الأرض بأهلها! يدعي القمي" لو إن الإمام رُفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله" ( كمال الدين وتمام النعمة لإبن بابويه القمي). وينسب للإمام جعفر" لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت" . كتاب(الكافي1/180)! في حين منذ إختفاء المهدي والدنيا بلا إمام فلا ماجت البحار، ولا هاجت السماء، ولا ساخت الأرض!

ويغالي البعض في تعظيم الإئمة زاعما بأنه لولاهم ما عُبد الله! ولا نفهم كيف يبررون لنا عبادة الناس لربهم منذ زمن نبينا إبراهيم(ع) لغاية دعوة نبينا محمد(ص) حيث لم يكن هناك إمام؟ ونسبوا حديثا كاذبا لإبن عباس عن النبي(ص) في الإئمة" بهم يَحبس الله العذاب عن أهل الأرض، وبهم يمسك أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم يمسك الجبال أن تميد بهم، وبهم يسقي خلقه الغيث، وبهم يخرج النبات، أولهم علي وآخرهم المهدي".(الإختصاص/223).

حسنا! لماذا الأئمة وليس الأنبياء والرسل أختصوا بهذا القرب من الذات الإلهية؟ وكيف يدعي النبي(ص) هذا الأمر الجسيم للأئمة وليس لنفسه؟ هل الأئمة أعز عند الله من الأنبياء والرسل؟ إذا كان الجواب: لا! إذن بطل الحديث. وإن كان الجواب: نعم! إذن لماذا لم يصطفيهم الله تعالى بدلا من الأنبياء والرسل؟ ثم ما الذي قدموه الإمة للإسلام؟ هل نشروه؟ هل افتتحوا الأمصار؟ هل فسروا القرآن وألفوا عشرات الكتب عن النبي(ص) والإسلام؟ هل قدموا علما عاما انتفع به المسلمين؟ هل وحدوا كلمة المسلمين؟ إذن فضلهم يرتبط بقرابتهم من النبي فقط.

يذكر الكليني بأنه " لو لم يكن في الأرض إلا إثنان لكان الإمام أحدهما". ويضيف محمد رضا المظفر بأن" الإمامة أصل من أصول الدين لايتم إلا الإيمان به، فالإمامة إستمرار للنبوة". (اوائل المقالات في المذاهب والمختارات/69).

الأنكى منه هو ربط المجلسي عبادة الله بوجود الإمام بقوله" لا تخلو الأرض من حجة إلى أن تقوم الساعة، ولو لا ذلك لما عُبد الله"! إذا مالذي كان يفعله الرسول برسالته؟ ولماذا فرضت العبادات على البشر طالما العبادة مرتبطة بالحجة؟ وكيف سيكون الأمر للفرق التي لا تؤمن أصلا بالإمامة وهم الأكثرية من المسلمين؟ وينسب الصفويون حديثا للنبي(ص) بأن" من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وميتة الجاهلية لا تكون إلا عن كفر". ( تلخيص الشافي للطوسي 4/131). حسنا! من هو الإمام الحالي عند الصفوييين؟ المهدي الذي إختفى خوفا؟ أم الخامنئي أو السيستاني ام النجفي أو اسحق الفياض أم الحائري والعشرات غيرهم؟ فكلهم آيات الله وحججه.

المتصوفة إستعاروا تخاريف الصفويين أيضا ليسبغوها على شيوخهم وأولوا آيات الذكر الحكيم حسب أهوائهم لتدعم إدعاءاتهم الباطلة. منها إنهم أمناء الله وخزنة أسرار علمه والعارفين به، وصفوة الخلق وغيرها من الصفات التي تزخر بها مصادرهم. ذكر الحكيم الترمذي بأنه" لا تخلو هذه الأمة قائم بالحجة". (ختم الأولياء/360). ذكر الطوسي في كتابه( اللمع/19) عن شيوخه بأنهم" أمناء الله عزٌ وجلٌ في أرضه، وخزنة أسراره وعلمه، وصفوته في خلقه". ويدعي أبو طالب المكي بأن" الله يسخط على كل بلد ليس فيها منهم"! ولو نظرنا الى خارطة العالم لرأينا إن أكثر الدول تخلفا وفقرا وجوعة وجهلا وقذارة وضعفا، هي الدول التي فيها الأئمة والمشايخ وقبورهم. وهذا المنوفي يذكر" إنهم حجج الله تعالى على خلقه، وهم سبب نزول البركات ودفع النقمات". كتاب( جمهرة الأولياء1/102). وأولوا كلام الله حسب إهوائهم. فيوصف السلمي مثلا الشيوخ بأنهم الأوتاد والرواسي المشار إليهم في سورة الرعد/3(( هو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي)). ويذكر إبن عربي( الفتوحات المكية 1/244) بيت الشعر التالي:

أنا خاتم الولاية دون شك  ***  لورث الهاشمي مع المسيح

ويلاحظ ان نفس هذه الإسطوانات المشروخة نسمعها عن قيام الأئمة والأولياء بفداء الناس أنفسهم أمام الله وهو إفتراء مفضوح. فالكليني ينسب إلى موسى بن جعفر القول بأن" الله عز وجل غضب على الشيعة، فخيرني نفسي أو هم، فوقيتهم بالله بنفسي". (الكافي1/260). ولم يقول لنا كليم الله سبب غضب الله على الشيعة؟ وكيف فداهم بنفسه؟ وما هو ثمن الفداء؟ الموت بالطبع لا! لأنه عاش بعد قوله. أو أن يدخل جهنم بدلا عنهم؟ أم ماذا؟ - حاشاه بالطبع من هذا الأفك المنسوب إليه- لعن الله القوم الظالمين والمفترين عليه وعلى نبيه وآله وصحبه. وهذا الشعراني ينسب للرفاعي بأنه" كان يمرغ وجهه وشيبته في التراب باكيا ويقول: اللهم إجعلني من يقف البلاء على هؤلاء الخلق".( الطبقات الكبرى 1/144).

ويلاحظ إن المتصوفة إستعاروا تسمية(الحجة، القائم) من الصفويين وأضفوها على شيوخهم رغم إنها لاتعني شيئا في مصطلحاتهم الصفوية، حيث يستخدمون بدلا عنها(  الغوث، القطب، الشيخ، الأستاذ، الكامل) كدلالة على المنزلة الرفيعة لشيوخهم. وهذا يدل على تبعيتهم الصفوية، رغم أن لهم مئات المصطلحات الخاصة بهم يمكن الرجوع إليها في قاموس المصطلحات الصوفية. ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في( كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي1/134) نقلا عن الطوسي السراج" لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة كي لا تبطل آياته، وتدحض حججه". بمعنى إن الدين لم يكمل، ورسالة النبي ناقصة لأن آيات الله وحججه سوف تبطل بدون قائم! وفي كتاب( قواعد التصوف لإبن زرق/48) جاء" لا تخلو الدنيا في هذه الأمة من قائم بالحجة". وذكر الشعراني( كتاب الأخلاق المتبولية2/116) نقلا عن الشيخ( علي الخواص) قوله" من نِعم الله على عباده كونه لا يخلي الأرض من قائم له بحجة في دينه، رضية لولايته، وإختاره لمعاملته، ويبين به دلالاته، ويوضح به طريقته". عجبا لهؤلاء الأوغاد! ألم يوضح الله تعالى طريقته في الذكر الحكيم؟ وماذا كان يفعل الأنبياء؟ وأين كتب الأئمة والأولياء التي وضحت طريقة الله؟ ومن منهم كان حجة في دينه وبين به الله تعالى دلالاته؟

علاوة على إستخدام مصطلحاتهم الخاصة مثل(الكامل). ويتجلى في قول  إبن عربي" لا يخلو الزمان عن كامل" أي قطب/ غوث( كتاب عقلة المستوفر/97). أو (الشيخ) كما هو عليه في قول أبي يزيد البسطامي" من لم يكن له شيخ، كان الشيطان شيخه". أو(الأستاذ) كما في قول إبن عربي" يقال له الشيخ الوارث والأستاذ، من لم يكن له أستاذ فإن الشيطان أستاذه". للمزيد راجع(كتاب ذخائر الأعلاق/ تحقيق محمد عبد الرحمن/ط القاهرة).

مفهوم الشرك في العقيدتين

المشركون كما هو معروف هم الذين أشركوا بالله تعالى وذلك بأن جعلوا له شريكا في الخلق وإدارة الكون، ومنهم من يعبد الأوثان والبشر والنبات والحيوان والجماد والنار والظلام. والكفار هم من جحدوا الإيمان بالله ورسله وكتبه. ويشترك الصنفان بصفة الخلود في النار، كما جاء في سورة البينة/6 (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة)) وسورة المائدة الآية/72 (( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار)). ويلاحظ إن مفهوم المشرك كما عرفه الطبطبائي في تفسير الميزان" هو من يعبد الأصنام وغيرهم". وفي كتاب تحرير الوسيلة عرف الخميني الكافر بأنه كل من" إنتحل غير الإسلام أو إنتحله و جحد مايعلم من الدين ضرورة بحيث يرجع جحوده الي انكار الرسالة، او تكذيب النبي صلي الله عليه و آله او تنقيص شريعته المطهرة، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل". لكننا من خلال إستعراض النصوص القادمة سنجد إنهم لايلتزمون بهذه المعايير فالشرك والكفر لايراد منه التعرض والتجاوز على الذات الإلهية والأنبياء والرسل، وإنما يتعلق فقط بالأئمة فقط؟ لذا لايعتبرونه شركا عندما نفى المرتضى والطوسي قدره الله تعالى، كما جاء في كتاب العلامة الحلي( النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر/ بشرح وتحقيق المقداد السيوري/34) حيث ذكر" حكي عن السيد المرتضى والشيخ الطوسي رض الله عنهما إنهما ممن نفي قدرة الباري تعالى، وقولهما رحمهما الله عجيب"! نحن أيضا نعجب مما جاء! كيف يسبغ عليهما عبارة(رض)! وهما ينفيان قدرته تعالى؟ هل يرضى الله تعالى عمن لا يعترف بقدرته؟

لنستعرض أهم ما ورد بهذا الزعم. يذكر الكليني في الكافي" إن المراد بالمشركين هم من أشركوا في ولاية علي". (أصول الكافي وتفسير القمي وتفسير العجاشي والبرهان وبحار الأنوار ومرآة الأنوار). و"أن الكفر أيضاً معناه إنكار إمامة علي"( تفاسير العياشي والصافي والبرهان والقمي). كذلك" من اشرك مع إمام إمامته من الله مع من ليست امامته من الله، كان مشركا بالله".( الكافي1/305).  وأولوا آيات الله بما يتوافق مع دعاويهم الباطلة. وهو تأويل يمكن لأي فرقة أن تدعيه لوليها أو زعيمها. منها على سبيل المثال إن المراد بقوله تعالى في سورة الكهف/110 ((ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)) أي يسلم لعلي ولا يشرك معه أحداً في الخلافة! (راجع تفسير العياشي 2/353، تفسير الصافي 3/270، البرهان 2/497) .في حين إن المعنى واضح في الآية الكريمة ويعني الشرك بالله. ولا علاقة للخلافة والإمامة بالأمر لا من بعيد ولا من قريب! وزاد القمي والعياشي والمجلسي بأن" الكفر والضلال يعني الكفر بإمامة علي" وفسروا ما جاء سورة الفاتحة/7((غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) بأن المراد بهذه الآية الذين لايعرفون الإمام علي! وهذه الكلام يعني إن كافة المسلمين في فجر الإسلام وصدره هم من الكفار والضالين لأنهم لايعرفون بإمامة علي كأمر إلهي.

الصوفية لديهم رؤية مشتركة مع الصفويين فالشرك في مفهومهم" من أشرك بشيخه شيخا آخر، فقد أشرك بالله". أي أصبح الشيخ بمنزلة الله! أليس هذا كفرا أم ماذا؟ وذكر عبد الرحن السلمي" من لم يتأدب على شيخ فهو بطال. ومن لم يلحقه نظر شيخ وشفقته لا يجيء منه شيء"( تسعة كتب في أصول التصوف والزهد/166). وذكر القشيري في رسالته( 2/735) عن أبو يزيد البسطامي" من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان". وننهي حديثنا بهذا الصدد، بما نسبه الشعراني للجنيد " لا يبلغ الرجل عندنا مبلغ الرجال حتى يشهد فيه ألف من علماء الرسوم بأنه زنديق". ( الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية- طبع على هامش الطبقات 2/28). فمن أين يؤتى بألف من علماء الرسوم؟ وهل شهد هذا العدد بالجنيد نفسه؟ ليعدد لنا المتصوفة ربع هذا العدد من العلماء. ولماذا يشهدون بأنه زنديق وليس مؤمن؟ منذ متى أصبحت الزندقة مقياسا للكمال والعلم؟

عقيدة الحلول

من المعروف إن عقيدة الحلول من العقائد القديمة التي ورد ذكرها في اليهودية والنصرانية والمجوسية والديانات الهندية القديمة. فالنصاري يدعون بان الذات الإلهية المقدسة قد حلت بالسيد المسيح وهو ما يطلقون عليه" حلول اللاهوت في الناسوت". حيث جاء في(أشعيا45/22) النص" إلتفوا إليٌ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر". واعتقد المجوس ان الله يَحل في ملوكهم لذلك أضفوا عليهم هالة من القدسية، تحولت فيما بعد للأئمة وإنتهت بآيات الله وحججه.

ففي العقيدة الصفوية يستندون على رواية تأريخية تؤكد بأن أول من تحدث عن حلول الله في الأئمة هو اليهودي إبن سبأ. وقد ذكرها إبن أبي الحديد في( شرح نهج البلاغة 5/5) بقوله" قال إبن سبأ للإمام وهو يخطب: أنت أنت وجعلها يكررها. فقا الإمام: ويلك من أنا؟ فقال إبن سبأ: أنت الله، فأمر بأخذه". وتشير الروايات بأن الإمام علي(رض) أمر بحرقهم فزادهم بعقابه ذاك تمسكا بإلوهيته! مدعين بأن الله فقط يعذب بالنار. وقد أثبت الإمام ربويته بعقوبته! ويذكر الكليني في الكافي رواية عن أبي عبد الله في باب ولادة النبي(ص) بأن الله تعالى قال" يا محمد إني خلقتك وعليا قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي وبحري، ثم جمعت روحيكما واحدة، ثم قسمتها ثنتين، وقسمت الثنتين ثنتين فصارت أربعة، محمد وعلي والحسن والحسين".

المتصوفة يحذون حذو الصفويين، فقد ذكر ابن خلدون بهذا الخصوص بأنهم أخذوا فكرة الحلول من التشيع" إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة، المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس، توغلوا في ذلك فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة وملأوا الصحف من مثل الهروي في كتاب (المقامات) له وغيره وتبعهم إبن عربي وإبن سبعين وتلميذهما إبن العفيف، وإبن الفارض والنجم الإسرائيلي في قصائدهم وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضا بالحلول و إلهية الأئمة مذهباً لم يعرف لأولهم فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم". (مقدمة إبن خلدون/ 473).

ويلاحظ إن الحلاج قد صرح بهذا الحلول في الكثير شعره:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا       نحن روحان حللنا بدنا

فــإذا أبصـــرته أبصـرتني        وإذا أبصرته أبصرتنا

وقد إستشهد في دعوته للحلول على شاهدين عجيبين هما إبليس وفرعون وسماهما" صاحبي وإستاذيٌ". كتاب أخبار الحلاج/100). ويذكر القاضي عياض في كتابه( الشفا 2/298) لقد" أجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول". ورغم قول إبن عربي حسبما ذكر الشعراني" من قال بالحلول فدينه معلول، وما قال بالإتحاد إلا أهل الإلحاد". لكن كتب إبن عربي تتحدث معظمها عن عقيدة الحلول والإتحاد، وما قوله هذا إلا تقية بعد أن أتهموه بالشرك، وشاهد بعينه مصير الحلاج. فقد نقل الشيخ محمود ابو الشامات في كتابه( الإلهمات الإلهية على الوظيفة اليشرطية) حديثا لإبن عربي جاء فيه" يجب على المريد أن يعتقد في شيخه بأنه المتحكم في موته وحياته وإن الله تجلى في صورته".

عقيدة الرجعة

اعتمدت الصفوية والصوفية على التوراة في عقيدة الرجعة الموجودة في(الإصحاح 4/5).  فالمسيح والقائم وبعض الأولياء سيرجعون للحياة ثانية للإنتقام والقضاء على الجور والظلم. ويذكر الشيخ المفيد في كتابه(اوائل المقالات/51) بأن الشيعة الأمامية اتفقت" على وجوب رجعة كثير من الأموات الى الدنيا يوم القيامة". ويعرف السكسكي الرجعة بأنها تعني" رجعة الأموات إلى الدنيا، وإبن سبأ هو أول من قال ذلك".( البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان/ 50). وذكرت الكثير من المصادر قول إبن سبأ اليهودي " العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع! ويُكذب بأن محمداً يرجع، وقد قال الله في سورة القصص/85 (( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)). فمحمد أحق بالرجوع من عيسى". (تاريخ الطبري 4/140). ويذكر القمي عن جماعته "من لوازم هذه العقيدة عندهم الاعتقاد بأن علياً حي لم يمت، ولهذا فالشيعة يقولون بأن علياً لم يقتل ولم يمت، ولا يموت حتى يملك الأرض، ويسوق العرب بعصاه". (المقالات والفرق/19). هل العرب حمير ليسوقهم بعصاه؟ أنظروا الدس لم يقول مسلمين وإنما خصوا العرب فقط! هذه هي أساليب الشعوبيين فلا عجب. فعلى مرقد الإمام الحسن كتبوا"لعن الله أمة قتلتك" لأن العرب قتلوه فصبوا اللعنة على الأمة! لكن على قبر الإمام علي كتبوا" لعن الله رجلا قتلك" لأن من قتله فارسي فصبوا اللعنة على الرجل وليس الأمة!

وقد جاء في خطبة منسوبة للإمام علي يذكر فيها" أنا الذي أقتل مرتين، وأحيي مرتين، وأظهر كيف شئت". ( بغية الطالب في معرفة علي بن ابي طالب/408). وينسب الميرزا محمد بن دوست الحسيني الإسترابادي للإمام علي القول" وإن ليٌ الكرة بعد الكٌرة والرجعة بعد الرجعة، أنا صاحب الرجعات والكٌرات". كتاب(الرجعة للإسترابادي/65). وتشير المصادر بأن القائم سيرجع لينتقم من أعداء آل البيت، ويملأ الأرض عدلا ويحكم بشريعة النبي داوود وليس شريعة النبي محمد(ص)! تأثر واضح وصريح باليهودية.

نفس العقيدة يؤمن بها المتصوفة. حيث يذكر الشعراني نقلا عن أحد مشايخ الصوفية قوله في الإمام علي" لقد رُفع كما رُفع عيسى(ع) السلام، وسينزل كما ينزل عيسى". ويضيف الشعراني بأنه سمع شيخه(علي الخواص) يذكر" إن نوحا(ع) أبقى من سفينته لوحا على إسم علي بن أبي طالب(رض) يرفع عليه إلى السماء فلم يزل محفوظا في صيانة القدرة حتى رُفع علي بن أبي طالب". (كتاب طبقات الشعراني 2/44). ويزعمون أن الشيخ علي الميرغيني قد قبض روح أحد مريده، من ثم أرجعه حيا، وتم ذلك بحضور النبي(ص)! للمزيد راجع كتاب (قبس من نور لمحمد عثمان البرهاني/56). ونسب الشعراني للشيخ أحمد الرفاعي قوله" لولا لطف ربيٌ ما رجعت إليكم".( الطبقات1/143). كما قال الحلاج بأنه سيرجع بعد موته باربعين يوما ولم يرجع.

للحديث تابع بعون الله.